تكتسي الاجتماعات التي انعقدت بفاس، بين 22 و24 نوفمبر الجاري، أهمية بالغة في تاريخ اللجنة الأممية الليبرالية، إذ يسعى المشاركون فيها إلى بلورة تصورات تنموية تؤدي إلى عقد قيمي واقتصادي متجدد في عالم متقلب تحكم أطرافه فجوة اجتماعية وتنموية شاسعة نحتاج إلى تقليصها. ولفتت نائب رئيسة الليبرالية الدولية آستريد ثورز، أن اختيار المغرب لاستضافة هذا الاجتماع، نابع من الرغبة في إتاحة الفرصة للقارة الأفريقية لأن تحتل مكانتها كاملة في التجارة العالمية. وأكد محمد الغراس، عضو المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية المغربي، لـ”العرب” أن المناسبة أيضا فرصة للتعرف على مدينة فاس والمغرب كبلد للتسامح والتعايش، مشيرا إلى أن حضور أعضاء المكتب التنفيذي للأممية الليبرالية كشخصيات وازنة في بلدانهم يتيح لهم الاطّلاع على التجربة المغربية الفريدة في التنمية المستدامة. والليبرالية الأممية، التي ستعقد المؤتمر المقبل للجنتها التنفيذية بالعاصمة البلغارية صوفيا، تضم حزبي الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري المغربيين، إلى جانب ما يزيد عن 100 حزب ومنظمة ذات مرجعية ليبرالية من حوالي 70 دولة. نشر القيم الليبرالية أجمع الليبراليون المجتمعون على الإصلاحات المؤسسية، على نقيض الثوريين، كأداة فعالة لتعزيز الديمقراطية وسيادة القانون وبناء مجتمعات أكثر حرية، باعتبارها السبيل الوحيد لتحقيق الرخاء والفرص الاقتصادية والتنموية لوقف الفقر والمعاناة والتخلف. ولفتت كيتي مونيري، نائب رئيسة الليبرالية الدولية، من نيكارغوا، أن من يدافعون عن الحرية يدركون أن هناك حالات من الإقصاء والفقر المدقع في عدد من دول العالم ومنها منطقة أميركا اللاتينية التي يجب تجاوزها، فضلا عن المطالب الاجتماعية التي يجب أن تستجيب لها الحكومات بالوسائل السلمية، باستخدام الأدوات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. و أكد فيه سيلو دالين ديالو، نائب الرئيسة، من غينيا، أن اللجنة التنفيذية للجمعية الليبرالية الدولية رقم 203، التي حضرتها في فاس كنائب للرئيس، حافظت على جميع وعودها بعد اعتماد النظامين الأساسي والإداري الجديد للمنظمة، وتركيز أعضائها على قرارات تستنكر انتهاك الحريات السياسية وحقوق الإنسان في عدد من البلدان منها كمبوديا وهونغ كونغ وكاتالونيا. واتفق كل من أستريد تورس، وروبرت وودتورب براون، كيتي مونيري، وكارل هانز باكي، على مواصلة جميع الإصلاحات المؤسسية اللازمة لتعزيز الديمقراطية وسيادة القانون، وبناء مجتمعات أكثر حرية مع إتاحة الفرصة للجميع باعتبارها المسار الفعال الوحيد للوصول إلى الرخاء الذي تنشده كل البلدان ومنها أميركا اللاتينية. المشاركون يجددون التزامهم بالحرية والديمقراطية كلبنات لمجتمعات التنمية والرخاء والاستقرار وتعرض امحند العنصر، رئيس حزب الحركة الشعبية، في كلمته إلى عدد من القضايا المهمة منها ما يجري في العالم من احتجاجات وتحركات مطلبية، لافتا إلى ضرورة نشر القيم الليبرالية لمحاربة الشعبوية والتطرف. وأشار العنصر إلى أن النقاش حول الحريات الفردية والتضامن ومحاربة الهشاشة ومواكبة المبادرات التنموية، كلها عناصر توجد داخل الأطروحات الليبرالية، ولا يوجد قالب واحد كنموذج بل هناك خصوصيات لكل بلد على حدة. وجدد المشاركون على التزامهم بالحرية والديمقراطية كلبنات لمجتمعات التنمية والرخاء والاستقرار. وعليه فقد أشار سيلو دالين ديالو، سياسي ورجل دولة من غينيا، إلى أن اللقاء كان فرصة مهمة لتبادل المعرفة بشأن قضايا متنوعة مثل التجارة العادلة كوسيلة للسلام والازدهار بين الشعوب، وظاهرة الأخبار