تعد العمارة واجهة لانعكاس حضارة أي بلاد، بما تتفرد به من تصاميم يشكلها نمطها الثقافي ومكوناتها الطبيعية بما يتناسب مع اجوائها المناخية. وبالمحافظة بخصوصية تصاميم البلدان في عمارتها التراثية انتجت للعالم موروثاً زاخراً يدعونا للتعرف عليه. وعلى الرغم مما تمدنا به الامكانيات الحديثة من بناء منازل أكثر رفاهية إلا أننا بشكل أو بأخر نصر على الاحتفاظ بجزء من تصاميمنا العتيقة داخلها وكأننا نتيح لأنفسنا فسحة تأخذنا إلى زمننا الماضي بخاماته وادواته البسيطة والذي يظهر حنين الناس إليه من خلال اقبالهم على الأماكن التراثية بالوطن التي حظيت برعاية واهتمام القائمين عليها لتصبح مقصدا للجميع. هذا أيضا يبدو ظاهراً حتى في نفوس قادتنا من خلال رعايتهم للأماكن التراثية بالمملكة عندما أطلق سمو الأمير سلطان بن سلمان - حفظه الله - مبادرته « تثمين» لإحياء المعالم التراثية عام ١٤٣٢ هـ والتي قصد بها مجموعة من مناطق المملكة باعتباره مشروع وطني بحت، تضمن ١٣ مؤسسة حكومية ومن القطاع الخاص والمجتمع المحلي نتيجة انضمام أهالي القرى والمحافظات إلى الهيئة بدعوة الشراكة. وقد تفاعل مع تلك المبادرة الكثير من المجتمعات المحلية الذين طالبوا بتشكيل مثل هذه الجمعيات والصناديق للعناية ببلداتهم التراثية وتحويلها من مبان آيلة للسقوط إلى مشاريع تاريخية واقتصادية. وقد اصدر في ذات العام قرار عدم إزالة أي مبنى تراثي إلا بعد التنسيق مع الهيئة العامة للسياحة والآثار، وذلك ليتسنى التأكد من أهميته التاريخية والعمرانية والإبلاغ عن أي تعديات أو إزالة للمباني التراثية. وفي حديث أجري معه بمناسبة تدشين «بوابة الدرعية» يشير صاحب السمو إلى حنين والده خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله - إلى الدرعية قائلا : «كلما هاتفني والدي ووالد الجميع الملك سلمان يحفظه الله - كما هي عادته اليومية في مهاتفة أبنائه وأحفاده يبادرني بسؤال (أنت وينك فيه) فأقول في الدرعية ولا أقول في الرياض؛ فيرد عليَّ قائلاً الله يجيبنا لدرعيتنا أو الله يردنا لدرعيتنا، وكان يسأل بشوق عن التفاصيل الدقيقة لإقامتنا في الدرعية. في مزرعة الدرعية قال لي الوالد سأبني بها بيتاً فعرضت عليه أن يكون طبقاً للبيوت المبنية في البويبية ومزرعة خزام واقترحت أن يكون بالطوب الأحمر فأمر ببنائه بالطين وقال بالحرف إن لم يُبني بالطين فلن أسكن فيه، فبنينا قصر العوجا، ونجد الملك في قمة السعادة حين يزور قصر العوجا، حيث يستقبل كبار زور الدولة وضيوفها». وها هي الدرعية تأتلق، بعد أن سجلت في لائحة التراث العالمي بمؤتمر التراث العالمي بالبرازيل، في حفل اقامه خادم الحرمين الشرفين يوم الأربعاء ٢٣/٣/١٤٤١هـ لوضع حجر أساس «بوابة الدرعية» كخطوة أولى تعيده وتعيدنا إلى خامة زمننا العتيق، وليصبح وطننا بقرنه الثامن عشر بمتناول جميع ابنائه من الجيل الجديد وزواره. كما يحمل هذا التدشين للدرعية ابعاداً بالاعتزاز بموروثاتنا العريقة والتي تنم عن مجد أجدادنا الذين صنعوا من بساطة واقعهم وامكاناتهم البسيطة عمارات هندسية وفنية تختزل بها براعة تكيف الظروف بما ينسجم مع طاقتهم وطقوسهم.
مشاركة :