لم تتوقف الهزات الارتدادية لأحدث زلزال هزّ إيران، بعد مضي أسبوعين، عقب قرار مفاجئ بزيادة أسعار البنزين. وشنّت الأجهزة الأمنية، أمس، حملة الاعتقالات في صفوف «قادة» الحراك، في وقت واجه فيه الرئيس حسن روحاني انتقادات لاذعة من الحلفاء والخصوم، غداة إعلانه «عدم الاطلاع» على موعد تنفيذ قرار زيادة البنزين، الذي أدى إلى اندلاع احتجاجات قبل أسبوعين، وجدد قائد «الحرس الثوري»، حسين سلامي، توجيه اتهامات عابرة للحدود، متهماً «الأعداء» بالسعي وراء «عصيان مزمن واسع النطاق»، في ثاني احتجاجات غاضبة تشهدها البلاد، بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، في غضون عامين. وعاد قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي لاستخدام مفردات جديدة لوصف الاحتجاجات بعد ثلاثة أيام من إعلانه القضاء على «حرب عالمية خلال 48 ساعة»، غير أنه هذه المرة وصف الاحتجاجات بـ«الفتنة الكبيرة»، متهماً «الأعداء» بأنهم «كانوا بصدد تغيير احتجاج في المجتمع الإيراني، عبر مجندين، إلى عصيان مزمن واسع النطاق». وكان سلامي يتحدث في ملتقى ضم 10 آلاف من عناصر ميليشيا «الباسيج» التابعة لـ«الحرس الثوري» بمحافظة همدان، بحسب وكالة «إرنا» الرسمية. وقال سلامي: «سنحارب مَن يريد الاصطفاف ضد إيران، من الفقر والحرمان إلى الأعداء الأجانب، لأننا جسد وروح واحدة، ولن نسمح بفرض صعوبات على شعبنا»، معتبراً ما يمر به الشعب الإيراني من أوضاع صعبة «ساحة المقاومة»، قبل أن يخاطب الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل بقوله إن «الشعب الإيراني بارع في هزيمة الأعداء». على خلاف سلامي، دعا سلفه في قيادة «الحرس الثوري»، اللواء محمد علي جعفري إلى «مواجهة قضائية مع حكومة روحاني»، عاداً السبب الأساسي للاحتجاجات «تجاهل» المسؤولين في الحكومة للمطالب الشعبية. وفي وقت متأخر، أول من أمس (الأربعاء)، نقلت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن جعفري انتقاداته للحكومة بأنها «لا تنفق وقتاً للتحدث وإقناع الناس بينما تخصص وقتاً كبيراً للتفاوض مع الأجانب». وفي الوقت ذاته، انتقد طريقة تنفيذ قرار زيادة أسعار البنزين، ولكنه دافع عن قمع الاحتجاجات. وقال في هذا الصدد: «لماذا لا تتم مواجهة بعض المتسببين في هذه الأوضاع، الذين نفذوا قراراً بطريقة سيّئة، ومن تدبير والاهتمام بالناس». وسخر جعفري ضمناً من شعار روحاني، «التدبير والأمل»، بقوله: «أي أمل بقي للناس في أداء القضايا التنفيذية؟»، معرباً عن اعتقاد بأن الجهاز القضائي «لديه واجب مهم، وهو مواجهة سوء التدبير وسوء الإدارة واللامبالاة». وقال: «يجب مساءلة المسؤولين على القرارات التي يتخذونها أو طريقة تنفيذ تلك القرارات»، قبل أن يتهم حكومة روحاني بأنها «لم ولن تعير اهتماماً لمشكلات ومطالب الناس، ولا يفهمون أوضاع الناس الذين يتعرضون للضغوط الاقتصادية». وانتقد جعفري تراجع دور البرلمان الإيراني و«غياب الشفافية»، مشيراً إلى «استقالات شكلية» في صفوف مؤيدين لسياسات روحاني في البرلمان. وأفادت وكالة «إيلنا» العمالية عن قائد الشرطة في منطقة غرب محافظة طهران، محسن خانجرلي، أمس، بأن قواته اعتقلت 30 «قائداً أساسياً» في الاحتجاجات، مشيراً إلى حملة الاعتقالات في صفوف مَن وصفهم بـ«العناصر الأساسية للاضطرابات والإخلال بالأمن بمدن غرب طهران» وقال إن المعتقلين «اعترفوا بمهاجمة قوات الأمن والقيام بأعمال تخريبية». من جانبه، نقل موقع «كلمة» الإصلاحي عن مصدر مطلع أن 366 شخصاً قُتلوا في الاحتجاجات. وقال الموقع المقرب من مكتب الزعيم الإصلاحي مير حسين موسوي إنه «يتحقق من المعلومة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى احتمال صحة المعلومة «نظراً للعنف غير المسبوق ضد المحتجين وأوامر بأطلاق الذخائر الحية على المحتجين». وفي محافظة مازنداران الشمالية، أعلنت الشرطة «اعتقال ثمانية من الذين نشروا دعوات للتجمعات والإخلال بالأمن العام عبر شبكة (تلغرام) و(إنستغرام)». ونقلت «إرنا» عن قائد الشرطة في محافظة البرز، عباس محمديان، أنها «اعتقلت رؤوس الاضطرابات في بلدة محمد شهر كرج»، كما أشار إلى اعتقال ثلاث نساء. ونفى روحاني، أول من أمس، أن يكون على علم مسبق بقرار زيادة البنزين، موضحاً أنه علم بقرار رفع البنزين، صباح اليوم التالي، بعد إعلانه في منتصف الليل. وأثارت تصريحات روحاني انتقادات وصدمة في صفوف خصومه وأنصاره على حد سواء. وأبدى أمين عام تشخيص مصلحة النظام والقيادي السابق في «الحرس الثوري»، المتشدد محسن رضايي استغرابه من «نأي» روحاني بنفسه «بدلاً من تقبل المسؤولية». وانتقد النائب المعتدل علي مطهري والمؤيد للحكومة تصريحات الرئيس الإيراني. ونقلت عنه وكالة «إيسنا» الحكومية، قوله: «المسؤول التنفيذي الأول في البلاد كان يجب عليه التدخل في التفاصيل والتحدث إلى الناس»، وقال إن «تصريح الرئيس عذر أقبح من ذنب». وفي السياق ذاته، انتقد غلام حسين كرباتشي، أمين عام حزب عمال البناء - فصيل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، في «تويتر»، تصريحات روحاني ووزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي. وقال: «كواحد من الداعمين للحكومة أشعر بأنني غارق في التعرُّق من الخجل من حوار الوزير وضحكات روحاني الذي سبب خيبة لنا، يا لحسرتنا على قليل من الإنصاف والتدبير والإحساس». وفي أول تعليق، دعا الزعيم الإصلاحي مهدي كروبي من الإقامة الجبرية إلى البحث عن «جذور وأسباب الاحتجاجات في الفساد والإذلال والتمييز وعدم المساواة (في البلاد) وليس ما وراء المياه (خارج الحدود)»، منتقدا «صمت السياسيين والتيارات المؤثرة إزاء هكذا كوارث»، وفقا لبيان نشره موقع «سحام نيوز». وهاجم كروبي «لغة التهديد» التي استخدمها الحكومة و«ماكينة القمع والعنف الخارج على الأوصاف»، معربا عن استيائه من تجاهل صوت المحتجين والقمع «بطريقة عنفية» على غرار احتجاجات 2009 ونهاية 2017.
مشاركة :