قد يتوقع المرء أن هذه الأتمتة تنتقص من أعداد صرافي المصارف، لكن الواقع هو أن عدد وظائفهم لم ينقص مع تعميم أجهزة الصرف الآلي. وبدلا من أن تضيع وظائفهم تضافر عاملان للحفاظ عليها. أولا، زادت أجهزة الصرف الآلي من الطلب على صرافي المصارف لأنها حدت من تكلفة تشغيل الفروع المصرفية. وبفضل هذه الأجهزة تناقص عدد الصرافين اللازمين لتشغيل أحد الفروع المصرفية في السوق الحضرية في المتوسط من 20 إلى 13 صرافا في الفترة بين عامي 1988 و2004. إلا أن المصارف استجابت بفتح عدد أكبر من الفروع للتنافس على الفوز بحصة أكبر من السوق. فزاد عدد فروع المصارف في المناطق الحضرية بنسبة 43 في المائة. وقل عدد الصرافين المطلوبين لكل فرع، إلا أن زيادة عدد الفروع كانت تعني عدم اختفاء وظيفة الصراف. ثانيا، في حين قامت أجهزة الصرف الآلي بأتمتة بعض المهام، فقد أصبحت للمهام المتبقية التي لم تؤتمت قيمة أكبر. فمع سعي المصارف إلى الفوز بحصص أكبر في الأسواق، أصبح الصرافون جزءا مهما من "الفريق المصرفي المعني بالعلاقات". فكثير من احتياجات عملاء المصارف لا يمكن أن تلبيها الماكينات ولا سيما العملاء أصحاب الشركات الصغيرة. ويمكن للصرافين الذين يكونون علاقة شخصية مع هؤلاء العملاء أن يساعدوا على أن يبيعوا لهم خدمات ومنتجات مالية مرتفعة الهوامش. وتغيرت مهارات الصراف إذ أصبح للتعامل النقدي أهمية أقل وللتفاعل الإنساني أهمية أكبر. إجمالا، كانت الاستجابة الاقتصادية لأتمتة عمل صرافي المصارف أكثر ديناميكية بكثير مما يتوقعه عدد كبير من الناس. ولا جديد في ذلك. فالأتمتة خلال الثورة الصناعية لم توجد حالة من البطالة بسبب التكنولوجيا. وخلال القرن الـ19، على سبيل المثال، قامت المغازل الكهربائية بأتمتة 98 في المائة من العمل اللازم لغزل ياردة واحدة من القماش. ومع ذلك زاد عدد وظائف الغزل في المصانع على مدى هذه الفترة. فقد كان انخفاض تكلفة العمل للياردة يعني انخفاض السعر في الأسواق التنافسية؛ وكان انخفاض السعر يعني زيادة حادة في الطلب على القماش، وكانت زيادة الطلب على القماش تزيد الطلب على عمال الغزل رغم انخفاض حجم العمل المطلوب لإنتاج ياردة واحدة من القماش. وعلاوة على ذلك استمرت التكنولوجيا في أتمتة مزيد من أعمال الغزل، وأصبحت المهارات المتبقية لعمال الغزل، مثل المهارات اللازمة لتنسيق العمل عبر مغازل متعددة، متزايدة القيمة. وارتفعت أجور عمال الغزل بصورة حادة مقارنة بأجور العمال الآخرين أواخر القرن الـ19. ويستجيب الاقتصاد ديناميكيا بوسائل أخرى أيضا. وفي بعض الحالات، تنشأ وظائف جديدة في مهن ذات صلة. فالنشر المكتبي كان يعني تناقص عدد عمال الطباعة لكن تزايد عدد مصممي الجرافيكس؛ ونظم هواتف الشركات المؤتمتة يعني تناقص عدد موظفي تحويلة الهاتف لكن تزايد عدد موظفي الاستقبال الذين تولوا مهام التفاعل الإنساني الذي كان موظفو تحويلة الهاتف يؤدونها في السابق. وفي كل حالة، كانت الوظائف الجديدة تتطلب