قطر من رهان إسقاط الأسد إلى دعم مشاريع أردوغان التوسعية

  • 11/27/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن استعداد قطر لتمويل إقامة منطقة آمنة في شمال شرق سوريا، ما يؤشر إلى انتقال الدوحة من مجرد تقديم دعم سياسي وإعلامي إلى الوقوف بثقلها المالي خلف مشاريع أنقرة التوسعية في تلك الرقعة الجغرافية من هذا البلد العربي. وتحاول تركيا منذ العام 2013 الترويج لفكرة إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري وفق رؤيتها القائمة على تشييد أشبه ما يكون بـ”محمية خاصة” تقضم الآلاف من الكليومترات من البلد الجار، تتولى الإشراف عليها وإدارتها. وينظر كثيرون إلى أن الهدف الأساسي لتركيا من تشييد تلك المنطقة هو تصحيح ما تعتبره أخطاء تاريخية حيث أنها لطالما نظرت إلى شمال سوريا (من محافظة حلب وحتى محافظة الحسكة) منطقة تابعة لها افتكت منها لدى انهيار الإمبراطورية العثمانية وحان وقت استعادتها. وتصطدم أنقرة في كل مرة بتحفظات دولية حيال خطتها لإقامة المنطقة الآمنة، التي تتغير ذرائع تسويقها بحسب ما تقتضيه المرحلة والظروف. ففي البداية تحجّجت تركيا بأن الغاية حماية المدنيين من “براميل” الجيش السوري المتفجرة، ثم بوضع حد لما تعتبره “التهديد الكردي الوشيك”، وأخيرا وليس آخرا إعادة توطين النازحين السوريين الموجودين على أراضيها ولم لا في الدول الأوروبية في محاولة لإغراء تلك الدول “المتمنّعة”. وحاولت كل من روسيا والولايات المتحدة في أكتوبر الماضي مجاراة أنقرة في ما يخص المنطقة المنشودة، حينما عمدت الأخيرة إلى فرض الأمر الواقع عبر شن عملية عسكرية في شمال شرق سوريا تحت عنوان “نبع السلام” لطرد وحدات حماية الشعب الكردية، فكان أن تم التوصل إلى اتفاقين معها. الاتفاق الأول ذلك الذي عقدته مع الولايات المتحدة خلال زيارة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إلى أنقرة في 17 أكتوبر، ويقضي بوقف عملية “نبع السلام” مقابل انسحاب الوحدات الكردية إلى عمق 32 كلم. وجاء الاتفاق الثاني أكثر تفصيلا وشمولا. تم التوصل إلى هذا الاتفاق بين الرئيس التركي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بمدينة سوتشي في 22 من ذات الشهر. ويقضي بانتشار الجيش السوري على عمق 30 كلم مقابل انسحاب المقاتلين الأكراد، على أن يقيم الجيشان الروسي والتركي أشبه ما يكون بمنطقة آمنة على عمق 10 كلم تستثني القامشلي (عاصمة الإدارة الذاتية)، وتسيير دوريات مشتركة فيها. وبدا واضحا أن كلا الاتفاقين لا يلقيان رضا تركيا التي تحاول الالتفاف عليهما وخاصة في ما يتعلق باتفاق سوتشي، الذي يحول دون هدفها الاستفراد بتلك المنطقة. دعم قطري للمنطقة الموعودة تسعى تركيا مجددا اليوم لاجتذاب حلفائها خاصة في حلف شمال الأطلسي لدعمها في إنعاش خطتها “الأصلية” من خلال التسويق إلى أن هذا الدعم لن تكون له أعباء مالية حيث ستتكفل قطر بتمويل عملية إنشاء المنطقة الموعودة. وخلال عودته مساء الاثنين من زيارة دامت يوما إلى الدوحة تخللها توقيع حزمة اتفاقيات وإعلان بناء “ثكنة خالد ابن الوليد” التركية في قلب قطر، قال أردوغان لوسائل إعلام تركية إنه سيركز خلال الفترة المقبلة على حشد الدعم المالي لإنشاء المنطقة الآمنة، مشيرا إلى أنه عرض تصورات بشأنها على أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى جانب الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين. ولفت الرئيس التركي إلى أن أمير قطر أبدى إعجابا شديدا بفكرة تشييد مشاريع إسكان في المنطقة الآمنة، مضيفا “قطر ليست عضوا في الناتو، لكنها تبدي