رفضت الحكومة اليمنية أي مساعٍ للقفز على «اتفاق استوكهولم» مع الميليشيات الحوثية، معتبرة أن أي خطوة من هذا القبيل ستُعدّ عائقاً أمام السلام، وبمثابة مكافأة للانقلابيين. وفي الوقت الذي شددت فيه الشرعية اليمنية المعترف بها دولياً على أهمية تنفيذ اتفاق الحديدة، وحسم ملفات الأمن والسلطة المحلية والموارد، عبّرت عن تفاؤلها بنجاح «اتفاق الرياض»، وطي الخلاف في المحافظات الجنوبية، من أجل التفرُّغ لمواجهة الانقلاب الحوثي. وجاءت التصريحات الحكومية خلال كلمة اليمن أمام مجلس الأمن، أول من أمس (الجمعة)، على لسان المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عبد الله السعدي، الذي عبّر عن رغبة بلاده الصادقة والجادة في تحقيق السلام العادل والمستدام المبني على المرجعيات الثلاث المتفق عليها، وهي «المبادرة الخليجية» وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وعلى رأسها القرار «2216» (2015). وأكد السعدي حرص الحكومة على تغليب مصلحة اليمن واليمنيين في تحقيق أحلامهم المتطلعة إلى يمن اتحادي جديد يقوم على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ويعبّر عن مصالح الشعب اليمني، ويمثل رافداً قوياً للمنطقة، وسنداً للأشقاء في مواجهة الإرهاب والمشاريع الطائفية، التي تعمل على تدمير تطلعات الأمة، ونشر الفوضى، وتقويض أسس المجتمع. وقال إن حكومة بلاده تثمّن عالياً الجهود الحثيثة للمملكة العربية السعودية، قائدة تحالف دعم الشرعية في اليمن، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، التي كان لها الدور الأبرز في توقيع «اتفاق الرياض». وقال إن الاتفاق «يُعدّ خطوة مهمة للبناء عليه في تحقيق إنجازات قادمة على صعيد السلام الشامل المبني على المرجعيات المتفق عليها، والحفاظ على الثوابت الوطنية، واستعادة الدولة اليمنية، وتفعيل دور كافة سلطاتها ومؤسساتها في العاصمة المؤقتة عدن، وبقية المحافظات المحررة، والالتزام بحقوق المواطنة الكاملة لكافة أبناء الشعب اليمني، ونبذ التمييز المناطقي والمذهبي، وضم كافة التشكيلات العسكرية الخارجة عن الدولة في قوام وزارتي الدفاع والداخلية». وأوضح أن من شأن ذلك «أن يسهم في استكمال تحرير المحافظات الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الحوثية، وتوحيد الجهود لتسريع استكمال إجهاض المشروع الحوثي الإيراني في اليمن، وتأسيس مرحلة جديدة من الأمن والاستقرار في اليمن ودول الجوار، وتحقيق مصلحة اليمن أرضاً وإنساناً، ونبذ الفرقة وتوحيد الصف الوطني وبدء مرحلة البناء والتنمية ومحاربة الجماعات الإرهابية المتطرفة». وقال السفير السعدي إن «تنفيذ توجيهات الرئيس عبد ربه منصور هادي، حول العمل بشكل فوري لتنفيذ (اتفاق الرياض) بمضمونه الكامل، وعودة دولة رئيس الوزراء وطاقمه الوزاري إلى العاصمة المؤقتة عدن، مطلع الأسبوع الحالي، سيضمن إزالة جذور الإشكاليات السابقة وتبعاتها، المتمثلة بشكل كبير ضمن جملة أمور، في وجود تشكيلات عسكرية خارج إطار الدولة لم تمكن الحكومة من ممارسة سلطاتها الكاملة في العاصمة المؤقتة عدن. وأشاد مندوب اليمن بالموقف الدولي الداعم لـ«اتفاق الرياض»، الذي برز من خلال البيانات الدولية ومجلس الأمن، التي باركت جميعها الاتفاق، واعتبرته خطوة إيجابية في تحقيق السلام الدائم في اليمن، وقال: «نتطلع إلى دعم الأشقاء والأصدقاء من المجتمع الدولي لجهود الحكومة اليمنية، بهدف