أحمد مراد أديب مصري من نمط جديد يغيّر صورة الكاتب العربي

  • 11/26/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

“الصورة السينمائية لها فلسفة في تفسير الأنساق السحرية للغة، لأنها عالم من الجمال قد يفوق ما يمكن وصفه على الورق”. هكذا تحدّث الكاتب الكولومبي الكبير غابريال غارسيا ماركيز ذات مرة. ورغم اختلاف الكثير من الأدباء العرب قديما وحديثا مع تلك الفكرة، فإن هناك من فضّل استمرار الحاجز المفترض بين الرواية والسينما، إلا أن ندرة من النماذج الاستثنئاية من الكتاب العرب حققت نجاحا في المجالين معا، وربما كان أبرز هؤلاء الكاتب المصري أحمد مراد. قبل بضعة أيام كان مراد هدفا لحملة هجوم عنيفة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد اقتطاع جانب من حديث له في معرض الشارقة للكتاب بشأن تحويل الأعمال الروائية إلى السينما، والزعم بقوله إن روايات نجيب محفوظ لا تصلح للزمن الحالي. قال مراد في بيان رسمي، إن حديثه أسيء نقله وتفسيره، وكلامه كان بشأن فكرة المعالجة السينمائية التي تخضع لها الأعمال الروائية لتتناسب مع زمن المشاهدين، مدللا بأن روايات محفوظ، الحائز على جائزة نوبل في الأدب، استلزمت معالجة سينمائية لتحويلها إلى أعمال سينمائية. لكن خصوم مراد صوّروه وكأنه يسخر من روايات الأديب العالمي، ما دفعه إلى التأكيد في بيانه أن نجيب محفوظ سيظل واحدا من أعظم أساتذته ولو كره البعض وروّج غير ذلك. كان من الواضح أن النجاح الكبير الذي حققه الكاتب المحسوب على الشباب في مجالي الرواية والسينما خلال سنوات قليلة، أولد خصوما وحسادا كُثرا له في الوسط الثقافي، ولجأ هؤلاء إلى التشكيك في تجربته، تارة بزعم سطحية الطرح، وأخرى باتهامه بتعمد الإثارة واللعب على ثيمات الجنس والفساد السياسي والشغف بالفزع لدى الشباب. لكن مراد الذي واجه من قبل حملات عديدة استهدفت الحد من شعبيته، قال لـ”العرب” إنه لن ينجذب لمعارك جانبية وسيواصل العمل في مشروعه الأدبي والفني، مكررا أن وقت الإنسان لا يسمح بأن يهدره في مجادلات لا قيمة لها. تراب الماس يستهدف تفكير مراد الاستفادة من عبارة شهيرة للكاتب المصري الراحل عبدالرحمن الخميسي قال فيها، “عشت أدافع عن قيثارتي ولا أعزف ألحاني”، ما يعنى أنه أهدر عمره في رد وصد اتهامات ومزاعم خصومه ومنافسيه، ما عطّله عن تقديم مشروعات فنية عديدة عاش يحلم بها. ورأى مراد المولود بالقاهرة في فبراير 1978 أنه لو التفت إلى انتقادات واتهامات البعض لما تمكّن من تحقيق ما وصل إليه من نجاح خلال عشرين عاما، والمتمثل في ست روايات، وأربعة أفلام، بينها فيلمان كتبا مباشرة للسينما ولم يقدَّما روائيا، مؤكدا لـ”العرب”، أنه “منشغل دوما بما هو قادم، ويفكر في الغد، ولا يلتفت إلى ما مضى”. بدأ مشروعه الإبداعي عام 2009 بكتابة رواية “فيرتيجو” قبل أن تترجم إلى اللغة الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية، ثم تحوّلت بعد ذلك إلى مسلسل تلفزيوني عرض عام 2012، ونالت فى عام 2013 جائزة البحر المتوسط الثقافية من إيطاليا. أصدر روايته الثانية “تراب الماس” وترجمت إلى الألمانية والإيطالية، وحوّلت العام الماضي إلى فيلم سينمائي من إخراح مروان حامد وبطولة آسر ياسين ومنة شلبي. أما رواية “الفيل الأزرق”، التى رشحت ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر للرواية العربية عام 2014، فقد تم تحويلها إلى فيلم سينمائي في العام نفسه من إخراج مروان حامد وبطولة كريم عبدالعزيز، ونيللي كريم، ثم كتب مراد جزءا ثانيا