اهتماما بذلك”. وأضاف “قد نشرع في المرحلة الأولى في تنفيذها ما بين مدينتي تل أبيض ورأس العين… وإن تمكنا من تحقيق مشاريعنا فإنها ستعد الأولى عالميا، وسيفتن الجميع بالمنازل والمدارس والمستشفيات وأماكن العبادة والمرافق الاجتماعية التي سنبنيها”. وكان اتفاق سوتشي قد أبقى على سيطرة تركيا على المناطق التي دخلتها خلال عملية “نبع السلام” وهي تمتد على مسافة مئة كلم بين رأس العين التي تتبع إداريا محافظة الحسكة وتل أبيض التي تتبع محافظة الرقة. وجدد أردوغان للصحافيين تأكيده أن بلاده ستعمل مع قطر على إنشاء المنطقة الآمنة، لافتا في الآن ذاته إلى أن لقاء سيعقد في بريطانيا، على هامش اجتماعات حلف شمال الأطلسي، بين تركيا والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا في 3 و4 ديسمبر المقبل، سيروّج خلاله لفكرة عقد اجتماع دولي لدعم خطته بشأن المنطقة. حديث أردوغان عن استعداد قطر لتقديم الدعم المالي لمشروع المنطقة الآمنة ليس بالغريب، وغير المتوقع، حيث أن الدوحة كانت العاصمة العربية الوحيدة التي دافعت عن عملية “نبع السلام” حينما اعتبرت أن من حق أنقرة الدفاع عن نفسها في مواجهة “تهديد وشيك”، في إشارة إلى أكراد سوريا الذين تزعم تركيا صلتهم بحزب العمال الكردستاني. وذهبت قطر إلى حدّ التحفّظ على البيان الختامي لاجتماع وزراء خارجية الجامعة العربية الذي انعقد إبان العملية العسكرية التركية في سوريا، والذي طالب تركيا حينها بوقف عدوانها على دولة عربية، داعيا مجلس الأمن الدولي للتدخل. ويعكس هذا التمشي القطري حالة تبعية شبه تامة لتركيا، قد يفسره البعض بما خلفته المقاطعة العربية المستمرة منذ العام 2017، من إرباك للدوحة وإحساس بالعزلة تعمق مع الوقت، وهي ترى في أنقرة مظلة يمكن الاستظلال بها وإن كانت ستكلفها دفع المزيد من الأثمان الباهظة. من طموح الزعامة إلى التبعية تتناقض الحالة القطرية اليوم مع طموحات “كانت تعانق السماء” لجهة تزعم العالم العربي من خلال استثمار ما سمي بثورات الربيع العربي في إيصال موالين لها (أي الإسلاميين) إلى السلطة خاصة في دول محورية مثل مصر وسوريا. ولا يخفى أن الدوحة لعبت دورا رئيسيا في الأزمة السورية منذ اندلاعها في العام 2011، كما تصدرت مهمة عسكرتها عبر تقديم دعم مالي وعسكري سخي للفصائل المعارضة لنظام الرئيس بشار الأسد، وخاصة الإسلامية منها. تصطدم أنقرة في كل مرة بتحفظات دولية حيال خطتها لإقامة المنطقة الآمنة، التي تتغير ذرائع تسويقها بحسب ما تقتضيه المرحلة والظروف واتهم الأسد قطر بالوقوف خلف اندلاع الصراع في بلاده، من خلال تحريض العمال السوريين على التظاهر ضد نظامه. وقال الرئيس السوري، الذي يبدو بعد مرور نحو 9 سنوات من اندلاع الأزمة في وضع أكثر ارتياحا بفضل الدعم الروسي، إن حركة الاحتجاج التي بدأت ضده في العام 2011 “لم تكن سلمية”. وأضاف أن قطر استغلت حاجة العمال السوريين “وأن المبالغ التي تلقوها من الدوحة إبان الأزمة كانت تكفيهم للعيش دون عمل، وبالتالي كان من الأسهل عليهم الانضمام إلى المظاهرات. وبعد ذلك جرى دفعهم نحو التسلح وإطلاق النار”، موضحا “بالتأكيد الحكومة القطرية ستنكر ذلك”. وجدير بالذكر أن قطر نفسها أقرت بتدخلها في الأزمة السورية وذلك على لسان وزير خارجيتها السابق الشيخ حمد بن جاسم في أحد اللقاءات الإعلامية معه في العام 2017 حيث قال “سوريا كانت صيدة تهاوشنا (تخاصمنا) عليها وفلتت”. اليوم انقلبت الأوضاع، فبعد أن كانت تطمح لوضع يدها على سوريا عبر إسقاط الأسد والإتيان ببديل موال، تجد قطر نفسها رهينة أجندة تركيا في الشمال السوري.

مشاركة :