التغلب على الصعوبات، وتحسين الوضع الاقتصادي وترسيخ الأمن والاستقرار». وفي شأن «اتفاق استوكهولم» أشار السعدي إلى أنه «يوشك أن يستكمل عامه الأول، دون تحقيق تقدم يُذكر، ما يتطلب وقفة جادة لمعرفة الأسباب والضغط على الطرف المعرقل لتنفيذ الاتفاق». وتابع قائلاً إن «تنفيذ (اتفاق الحديدة) لا سيما ما يتعلق بقوات الأمن المحلية والسلطة المحلية وتنفيذ الانسحابات من موانئ ومدينة الحديدة وفتح الممرات الإنسانية، سيشكل إجراء مهماً لبناء الثقة، ومؤشراً حقيقياً في تحقيق السلام المستدام، وإن أي محاولة للقفز عليه تُعدّ تقويضاً لجهود الأمم المتحدة، ولا يخدم العملية السياسية، ومكافأة للطرف الانقلابي للتهرب من تنفيذ التزاماته». وأكد السفير السعدي أن عدم التزام الميليشيات الحوثية بوقف إطلاق النار والتصعيد العسكري المستمر يستدعي إدانة واضحة وموقفاً حازماً تجاه هذه الخروقات والانتهاكات، التي قال إنها «تؤكد وبما لا يدع مجالا للشك، أن الميليشيات الحوثية غير مستعدة للسلام، ولا تأبه بالمعاناة الإنسانية جراء حربها الظالمة على الشعب اليمني، بل وتستخدم ذلك كوسيلة للضغط والابتزاز السياسي». وجدد السعدي استنكار بلاده قيام النظام الإيراني بالاعتراف بممثل الميليشيات الحوثية الانقلابية، وتسليمه المقار الدبلوماسية والمباني التابعة للجمهورية اليمنية في طهران، وانتهاكه الفاضح لميثاق الأمم المتحدة، واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالشأن اليمني، لا سيما القرار «2216». ودعا مجلس الأمن الدولي لإدانة هذا العمل الذي وصفه بـ«السافر والانتهاك الصريح للقانون الدولي والسابقة الخطيرة في العلاقات الدولية»، وقال إن بلاده «أكدت أنها ستتخذ الإجراءات القانونية للتعامل مع هذا السلوك الباطل وغير المسؤول». وتطرق المندوب اليمني الدائم لدى الأمم المتحدة إلى جهود الحكومة الشرعية وقال إنها «تبذل جهوداً كبيرة لإنعاش الوضع الاقتصادي، وقد حققت نتائج إيجابية في تنفيذ القرار 75 لسنة 2018، والقرار 49 لسنة 2019، بشأن تحصيل الجمارك والضرائب والعوائد الحكومية القانونية الأخرى على الواردات من المشتقات النفطية، بغرض توفير الموارد لتغطية رواتب موظفي القطاع المدني في الدولة». وبيّن أن الحكومة بادرت، منتصف الشهر الماضي، بتسهيل إجراءات دخول المشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة، التي بلغت الإيرادات القانونية لها، نحو 15 مليار ريال يمني خلال أسبوعين فقط (نحو 26 مليون دولار). وأكد أنه يتعين على الميليشيات الحوثية الالتزام بتوريد المبالغ إلى حساب مؤقت في «البنك المركزي»، فرع الحديدة، تشرف عليه الأمم المتحدة، وفقاً لمبادرة الحكومة ليتم استخدام تلك الإيرادات في صرف رواتب الموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية. وحذر السعدي من أن يكون مصير تلك المبالغ كسابقتها، مما يهدر في المجهود الحربي لميليشيات الحوثي، وإثراء أمراء الحرب على حساب معاناة اليمنيين. وجدد المندوب اليمني دعوة بلاده للمجتمع الدولي ومجلس الأمن لممارسة المزيد من الضغوط على الميليشيات الحوثية، للسماح بوصول الفريق الفني من الأمم المتحدة إلى ناقلة النفط «صافر»، وتقييم الأضرار الحاصلة فيها، وعدم الانتظار لحين حدوث كارثة بيئية خطيرة، وتحمل الميليشيات الحوثية المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن الكارثة المحتملة.
مشاركة :