للفيلم، عُرض العام الحالي ليحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية. وقبل عامين قدّم مع توأمه الفني مروان حامد فيلم “الأصليين” بطولة ماجد الكدواني، وخالد الصاوي، ومنة شلبي، ثم أصدر رواية بعنوان “1919” تناولت وقائع من تاريخ ثورة المصريين ضد الإنكليز بزعامة سعد زغلول، وانتهى مؤخرا من كتابة سيناريو لها ليتم تصويره خلال الشهور القادمة وتتحول إلى فيلم سينمائي، فضلا عن روايتين لاقتا رواجا بين جمهور الشباب هما “أرض الإله” و”موسم صيد الغزلان”. افتتان بالسينما الملاحظ أن التفوق في الأدب والسينما معا لم يتحقق في مصر إلا لدى عدد محدود من الكتاب ربما أبرزهم، نجيب محفوظ، وإحسان عبدالقدوس، ويوسف السباعي. وهناك أدباء كثر قدّموا روائع عظيمة، لكن لم تتحول إلى السينما ربما من أشهرها رواية “فساد الأمكنة” للأديب الراحل صبري موسى، وحازت على جائزة بيجاسوس العالمية من الولايات عام 1978، ورواية “شرق المتوسط” للروائي العربي عبدالرحمن منيف، ورواية “أيام الإنسان السبعة” للأديب المصري عبدالحكيم قاسم، وغيرها. كذلك، فإن الكثير من مشاهير كتاب السيناريو من أمثال أسامة أنور عكاشة، وحيد حامد، ومحمد صفاء عامر، حاولوا تقديم روايات أدبية لكنها لم تحقق نجاحا مماثلا لما حققته أعمالهم السينمائية والدرامية. النجاح في المجالين معا بُني لدى مراد على عدة سمات، أهمها افتتان وإيمان الكاتب العميقان بالسينما وأهميتها كناشر مساعد وأداة تخليد للقصة، فمن يبحث عن العائد المادي فقط لا يهتم بأثر العمل في الجمهور المشاهد الذي يختلف عن القارىء. أكد أحمد مراد لـ”العرب”، أن السينما هي طريق الخلود لأي قصة عظيمة، وضرب مثلا بالروايات العالمية الكبرى التي قُدمت عدة مرات للسينما ليعرفها العالم أجمع مثل “البؤساء”. وأوضح، أن الذين يتصورون أن الأعمال الأدبية تفقد قيمتها أو بريقها عند تحولها إلى السينما، يركزون على حالات فردية، ويتجنبون النماذج العالمية المدهشة لأفلام تقدم روايات عظيمة وصارت من روائع السينما الخالدة. في فلسفته، يستفيد فن الرواية من السينما بالانتشار الأوسع والذيوع والوصول إلى جمهور آخر قد لا يفضل القراءة، لكن في الوقت ذاته تستفيد السينما من الفن الروائي بحكايات جيدة وحبكات متقنة وبناء مكتمل للشخصيات. أفلام؛ "الهائمون"، و"الثلاث ورقات"، و"في اليوم السابع"، التي قدمها مراد في بداياته، حازت جميعها على جوائز إقليمية في مهرجانات بإنكلترا وفرنسا وأوكرانيا وتستثمر السينما نجاح بعض الأعمال الروائية التي تبهر جمهورا عند القراءة ويسعى لمشاهدتها كصور وأداء فعلي، وهناك سمة أخرى في نجاح السيناريست الروائي تتمثل في حسن استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في الدعاية والتسويق لإبداعاته في المجالين معا. تلك الوسائل، هي الأكثر تأثيرا في فئة الشباب الذي يمثل الجمهور الأكبر في الأدب والسينما، وربما كان هذا أبرز ما فطن إليه مراد مبكرا ليصنع لنفسه جمهورا كبيرا في العالم العربي جعل مبيعات رواياته تدخل دوما ضمن فئة الأعلى مبيعات. يشير مراد إلى أن الأدب لا يمكن أن يندثر أو يتخفى في زمن العولمة والسماوات المفتوحة، فالأديب ليس بعيدا عن الناس، والكاتب عندما يمسك بالقلم فهو متورط ومنغمس لا محالة في الحياة الحديثة بكل تفاصيلها. ولاشك أن “السوشيال ميديا”، من سمات الحياة الحديثة، ووسيط الألفية الثالثة الأهم، وأداة التسويق الأولى، وبها يولد الصخب، ومن خلالها تصنع الدهشة، وتسوق الفكرة، ويتعرف الناس على الجديد، وتصل