عندما تصبح البطالة الناجمة عن التكنولوجيا مشكلة كبيرة في المستقبل، فإنها لا تمثل مشكلة كبيرة اليوم، ولا يرجح أن تصبح مشكلة في المستقبل القريب. وينبغي ألا يركز صانعو السياسات على الاستجابة لتهديد لا هو محدد بشكل جيد ولا هو مؤكد الحدوث وهو البطالة التي ستنجم مستقبلا عن التكنولوجيا، عندما تكون تكنولوجيا المعلومات سببا في بعض المشكلات الحقيقية للغاية لكل من الموظفين وأرباب العمل في هذه اللحظة. ليس مديرو سلاسل الإمدادات هم التنفيذيين الوحيدين الذين يقولون إنهم يواجهون صعوبات في العثور على العاملين الذين لديهم المهارات اللازمة لاستخدام التكنولوجيا الجديدة. وتجري شركة مانباور جروب ManpowerGroup الكائنة في الولايات المتحدة مسحا سنويا يشمل 38 ألف مدير في مختلف بلدان العالم. وفي العام الماضي، أفاد 35 في المائة من المديرين بأنهم يجدون صعوبة في تعيين عاملين لديهم المهارات المطلوبة. وذكرت مسوح أخرى أرقاما مماثلة. إلا أن بعض الاقتصاديين يتشككون بشدة في شكاوى أرباب العمل من وجود نقص في العمالة الموهوبة. ويرى البعض مثل بيتر كابيللي أن عدد العاملين المتعلمين يتجاوز العدد اللازم لأداء وظائف اليوم. إلا أن المهارات الغائبة متصلة في معظم الأحوال بالتكنولوجيا ويتم تعلمها من خلال الخبرة الوظيفية وليس في المدرسة، ومن ثم يمكن أن يواجه أرباب العمل نقصا في المهارات على الرغم من ارتفاع مستويات التعليم. ويرى اقتصاديون آخرون أنه يستبعد أن يكون هناك نقص في المهارات لأن متوسط الأجور لا يرتفع. ويقول جاري بيرتليس من معهد بروكينجز إنه ربما لم يكن المديرون قد نسوا كل ما تعلموه في مادة مبادئ الاقتصاد في الجامعة "101 Econ"، فينبغي أن يعترفوا أن إحدى طرق ملء الشواغر هو أن يعرضوا على طلاب الوظيفة المؤهلين سببا دامغا لقبول الوظيفة، بعرض أجر أو مزايا أفضل. ونظرا لأن الأجر الوسيط لا يزيد، ينتهي بيرتليس إلى أنه لا يوجد نقص في العمالة الماهرة. وبيرتليس على حق حين يقول إن الأجور تزيد للعاملين الذين يملكون المهارات اللازمة، إلا أنه يفترض أن العاملين في المستوى الوسيط، يمتلكون بالفعل المهارات التي يريدها أرباب العمل. ويبدو ذلك غير مرجح إذا كانت لديهم صعوبة في تعلم المهارات اللازمة للتعامل مع أحدث تكنولوجيا. وفي تلك الحالة، سيتعلم بعض العاملين ويتمتعون بتزايد الأجور إلا أن آخرين، بمن فيهم العامل الوسيط سيرون أن مهاراتهم قد أصبحت غير مواكبة للعصر ويحصلون على أجور راكدة أو حتى أقل. ولا تمثل تنمية المهارات لتطبيق التكنولوجيا الجديدة مشكلة جديدة. ففي الماضي، استغرقت مؤسسات التدريب وأسواق العمل أحيانا وقتا طويلا للتأقلم مع تكنولوجيات جديدة رئيسة. وعلى سبيل المثال كانت أجور المصانع أثناء الثورة الصناعية راكدة لمدة عقود إلى أن تم توحيد المهارات الفنية والتدريب، وعندما حدث ذلك ارتفعت أجور المصانع بصورة حادة. ويحدث شيء مماثل فيما يبدو اليوم. ولننظر مثلا إلى مصممي الجرافيكس. حتى الآونة الأخيرة، كان مصممو الجرافيكس يعملون أساسا في الوسائط المطبوعة. ومع مجيء الإنترنت، زاد الطلب على مصممي الشبكات الإلكترونية ومع الهواتف الذكية زاد الطلب على مصممي تطبيقات الهواتف المحمولة. وكان على المصممين مواكبة التكنولوجيات الجديدة والمعايير الجديدة التي تتغير باستمرار. وفي هذه البيئة لا يمكن للمدارس أن تواكب التغيرات. ولا تزال معظم كليات فنون الجرافيكس موجهة نحو تصميمات الوسائط المطبوعة، وسرعان ما يصبح جزء كبير مما يعلمونه غير مواكب للعصر. وبدلا من ذلك، يتعين أن يتعلم المصممون أثناء العمل، لكن أرباب العمل لا يقومون في جميع الأحوال بتوفير حوافز قوية لذلك. ولا يرغب أرباب العمل في الاستثمار في التعليم عندما يغادر الموظفون وتتغير التكنولوجيا. وعلاوة على ذلك، نظرا لأن التكنولوجيا الجديدة غير موحدة في الأغلب، فإن المهارات التي يتم تعلمها في وظيفة ما لا تعني كثيرا لأرباب العمل الآخرين، ومن ثم فإنهم لا يعرضون أجورا أعلى. ولا يرغب الموظفون في الاستثمار في أنفسهم دون أن تكون هناك سوق عمل قوية لمهاراتهم ومسارهم المهني في الأجل الطويل.
مشاركة :