توجد مجموعة من إمدادات الطاقة الجديدة تزعزع استقرار المؤسسة الاقتصادية الحالية، ما يؤدي إلى فائزين وخاسرين في جميع أنحاء العالم. في العام الماضي، أشار أحد وزراء منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" إلى ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة من النفط بوصفه مصدر "قلق بالغ" للاتحاد الاحتكاري. قامت أخيرا مؤسسة باركليز بتخفيض دين قطاع الكهرباء في الولايات المتحدة، محذرة من أن زيادة انتشار ألواح الطاقة الشمسية المركبة فوق الأسطح "من المرجح أن تؤدي إلى اضطراب الوضع الراهن". في الوقت نفسه، يحتفظ منتجو الفحم في الغرب بكميات كبيرة من المخزونات، ويواجهون طلبا ثابتا من السوق المحلية، وعليهم البحث عن أسواق في أماكن بعيدة في آسيا. وثورة الطاقة هذه تهز العالم، حيث انطلقت نتيجة انفجار في التكنولوجيات والإمدادات من الطاقة الجديدة. وهي في تعارض صارخ للتحولات، التي حدثت في نصف القرن الماضي، في قطاع الطاقة، وكانت مدفوعة بصدمات حادة في الإمدادات. وبدأت أماكن جديدة غنية بالموارد تظهر في مواقع متفرقة من العالم، وهي بداية تداعيات جغرافية ــ سياسية وبيئية عميقة. حتى الآن، كانت أقوى آثارها من الناحية الاقتصادية، حيث تهدد إمدادات الطاقة الجديدة اليوم الأطراف المعنية القوية بقدر تهديدات ضائقة الطاقة نفسها في الماضي على الأقل. ومن طفرة في إنتاج الوقود الأحفوري إلى ازدهار الطاقة المتجددة وإلى مجموعة من الأدوات المبتكرة ونماذج الأعمال لخفض إهدار الطاقة، فإن ثروات الطاقة الجديدة للقرن الـ21 تفعل ما تفعله عادة الثروات الجديدة، وهو زعزعة النظام الاقتصادي القديم. وللتأكيد، فإن العالم يواجه تحديات أساسية في مجال الطاقة حتى مع ظهور هذه الإمدادات من الطاقة الجديدة. يرتفع الطلب على الطاقة في العالم النامي، خاصة في الصين، ويؤدي ذلك إلى ضغط على الناتج العالمي ويبقي أسعار النفط مرتفعة للغاية، حيث يمكن أن تتفاقم هذه الضغوط مع تزايد النشاط الاقتصادي العالمي. ولا تزال انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تتزايد، ويعزى ذلك في جزء كبير منه إلى أن الوقود العالمي نفسه ينتج من الفحم والأنواع الأخرى من الوقود الأحفوري، ومن المرجح أن يظل كذلك لأعوام عديدة مقبلة. مع ذلك، بدأت ثروات الموارد الجديدة تغير مشهد الطاقة، فهي تحول مراكز الجاذبية للإنتاج العالمي من النفط إلى الغرب، أي من الشرق الأوسط إلى أمريكا الشمالية، وتعيد توجيه صناعة الطاقة المتجددة الناشئة إلى الشرق، من الولايات المتحدة وأوروبا إلى الصين، وتخفض انبعاثات الكربون في بعض الحالات وتفاقمها في غيرها من الحالات، ما يعني أن أثرها في دليل القلق البيئي اليوم، وهو تغير المناخ، سيظل غير قابل للتنبؤ به في الأعوام المقبلة. في الوقت نفسه، يهدد انتشار ثروات الموارد الجديدة أساس القوى المهيمنة على مجال الطاقة منذ زمن طويل، بما في ذلك "أوبك" ومنتجو الكهرباء الرئيسون والمصنعون متعددو الجنسيات. وتحاول هذه الأطراف كلها أن تتكيف بدلا من أن تسحق. وقد حدثت التحولات في مجال الطاقة في الماضي لسببين، ففي بعض الأحيان كان هناك عامل دافع وهو نضوب مصدر سائد للطاقة. وفي أحيان أخرى كان هناك عامل تراجع يتمثل في ظهور مصدر أفضل للطاقة. وفي القرنين الـ18 والـ19، تم دفع المجتمعات الصناعية إلى استخدام الفحم المنتج من الحطب ثم حدث تراجع عن ذلك، فقد كانت تلك المجتمعات تستنفد غاباتها، وخلصت إلى أن الفحم الذي يعد وقودا أغنى من حيث الطاقة، أكثر كفاءة أيضا في المصانع. وفي أوائل القرن الـ20، تم تحويل البحرية البريطانية من الفحم إلى النفط، لأن الذهب الأسود أكثر كثافة وأنظف وأسهل في النقل من الصخر الأسود، وهو قرار أدى في وقت لاحق إلى تحول مماثل في وسائل النقل المدني. وفي النصف الثاني من القرن الـ20، كانت التحولات الكبيرة في مجال الطاقة في شكل عوامل الدفع، متمثلة في ردود أفعال قيود الإمدادات الناتجة من القرارات السياسية، فبعد أن سحقت المدن الرئيسة في ألمانيا واليابان بقنابل قوات التحالف في الحرب العالمية الثانية، وكان هذان البلدان يستوردان عادة الطاقة للاستهلاك، قام البلدان بإعادة بناء البنية التحتية مع أخذ كفاءة الطاقة في الحسبان. وبعد حظر تصدير النفط من جانب الدول العربية في السبعينيات، أطلقت البلدان التي كانت تفتقر إلى مواردها الذاتية المعروفة من الوقود الأحفوري، حملات وطنية كبيرة لبناء مصادر بديلة للطاقة، فاتجهت فرنسا إلى الطاقة النووية، والبرازيل إلى الإيثانول، والدنمارك نحو الرياح، وكانت الحاجة أم الاختراع... يتبع.
مشاركة :