•• في كل مرة نجد عنده جديداً.. وفي كل مرة يفاجئنا بما يخبئه لنا.. فلا نملك إلا الاندهاش، والمزيد من التسليم بانه أكثر منا تفكيراً بها.. فهو مشغول الفكر بها دائم النظر في شؤونها وشجونها. فكان يعطيها “عشقه”، وتلك قضية على ما يبدو أنها محسومة في حساب “العشاق” فهو كثير الاحتفاء بها، كثير العناية بخصوصياتها، كبير الحرص على تميزها باستمرار لتكون في الصدارة، وتكون في جبين الزمان “ايقونة” اليها بالبنان، تلك هي حالة “العاشق” مع من “يعشق”. فماذا تقول إذا ما كانت “المعشوقة” على هذه الدرجة من الجمال والسماحة.. والطيبة، ولها من “كرزمة” المدن أوضحها فهي الجاذبة للآخرين بهذه “الكريزما” التي تحيط بها. فأنت عندها لا تشعر إلا بالاطمئنان، وبين أحضانها لا تحس إلا بالدفء والأمان.. لهذا تشكلت كريات دمه بحبها، وهو القادم من أحضان “المسفلة”، والذي حفيت أقدامه بين النقاء والحجون.. فأصبحت فاتنته المشغول بها، المعني بهمومها.. النازح من على حوافيها وطرقاتها بعض الأشواك التي نبتت بفعل عوادي الزمن، وفي غفلة عن عيون “محبيها” اتى ليحمي أقدامها من “الشوك” الذي نثر في لحظة هاربة.. يأتيها وجهها الى البحر كما قال ذلك يوم، وتشرع نوافذها على صفحته لتراقب تلك الساريات على مياهه الزرقاء.. وتتابع طيور النورس الحالمة على ساحلها.. وتفترش حبات الفيروز على شاطئها.. ليغرس في طرقاتها تلك الباسقات ليرش على أشجارها ذلك العطر البلدي الفواح.. ويزنر أرصفتها بكل ما هو مدهش من “أشكال” الفن فأنت تشعر بأنك في وسط “متحف” بتلك الأعمال الاخذة بذوقك الى الأعلى، وأنت تشاهد أعمال كبار “النحاتين” في العالم من خلال اعمالهم تلك.. ألم يقل ذات يوم.. عندما هوجم في غمرة ورشة العمل فيها، وكانت أكوام الحجارة وبقايا العمران تسد الشوارع قال كلمته: “أنا فنان.. وليس عامل نظافة” نعم لقد اثبت بعد عام من قولته تلك بانه فنان.. فأعطاها كل حدبه، وأكثر، وهي سعيدة به، وهو أكثر سعادة بها، تلك السعادة التي جعلته يمارس الابتعاد عنها جسداً بعد ان بدأت بعض الخطوات القاسية تأتي الى بعض ملامحها لتخفيها.. فلم يستطع ثقبلاً لهذا فقرر البعد، وأن كانت تعيش في داخله.. ويهدهدها في خياله كما طفلة يرعاها.. يمسح على رأسها.. ويداعبها في حنان.. إن “محمد سعيد فارسي” ليدعني أناديه بلا ألقاب فهو فرق كل لقب بإنسانيته وجرأته على اتخاذ قراراته التي كم توقف أمامها القريبون منه خوفاً وخشية عليه لتثبت الأيام صدق رؤيته فالزمن لا يرحم التأخير في بعض القضايا.. كان عنيفاً هكذا قالوا عنه، لكنه عنف “المحب” لمن أحب فهو أحب جدة، وأراد أن يطيح بكل ما يعرقل أي جمال تستحقه. ماذا أقول عن ذلك “المشوار” الذي قطعه معها وبها ليجعل منها مدينة لها مميزاتها الجمالية العمرانية؟! إنها جدة.. التي تغني بها شاعرنا الكبير حمزة شحاته: النهي بين شاطئيك غريق لقد تمثل – فارسنا – ذلك الفضاء الواسع لتلك القصيدة ليحاكيها على رمالها الندية فيعكس ذلك الجمال واقعاً ملموساً. إنه – ذلك – الفارس – الذي استطاع بكل ما قام به من أعمال ناجحة أو تلك التي لم تكن كذلك، ولكن عذره أن له أجر المجتهد. سوف يظل محمد سعيد فارسي “أحد لافتات نيون” المدن المضيئة واللافتة على الدوام.
مشاركة :