الكتابات المتنوعة إلى الناس في بيوتهم بأقل تكلفة. أما الروائي والكاتب إبراهيم عيسى فقد قال لـ”العرب”، إن الروائيين وكتّاب السيناريو مدينون لمراد بالفضل، لأنه جذب شرائح جديدة من الجمهور لمتابعة الأدب والسينما عبر عالم مواقع التواصل الاجتماعي. من هنا، اهتم مراد منذ بداية مشروعه بعمل برومو ترويجي مصور لكل رواية، كما اتفق مع موسيقيين شباب على صياغة مقاطع موسيقية معبرة عن أحداث كل رواية، ونظّم معارض فوتوغرافية تخيلية لشخوص رواياته، ونشر كل ذلك عبر صفحات “السوشيال ميديا” ببرامج تسويق حديثة. كتابة وتسويق في تصور مراد، أن التسويق ضروري ومهم ولازم لأي مبدع، لكنه في الوقت نفسه يلفت إلى أنه لا يمكن تسويق أعمال سطحية أو قصص ركيكة بواسطة “السوشيال ميديا”، لأن هذا الجمهور تحديدا لا يمكن خداعه، فالتكنولوجيا المتطورة جعلته منفتحا على العالم بصورة لا مثيل لها ومطلعا ومتابعا ومراقبا لكل شيء. بخلاف ذلك، لا بد من إلمام واسع بالحركة الفنية وخرائط الإنتاج والتسويق وتطور الذوق العام، فضلا عن متابعة السينما العالمية بشكل جيد. على أي حال، يمكن القول إن الجمع بين الحسنيين، التفوق في الأدب، والتفوق في السينما، ليس سهلا كما يتصور البعض، لأن الكتابة للمحيط الأدبي تختلف اختلافا كليا عن الكتابة للسينما. في الرواية، تكتب نفسك، محيطك، زمنك، بيئتك، وأنت ككاتب تمتلك معظم أوراق اللعبة، وتستطيع أن تدخل إلى شخوصك وتشكّل ملامحهم، وتسرد على ألسنتهم ما تريد قوله، بل وترسم أيضا بخيالك الأداء الفعلي، كأنهم يتحركون أمامك. أما في السينما، فأنت تؤدي دورا بين عدة أدوار، هناك مخرج له رؤية، وممثلون لكل منهم أداء وتصور بشأن تقديم الشخصية المنوط تقديمها، وهناك موسيقى تصويرية تحاول التناغم مع الأحداث، وطاقم عمل كامل يفترض أن يتكامل لتقديم إبداع جماعي، والسيناريست في السينما يكتب وعينه على الجمهور مباشرة، ليسأل نفسه أولا كيف يمكن أن يقنع جمهورا أوسع وأكبر وأكثر تعددا من جمهور الأدب؟ ثمة ميزات شخصية تساعد مراد على صناعة التناغم بين الأدب والسينما، أهمها أن عينه كانت على السينما منذ البداية، وفضّل بعد إنهاء دراسته الثانوية دراسة السينما على دراسة العلوم، والتحق بالفعل بمعهد السينما ليحقق المركز الأول على دفعته، لكنه رفض التعيين كمعيد في المعهد، مفضلا مطاردة حلمه بتقديم فن روائي يصلح كأفلام سينمائية. وقدّم مراد سيناريوهات لأفلام قصيرة ضمن مشروع تخرجه هي أفلام “الهائمون”، و”الثلاث ورقات”، و”في اليوم السابع”، وحازت جميعها على جوائز إقليمية في مهرجانات بإنكلترا وفرنسا وأوكرانيا. ينتمي مراد إلى أسرة متوسطة، تمثل نموذجا فريدا في الافتنان بالفن والثقافة، فوالده مصور محترف، وحاول منذ الصغر غرس قيم الجمال وسحر الصورة في نفسه، بينما شجعته والدته القارئة الدؤوبة على الاطلاع الواسع بلا حدود على الأدب واللغة والتاريخ والعلوم الإنسانية عموما. عمل مراد في التصوير الفوتوغرافي وتصميم أغلفة الكتب، ما أكسبه معرفة وثيقة بالوسط الثقافي وبحركة النشر في العالم العربي. على هامش الشخصية، يتسم بإصرار دائم على التميز والتطور والتعلم، وهو صبور في البحث عن جوانب غير تقليدية وأفكار غير نمطية لأفلامه ورواياته، ويهتم كثيرا بآراء النقاد، ما دامت لا تحمل تجريحا شخصيا، وحريص على التواصل الدائم مع الشباب من جيله والأجيال التالية عبر اللقاءات العامة والتقنيات الحديثة، والرد عليهم والاتفاق والاختلاف، ما جعله قادرا على الحفاظ على جمهوره، بل وزيادته يوما بعد آخر.

مشاركة :