مهارات جديدة ومختلفة. وتبدو الوظائف الجديدة في بعض الأحيان في قطاعات غير ذات صلة بالمرة. وعلى سبيل المثال، مع اختفاء الوظائف الزراعية ظهرت وظائف جديدة في قطاعي الصناعات التحويلية والخدمات. يمكن أيضا أن تؤدي التكنولوجيا الجديدة إلى زيادة الطلب على العاملين أصحاب المهارات الجديدة. وبالتالي فإن الأتمتة الحاسوبية لا تعني بالضرورة حدوث بطالة وشيكة لأعداد ضخمة من العاملين بسبب التكنولوجيا، إذ يمكن أيضا أن تؤدي التكنولوجيا الجديدة إلى زيادة الطلب على العاملين أصحاب المهارات الجديدة. ولقياس الأثر الفعلي لتكنولوجيا الكمبيوتر في الوظائف ككل، يتعين أن نتناول مجموعات المهن الرئيسة لرصد صافي الأثر عندما تحولت الوظائف إلى مهن ذات صلة. وشهدت الوظائف نموا سنويا في خمس مجموعات من المهن الرئيسة لاستخدام الكمبيوتر؛ وقد استخدم أكثر من نصف العاملين في كل من المجموعات الثلاث الأولى أجهزة الكمبيوتر في العمل حسب الوضع عام 2001. وفي كل المجموعات الثلاث كثيفة الاستخدام للكمبيوتر، نمت الوظائف بوتيرة أسرع من القوى العاملة ككل. وبعبارة أخرى، تسببت أجهزة الكمبيوتر في فقدان وظائف في بعض المهن المحددة، إلا أن صافي الأثر في هذه المجموعات المهنية الواسعة لم يكن البطالة الناشئة عن التكنولوجيا. وكان قطاع الصناعات التحويلية هو الوحيد الذي شهد خسارة صافية في الوظائف، إذ فقد خمسة ملايين وظيفة على مدى ثلاثة عقود. ومع ذلك فإن هذه الخسارة قد وازنها نمو الوظائف في بقية الاقتصاد. وإجمالا، خلال العقود الثلاثة التي تلت قدوم الكمبيوتر الشخصي، لم يحدث أن حلت التكنولوجيا محل العاملين ككل. إلا أن ذلك قد يكون على وشك التغير. إذ يقول بعض الأشخاص مثل فيرنور فينج كاتب روايات الخيال العلمي وهو أيضا أستاذ متقاعد للرياضيات وأحد علماء الكمبيوتر: إننا نقترب من "الأحادية التكنولوجية": فبعد عقد أو نحو ذلك ستصبح أجهزة الكمبيوتر "أذكى" من الإنسان. وعندما يحدث ذلك فإن التكنولوجيا، على حد قولهم، ستحل فعلا محل العامل الإنساني على نطاق واسع. وربما كانوا على حق، إلا أن عددا كبيرا من علماء الكمبيوتر لا يزالون في شك من ذلك. لكن الذي لا شك فيه هو أن التكنولوجيا الجديدة ستتولى القيام بعدد أكبر من المهام التي يؤديها الإنسان، وإن كان كثير من الخصائص الإنسانية سيظل مهما في التجارة العالمية. فرغم أن أجهزة الكمبيوتر يمكنها اختيار حافظات الأسهم، إلا أن المستشارين الماليين يوفرون الطمأنينة عندما تهبط الأسواق. ورغم أن أجهزة الكمبيوتر يمكنها أن توصي بمنتج معين لشرائه إلا أن الشخص البائع يفهم احتياجات المستهلك ويوحي بالثقة بأنه ستتم معالجة أي طوارئ غير منظورة بنزاهة. ورغم أن أجهزة الكمبيوتر يمكن أن تقدم توقعات طبية دقيقة إلا أنها تفتقر حتى الآن إلى اللمسة الإنسانية لتوجيه المريض في الخيارات الطبية العصيبة. ولا يتوقع علماء الكمبيوتر أن تكتسب أجهزة الكمبيوتر تلك القدرات في أقرب وقت.
مشاركة :