بدأ موسم التخييم، وحمل المخيّمون خيامهم وأغراضهم إلى البر الذي قلّصت مساحته هذا العام إلى ثلاث مناطق فقط للعائلات هي شجرة الحياة وجنوب القارة وشرق العمر. ونحن كعائلة كان لنا سبق التخييم في شرق العمر حيث حجزنا قطعتي أرض في نفس المكان الذي كنا نخيم فيه خلال السنتين الماضيتين، وقام شباب العائلة يتقدمهم مايسترو التخييم الأخ عبدالعزيز زمان بالإشراف على وضع الخيام في أماكنها بحيث تكون خيمة كبيرة للسمر، وخيمة أخرى للأكل والطعام وخيمة للنوم واستراحة من الخشب لاستقبال الضيوف، بالإضافة إلى ملاعب كرة الطائرة والقدم والمطبخ والحمامات وحفرة النيران في وسط المخيم. تنظيم جيد ومدروس أهَّلنا لأن نفوز بالمركز الثاني قبل ثلاث سنوات في المسابقة التي تنظمها عادة المحافظة الجنوبية. والتخييم في البر له أسسه وأعرافه، لكن للأسف فإن كثيرا من الشباب الذين يخيمون لا يلتزمون بهذه القوانين أو الأعراف، فإنهم يملئون البر بالغبار بسبب مرورهم في الرمال قرب المخيمات دون مراعاة لظروف المخيميين الصحية أو ظروف أطفالهم الذين قد يكونون مرضى أو نائمون.. كما أن البعض لا يتورع عن رمي المخلفات خارج المخيم وبصورة مغززة ومنفرة دون مراعاة لمشاعر الآخرين ودون وضع هذه المخلفات في أكياس سوداء خارج المخيم لتمر عليها سيارات البلدية وتنقلها إلى مكان بعيد. ورغم هذه المنغصات فإن التخييم في البر له متعته وحلاوته، فهو كسر للرتابة وابتعاد عن المألوف في حياة المدن، كما أنه تأصيل لحياة البداوة التي عاش فيها الآباء والأجداد، وتجميع لأفراد العائلة من إخوان وأخوات وأنساب وأطفال خاصة عندما يتحلق الجميع حول النيران التي توقد في وسط ساحة المخيم وتبدأ المسابقات مع شرب الشاي والقهوة وأكل الكستناء «أبو فروة». وكلما جاء موسم التخييم في البر تذكرت منطقة الصخير قبل حوالي ستين عاما عندما كنا صغارًا، وكنا نأتي إلى البر في رحلات جماعية بالباص الخشبي في رحلات ينظمها أهل الفريج مرة أو مرتين في العام. كان البر في ذلك الوقت بكرًا لم تعبث به السيارات، ولم تلوثه عوادم المركبات، ولذلك كان الحصول على «الفقع» متيسرًا، وكانت فرحتنا كبيرة عندما نحصل على الفقع الزبيدي الأبيض اللون واللذيذ الطعم.. وكان الفقع يأخذ حريته في النمو وشق الأرض علامة على كبره ونضجه. كانت «كشتتنا» في تلك الدور القديمة المنتشرة في منطقة الصخير، وكنا نضع فيها أغراضنا و«ماجلتنا» و «مواعيننا» وننطلق إلى جبل الدخان الذي نعتليه من بعض ممراته السهلة متجهين إلى مغارة الجبل الذي ندخلها زاحفين ونحن نتشوق لرؤية ما بداخلها حاملين معنا مصباحًا يدويًا صغيرًا ينير لنا الطريق حتى نصل إلى قبتها فنقف فيها لنرى بعض الكتابات على جدرانها والتي تركها زوارها السابقين. فما أروع البر، وما أروع لياليه وأيامه.
مشاركة :