لافتات النيون المشعّة في بلدان الشرق الأقصى، تاريخ حافل وثقافة متجذّرة دخلت في صلب العادات والتقاليد، مستمدة من خصوصية أحرف اللغات في تلك البلدان وتعقيدات أشكالها، شخصية مختلفة ومتألقة. حتى أن بعضهم وصفها في عقود سابقة، بأنها «توهّج غريب في عالم بائس»، لا سيما في الأحياء الشعبية والأزقة الضيقة. كما اكتسب العاملون في هذه الحرفة التي تحوّلت صناعة معقّدة على مدى سنوات مهنية وبراعة، ما عزز رونقها وزاد من شهرتها، فأوحت بتصاميم وأعمال فنية. ويقول جيان بونغ سوك، صاحب مشغل لأحرف النيون ومنصات لافتات وهياكل إعلانية عملاقة في مدينة آنسان الكورية الجنوبية، حيث يُحتقل سنوياً بمهرجان خاص يشكّل النيون عنصراً أساسياً في فقراته، إن «تعقيدات الأحرف الكورية أو الصينية وغيرها تجعل الألوان والأضواء أكثر سطوعاً بفضلها. وعلى رغم تطوّر صناعة اللافتات والآرمات التي تُعلّق فوق مداخل المحلات والمباني وجدرانها، لا يزال الشرق الأقصى يحرص على إيلاء النيون خصوصية وأفضلية لأنه أكثر جاذبية». وبناء عليه، قطعت «التصاميم الإلكترونية وأكسسوراتها الخاصة بالنيون شوطاً بعيداً في هذا المجال». ويعارض بونغ سوك القائلين إن هذه اللافتات باتت من الماضي وعاجزة عن التطور، ويرد جازماً أنه لا يخشى أبداً اندثار هذه الصناعة وأن تصبح من «الأنتيكا أو إرثاً من ماضٍ غابر»، لأنها «متجذّرة تنافس إيجاباً الإضاءة العصرية»، مثل الصمام الباعث أو ما يعرف بمصابيح LED. وعلى رغم استخدام الإضاءة الليزرية في مواقع وأبراج كثيرة، فإن مبادرات أطلقت للحفاظ على توهّج النيون. كما أن شركات كبيرة تعنى بهذه الصناعة خصصت لهذا الإرث البصري وتشكيلاته متاحف وأجنحة. ويكشف بونغ سوك أن جامعات ومعاهد للهندسة المعمارية وفنونها تدرّس تصاميم النيون وأسراره وتقنياته. ويضم بعضها آلاف المقتنيات والقطع. وهناك مشاريع «حفظ لهذه الذاكرة وتفعيلها» في بلدان عدة فضلاً عن معارض موسمية ومواقع إلكترونية للترويج لها ودعم فنون صناعتها، ومنها متحف «أم بلس» في هونغ كونغ الذي يحرص على جمع تشكيلات فريدة، ومنها استحواذه على نيون بقرة «أبردين أنغوس» الضخمة التي بقيت معلّقة على واجهة أحد مطاعم المدينة 37 عاماً. كما تجوب فرق أحياء تشهد ورش تطوير لجمع التراث الرائع وحفظه ودراسته، وفق أمين متحف» أم بلس» اريك تشن.
مشاركة :