شهدت الأوضاع في اليمن خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية ارتدادا سريعا نحو مربع التصعيد العسكري والإعلامي، وذلك في مسار معاكس تماما لأجواء السلام التي سادت خلال الفترة الأخيرة في ظل تفاؤل بإنهاء وشيك للحرب عبّرت عنه القيادة السعودية، وكرسته تصريحات المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث. وفي انعكاس للتوتّر، غادر غريفيث العاصمة صنعاء، الإثنين، دون أن يلتقي زعيم جماعة الحوثي. وقال مصدر حزبي لوكالة الأناضول مفضلا عدم نشر هويته، إن المبعوث الأممي غادر صنعاء التي وصلها الأحد، دون أن يتمكن من لقاء أي من قيادات جماعة الحوثي. واندلعت، الاثنين، اشتباكات عنيفة بين المتمرّدين الحوثيين والقوات الحكومية عند الأطراف الشرقية والجنوبية لمدينة الحديدة، هي الأولى منذ إقامة نقاط مراقبة أمنية مشتركة قبل نحو شهر، في نطاق تنفيذ بنود اتّفاق ستوكهولم بين السلطات الشرعية والمتمرّدين الحوثيين. وجاء ذلك إثر غارات شنّتها طائرات تابعة للتحالف العسكري الداعم للسلطات الشرعية بقيادة السعودية ضد مواقع للمتمرّدين شمالي مدينة الحديدة في غرب اليمن. ويهدّد التصعيد العسكري بانهيار الهدنة الهشة في المدينة المطلّة على البحر الأحمر، وهي هدنة بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه في ديسمبر من العام الماضي لتحييد الحديدة التي تعتبر شريان الحياة الرئيسي للملايين من السكان. وقال مسؤولان محليان لوكالة فرانس برس إن غارات طائرات التحالف التي استهدفت المواقع العسكرية كانت مفاجئة، وشملت أيضا مواقع قرب ميناء الحديدة في جزيرة كمران القريبة، وأدّت إلى جرح عدد من المتمردين إلى جانب مقتل ثمانية منهم. وصباحا، دارت اشتباكات عنيفة عند الأطراف الجنوبية والشرقية للمدينة الساحلية، استخدم فيها الطرفان المدافع وقذائف الهاون. وتمّ قبل نحو عام في السويد التوصّل إلى اتّفاق بين الحكومة والمتمرّدين انصبّ على تحييد المدينة عن الصراع، وتمّت في أكتوبر الماضي إقامة أربع نقاط مشتركة تضم ممثلين عن الأطراف المتحاربة في المدينة لمراقبة الهدنة القائمة هناك. وتعتبر المواجهات العنيفة التي حدثت صباح الإثنين الأولى منذ إقامة تلك النقاط الأمنية. وجاءت هذه الأحداث بعد تراجع في أعمال العنف بشكل عام في اليمن، مع إعلان المتمردين توقّفهم عن قصف السعودية بالصواريخ والطائرات المسيّرة منذ سبتمبر الماضي، وإعلان المملكة عن قناة مفتوحة معهم للوصول إلى حل سلمي للحرب. وبالتوازي مع التصعيد الميداني، تحدّثت مصادر وصفت بالمطلعة عن توتر شديد يسود بين جماعة الحوثي والمبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث. وقالت المصادر إن أجواء من التوتر سادت لقاء قيادات حوثية من الصف الثاني، ومبعوث الأمم المتحدة الذي وصل صنعاء، الأحد. ولفتت أن القيادات الحوثية أبلغت غريفيث استياء الجماعة، من الإشادة بوليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وجهوده في التوصل إلى حل شامل في اليمن، وذلك في إحاطته المقدمة إلى مجلس الأمن الدولي الجمعة الماضي. كما عبّر الحوثيون لغريفيث عن استيائهم من حديث مساعدة الأمين العام أورسولا مولر في إحاطتها التي قدمتها، الجمعة، لمجلس الأمن الدولي عن الوضع الإنساني في اليمن، واتهمت فيها جماعة الحوثي بنهب المساعدات ومنع تنفيذ نصف مشاريع المنظمات الإنسانية وغيرها. وكشفت المصادر عن خطوات تصعيدية اتخذتها جماعة الحوثي تزامنا مع زيارة المبعوث الدولي لصنعاء، من بينها منع رئيس المؤتمر الشعبي العام حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح، صادق أمين أبوراس من لقاء غريفيث. وقالت المصادر إن الحوثيين حذروا أبوراس من إجراء أي لقاء منفرد مع غريفيث دون إبلاغهم. ويقلّل البعض من شأن التصعيد العسكري في الفترة الراهنة معتبرين أنّ هدفه تحسين شروط التفاوض في أي محادثات سلام قادمة، لكنّ متابعين للشأن اليمني يؤكّدون باستمرار على ارتباط الحوثيين الوثيق بالأجندة الإيرانية، ما يعني أن استجابتهم لدعوات السلام مرتبطة أيضا بالحسابات والمصالح الإيرانية التي قد تقتضي في الوقت الراهن استدامة التوتّر في اليمن كورقة ضغط على السعودية. وفي تعليق على دلالات وتوقيت التصعيد الحوثي، قال الصحافي اليمني سياف الغرباني في اتصال مع “العرب” من الحديدة إنّ هذا التصعيد مرتبط بالموقف الرخو للمبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث ولجنة المراقبين الدوليين تجاه الخروقات الحوثية لاتفاق وقف إطلاق النار. وأشار الغرباني إلى أن إحاطة المبعوث الدولي الأخيرة في مجلس الأمن كانت متناقضة ومضللة ووفرت للحوثيين بقصد أو دون قصد الغطاء اللاّزم لرفع منسوب التصعيد، حيث زعم غريفيث أن اليمن يعيش فترة تهدئة عسكرية غير مسبوقة، فرد الحوثي في اليوم التالي بهجومين مزدوجين على مدينة المخّا باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الملغومة. واعتبر الغرباني أن تشبث الحكومة اليمنية باتفاق السويد بشأن الحديدة، رغم أن الحوثي يقتل الاتفاق كل يوم، عامل آخر يحفز الأخير على الإيغال في التصعيد، مضيفا “هناك سبب آخر مكن الحوثيين من التمادي في تقويض اتفاق الحديدة، يكمن في ضعف أداء رئيس بعثة المراقبة الجنرال الهندي ابهيجيت جوها، إذ أن تحركاته أصبحت محاصرة حوثيا ولا يستطيع مغادرة ظهر السفينة الأممية في عرض البحر الأحمر”.
مشاركة :