الرواية الإماراتية الحديثة بين مستويات السرد والحدث والواقع

  • 5/16/2015
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

الزمان كما المكان ليسا خارج الحبكة الروائية، هكذا يتفق جمهور النقاد، الذين يرون الزمن متجسداً في صورة الرواية الحديثة، وهو بكل تأكيد مرتبط أيّما ارتباط بلحظة الحدث، وهو الذي يصاغ في أكثر من صورة، كسؤالنا: عن جدل الماضي والحاضر في الرواية؛ الزمن هنا، موجود بالمفهوم الحسّي الواقعي.. وهناك مستويات من الزمن: الأول، حين يكون الزمن وعاء للحدث المرويّ، والثاني، هو ما يمكن أن نطلق عليه زمن المجتمع، وهذا موجود في الرواية العربية الحديثة، كما هو موجود في الرواية الإماراتية عند أسماء كثيرة، مثل علي أبو الريش وراشد عبدالله وناصر جبران، وسارة الجروان، وصالحة غابش، وفاطمة المزروعي، ولولوة المنصوري، وفتحية النمر، حتى أنه موجود في روايات الشباب الجدد وهم كُثُر في الساحة المحلية الإماراتية. من هنا، وبتفصيل أكثر، فإن الزمن في الرواية، هو زمن يجسّد عناصره كافة، ويظهر بوضوح، كما يؤكد النقد ملامح الشخصيات وطبائعها وسلوكاتها، فالأحداث التي يسردها الكاتب، بما في ذلك شخصيات عمله الروائي، كل ذلك يتحرك في زمن محدد يقاس بالساعات وبالأيام والشهور والسنين، وهو زمن تصاعدي، يسير بالتوازي مع عرض الأحداث وفق تسلسلها الزمني المنطقي الطبيعي. يؤكد الناقد عزت عمر في رصده للرواية الإماراتية تحت عنوان الرواية الخليجية النسائية.. جدل الماضي والراهن أنّالقصّة والرواية الخليجية في تناولهما للزمان، لا تشذّان عن السرديات الأخرى في العالم، إذ في الغالب ترصد هذه السرديات علاقة الشخصية بالزمن وأثره فيها وفي المحيط إيجاباً وسلباً، وفق وجهة بنائية تعمل في العموم على المقايسة بين زمنين، وما تستدعيه هذه المقايسة من أسلوبية التداعي من لحظة راهنة إلى ماض قريب أو بعيد، يتوقّف عنده ليضيء جانباً يودّ استعادته. ويعتقد عمر أنّ تركيز القصّة القصيرة أو الرواية على الزمن، إنما يأتي من ارتباطه بحياة الشخصيات وبمساراتها بدءاً من لحظة الولادة أو من أية لحظة يختارها الروائيّ، رابطاً بينها وبين المكان، وهو يشير إلى تعدد الأزمنة في النصّ الواحد، ما بين الزمن الشخصي اليومي، وزمن الجماعة، والأمة، والزمن الطقسي، والزمن الخرافي، والحلمي، وهي جميعاً تتقاطع مع أحداث واقعية تفرض حضورها من خلال العلاقات بين الشخصيات وأطروحاتها الفكرية، والأخلاقية، إضافة إلى سلوكاتهم اليومية التي يسعى الروائيون لتبيانها وفق منظورهم الفكري أو القيمي، نظراً لارتباط هذه القيم بالإنسان وبعلاقاته مع محيطه والتي تشكّل الحضور الأهم في بنية النصّ الروائي. وفي توصيف مشابه لمفهوم الزمن في الرواية العربية، يرى الناقد مفيد نجم، أن هذا المفهوم، ظل ومازال يتصدر الدراسات الفلسفية والفيزيائية والأدبية، لاسيما على مستوى علاقته بالوجود الإنساني، ويتخذ نجم من كتاب الزمن في الرواية العربية للباحثة الأكاديمية الفلسطينية المقيمة في الأردن د. مها حسن القصراوي، مثالاً يستجلي هذا المفهوم، من خلال عدد من الأسئلة المحورية التي تطرحها في مقدمة الكتاب عن الدور الذي يقوم به الزمن، لكي يمنح الرواية شكلها وصورتها النهائية، وعن مدى قدرته على تجسيد الرؤيا والفلسفة تجاه الواقع المعيش، وتشكيل زمنه الخاص ورؤيته في النص. تدرس د. مها القصراوي عدداً من الأعمال الروائية العربية، ضمن بنائية الزمن الروائي في النص، متّبعة منهجاً ذا اتجاهين، الأول شكلي، وتعتمد فيه على بعض مصطلحات جيرار جينت التي تربط بين زمن الحكاية وزمن السرد، والثاني تحليل المستوى الدلالي من خلال دراسة علاقة الزمن الروائي بالشخصية والمكان والزمن التاريخي، وهي تقول إن الرواية هي فن زمني، والزمن الروائي تعبير عن رؤيا تجاه الكون والحياة والإنسان. لا يمكن إذا، التغاضي عن الزمن في الرواية العربية، كما لا يمكن، بل من الصعوبة الفصل بينه وبين المكان، والرواية بحسب الناقد د. صالح هويدي تتميّز بثراء الشخصيات، كما تتميز بثراء عنصري المكان والزمان، وهذا يعزز من رسوخها كما يجعلها منافساً شرساً للأجناس الأدبية الأخرى، خصوصاً أنها باتت محل اهتمام ثقافي رسمي في المستويين العربي والعالمي فتعقد لها المؤتمرات والندوات كما تحظى بالجوائز. الزمن بهذا المعنى يتّسم بأهمية قصوى في الرواية الإماراتية، كما هي حال الرواية العربية، حيث سبق للروائي الإماراتي علي أبو الريش الذي يُعدّ من أعمدة الرواية الإماراتية، ان وصف آلية عمله الإبداعي بأنه مواجهة مستمرة بين هذا المنتج، وكل محاولات محو الصورة المتبقية من الحياة والمدن التي اندثر معظمها أو جميعها تقريباً. وهو ما أكده جابر عصفور في بحثه عن زمن الرواية إذ يقولإن الرواية العربية هي ملحمة الطبقة الوسطى، لكن في البحث عن هوية لها، داخل مجتمع ينقسم على نفسه، هذا المجتمع الذي يشدّه إلى حلم مثالي في عهد ذهبي للماضي، وحضارة الآخر الأجنبي الذي يشدّه إلى حلم مثالي مناقض في وعد المستقبل. وهو الزمن ذاته في رواية سيح المهب لناصر جبران، التي تكشف عن التغير الكبير الذي طرأ على المدينة في أسواقها وأحيائها ومفرداتها الشعبية.

مشاركة :