المزيفة، وتعزيز المشاركة السياسية للمرأة، ومكان حقوق الإنسان. اعتبر الأكاديمي محمد تمالدو، مؤسس شبكة الليبراليين العرب، أن التنمية لا تسير في طريق آخر غير طريق الحرية والمنافسة والمبادلة، معتقدا أن الإشكالية المطروحة على العالم العربي والأفريقي هي التزاوج بين ما نريده للوطن والمواطن وما نستطيع أن نفعله على أرض الواقع، وبين ما نحمله من قناعات. ولفت بعض الأعضاء المشاركين، إلى أن التغيير الليبرالي قيميا ليس مطلوبا فقط في الاقتصاد ولكن في جميع المجالات، وهو عملية إنسانية تحتاج إلى المفاهيم التقدمية. التنمية المستدامة اعتبر تمالدو، أن العالم العربي في حاجة إلى تصحيح مفاهيم المؤسسة الليبرالية، فالحرية لازال ينظر إليها على أنها نوع من الانتفاضة والثورة ليس فقط على التقاليد وإنما أيضا على المؤسسات التقليدية للمجتمع الإسلامي. وهذا يتطلب عملا مكثفا داخل المجتمع العربي وللأسس الليبرالية في الفكر العربي القديم، فالليبرالية سلوك أكثر منه شيء آخر. ويرى امحند العنصر أن الآليات التي ستساعد في دعم قيم الليبرالية، كثيرة وعلى رأسها التعاون الدولي، إذ لا يمكن أن يعيش حزب أو دولة في معزل عمّا يقع في الجوار . وشكلت اتفاقيات التجارة الحرة، والمشاكل التي يطرحها تنفيذ اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، موضوعات تم التطرق إليها في جلسات عمل انكب عليها المشاركون في إعادة صياغة استراتيجيات تتفق مع القيم الليبرالية. وانطلاقا من موضوع الاجتماع، السلام والازدهار من خلال الأسواق المفتوحة، تم وضع التجارة العادلة والاستثمار الاستراتيجي في لب مستقبل مستدام مع بعض الاستثناءات البارزة، لأن هناك إدراكا متزايدا بأن النماذج الاقتصادية الحالية تبتعد كليا عن تأسيس تنمية مستدامة لكافة الدول. ورصدت “العرب”، أن هناك من ربط بين تغيير المناخ وتناقص القدرة التنافسية العالمية، وضغوط الثورة الصناعية الرابعة، وواحدة من الأهداف الرئيسية لليبرالية الدولية وهي تسريع التحديث من النظام الاقتصادي، مما يجعله أكثر استدامة، بموازاة العمل على انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، واستخدام الطاقة بشكل أكثر كفاءة مع استخدام الموارد بطريقة عادلة على المستوى الاجتماعي. ومع ذلك، فإن حجم الاستثمار المطلوب لتمكين الانتقال إلى التنمية المستدامة وظهور أسواق جديدة، لا يمكن تحقيقه إلا بدعم واسع من الجهات الفاعلة، حيث أن الوظائف في المستقبل والقدرة التنافسية والرفاه في خطر. وشدد نيكولو رينالدي، رئيس وحدة آسيا وأستراليا ونيوزيلندا في البرلمان الأوروبي، على أن تتحمل الليبرالبية الدولية مسؤولية المساهمة في عملية إعادة هيكلة للنظام المالي العالمي وتحفيز الأعضاء الداعمين على خلق حوافز حقيقية على المستوى الوطني لتشجيع التحول على نطاق واسع في الاستثمارات وإعادة معايرة نماذج الأعمال. فالهدف الذي يركز عليه الليبراليون هو مستقبل الأجيال المقبلة ليكون عالما أكثر استقرارا وأكثر صحة، ومجتمعات أكثر عدالة واقتصادات أكثر ازدهارا. وهذا ما جعل وجود حاجة ملحة إلى التحول نحو نماذج نمو جديدة ومستدامة تجمع بين الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في طريقة شمولية. وبحث اللقاء دور الأحزاب الليبرالية في تعزيز إدماج المرأة في الممارسة السياسية، حيث أطلقت الليبرالية الأممية، بهذه المناسبة، دليلا توجيهيا تحت عنوان “مؤشر النساء في الأحزاب السياسية”، الذي يهدف إلى مساعدة الأحزاب على تنويع قياداتها السياسية. وأكدت تامرا دانشيفا مستشارة داخل الأممية الليبرالية، “إذا كنت تستثمر في النساء، فإنك تستثمر في المستقبل”.
مشاركة :