تكتسي زيارة رئيس الحكومة السودانية، عبدالله حمدوك، للولايات المتحدة، السبت المقبل، أهمية استثنائية، حيث يلتقي خلالها كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب. وتشكل هذه الزيارة فرصة مهمة لتحديد معالم العلاقة بين واشنطن والخرطوم مستقبلا. ويعول السودانيون على زيارة حمدوك لتحريك المياه الراكدة تحت مفاوضات شطب اسم بلادهم من اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الطرفين، الأمر الذي من شأنه أن يفتح الباب أمام مساعدات دولية السودان في أمس الحاجة إليها. ويسعى رئيس الحكومة السودانية إلى إقامة علاقات قوية مع المجتمع الدولي، تمهيدا للحصول على مساعدات اقتصادية وفرص استثمارية مستقبلية، ويدرك أن ذلك لا يمكن أن يتم دون المرور بالبوابة الأميركية. وخلال زيارته للولايات المتحدة سيلتقي حمدوك مع مسؤولين في الأمم المتحدة لتفعيل بنود الدعم الاقتصادي للسودان ضمن اتفاقية “نيفاشا” الموقعة بين شمال وجنوب السودان عام 2005. الحكومة الانتقالية كانت تنتظر موقفا أميركيا من السودان أكثر إيجابية بعد عزل البشير، والزيارة تعد بمثابة اختبار لمصداقية واشنطن مع الخرطوم وأعلن حمدوك تلقيه دعوة لزيارة واشنطن لبحث العديد من الملفات، نافيا وجود اشتراطات أميركية لرفع اسم بلاده من قائمة الدول الراعية للإرهاب، الموضوعة عليها منذ 22 عاما، قائلا “هناك آليات عمل”، لتجاوز هذه العقبة. وأكد في تصريحات سابقة وجود “تجاوب” من قبل الإدارة الأميركية لفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، معربا عن ثقته في التوصل إلى حلّ لهذا الملف في نهاية المطاف. واعتقدت دوائر سياسية سودانية أن تولي حكومة مدنية، برئاسة حمدوك، في نهاية أغسطس الماضي سيكون كفيلا بإنهاء مشكلة اللائحة الإرهابية، لتصطدم بأن هذا الملف يخضع لحسابات معقدة للإدارة الأميركية. وناشدت عدة دول إقليمية وغربية واشنطن رفع الخرطوم من قائمة الإرهاب. وتقدم عدة دول، في مقدمتها الإمارات والسعودية، مساعدات اقتصادية لنجاح التحوّل الديمقراطي في السودان، بيد أن ذلك يبقى غير كاف لإنعاش اقتصاد عانى لعقود من الانكماش. ويرى البعض أن واشنطن تماطل في رفع اسم السودان، لأن هناك شكوكا في الأوضاع الراهنة، فلم يتم اتخاذ الإجراءات الكافية في ملف مكافحة الإرهاب وتشعباته، وتحقيق السلام الشامل في مناطق النزاع، ومحاكمة رموز النظام السابق، وعلى ضوء ذلك مرجح أن تستمر العقوبات كسيف مسلط على رقبة الخرطوم لإجبارها على التجاوب في هذه الملفات. في المقابل يذهب آخرون إلى ربط التأخر الأميركي في شطب الخرطوم من القائمة السوداء بالتقديرات البيروقراطية في منظومة صناعة القرار في مثل هذه القضايا، ولا علاقة لها بالوفاء باستحقاقات أو التزامات معينة. وأوضح مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية، تيبور ناجي، في 15 نوفمبر الجاري أن بلاده “لم تعد في خصومة مع حكومة السودان، وتعتبرها الآن شريكا، لكن رفع اسم البلد من قائمة الدول الراعية للإرهاب عملية إجرائية”. ومددت واشنطن حالة الطوارئ الوطنية في 31 أكتوبر الماضي، وهي الحالة المفروضة على السودان بشكل دوري منذ 1997، باعتبارها من الدول المدرجة على قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما لم يصدر قرار بإلغائها. وكشفت صحيفة “لوس أنجلس تايمز” الأميركية، عن قائمة الشروط التي ستناقشها إدارة الرئيس دونالد ترامب، مع عبدالله حمدوك خلال زيارته، وقالت “واشنطن ترغب في التأكد من أن الحكومة الانتقالية ستكون منفصلة تمامًا عن النظام القديم، ومحاكمة رموزه”. وأضافت “حال أراد السودان أن ينفصل عن ماضيه عليه أن يُحاسب نظام البشير على جرائمه، سواء أمام المحكمة الجنائية أو أمام القضاء داخل البلاد، إضافة إلى تطمينات قوية بشأن سير الاتفاق بين المكون العسكري والمدني في مجلس السيادة، وتشكيل حكومات مدنية للولايات”. ورأى رئيس قسم السياسات العامة بالجامعة الأميركية في القاهرة، حامد التيجاني، أن زيارة حمدوك تأتي في التوقيت الخاطئ، في ظل حالة الحشد الداخلية تجاه محاولة عزل الرئيس ترامب، بالتالي فإدارته لن يكون بمقدورها الإقدام على خطوة كبيرة تحدث خرقاً على مستوى رفع اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب. وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “كان من المفترض أن تأتي الزيارة بعد إحداث تقدم ملموس في عملية السلام الشامل، والتنسيق لم يخرج عن إطار العلاقات العامة، ومن الأولى أن تكون هناك تطورات ميدانية على أرض الواقع في السودان قبل الذهاب إلى واشنطن”. ولفت التيجاني إلى أن إحداث تغيير في السياسة الأميركية سيكون بحاجة إلى إنجاز ملف السلام، خاصة في دارفور التي شهدت عدة مجازر، وتسليم البشير إلى الجنائية الدولية، ومن دون ذلك جميع المحاولات الدبلوماسية لرفع اسم السودان لن تلقى صدى. خلال زيارته للولايات المتحدة سيلتقي حمدوك مع مسؤولين في الأمم المتحدة لتفعيل بنود الدعم الاقتصادي للسودان ضمن اتفاقية "نيفاشا" في هذا الإطار، سيبدو حمدوك كمن يهرب من الأزمات الداخلية بالمزيد من الزيارات الخارجية، ما يشير إلى ما يشبه “الفوضى الخلاقة” التي تحتاج إلى جهود كبيرة مع القوى السياسية في الداخل للتوافق حول آليات تسيير إدارة البلاد في المرحلة الانتقالية، ما يؤدي إلى إضفاء حيوية على التواجد في الخارج. وقال المحلل السياسي السوداني، خالد سعد، إن الحكومة الانتقالية كانت تنتظر موقفا أميركيا من السودان أكثر إيجابية بعد عزل البشير، والزيارة تعد بمثابة اختبار لمصداقية واشنطن مع الخرطوم، حيث قدمت وعوداً سابقة بتغيير مواقفها المتشددة، لكن على الصعيد العملي لم يتغير شيء، وهو ما أشاع أجواء من الإحباط لدى من عوّلوا على دور أميركي فاعل. وشدد في تصريح لـ”العرب”، على أن الولايات المتحدة تنظر بحذر للأوضاع السياسية في السودان، وترفض التنازل عن إحدى وسائل الضغط في السياسة الخارجية (الإرهاب)، وتجد مبررات تقدمها لمن يعنيهم الأمر، تتعلق بالتعقيدات القانونية لإلغاء كافة العقوبات الأميركية على السودان. من ناحية السودان، هناك موقفان يحددان طبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة، أحدهما تمثله حكومة حمدوك، حيث يدعو إلى استعجال التطبيع بين البلدين، والآخر شعبي ويعبر عن إحباط من عدم التفاعل الإيجابي من قبل واشنطن مع ما يجري في البلاد من تطورات.
مشاركة :