يواجه القادة الإيرانيون تحديات وخيارات صعبة منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية قبل 40 يوما في لبنان، ومن بعده العراق قبل أن تمتد نيران هذا الغضب الشعبي إزاء سوء الأوضاع الاقتصادية لتصل إلى الداخل الإيراني ذاته. هل سيتوقف نزيف خسائر جمهوريتهم عند فقدان بعض حلفائهم بلبنان والعراق لمواقعهم بالسلطة، أم أن التداعيات قد تنسحب أيضا على نفوذ إيران بساحات أخرى وتحديدا سوريا؟ وهو ما يتوقعه عدد من السياسيين والخبراء، وخاصة في ظل إصرار الإدارة الأميركية على إعادة رسم خارطة النفوذ بالشرق الأوسط والفوز بالنصيب الأكبر منها. ويؤكد البرلماني اللبناني وهبي قاطيشه على أن الاحتجاجات الشعبية بكل من لبنان والعراق قد جردت إيران من أي أوراق ضغط كان يمكن أن توظفها وتستغلها خلال أي مفاوضات محتملة لها مع الإدارة الأميركية حول التخفيف من حصار العقوبات الاقتصادية الثقيلة التي فرضتها واشنطن عليها منذ أكثر من عام. ويقول قاطيشه (الضابط السابق بالجيش اللبناني) “كانت إيران في الماضي قادرة على التفاوض بأوراق لبنان والعراق وسوريا، الآن سقطت هذه الأوراق وباتت يدها فارغة”. تراجع إيران وهزيمتها في سوريا سينعكسان بشكل إيجابي على دول المشرق وسيسمحان لها بالتخلص من مشروع الهيمنة الإيرانية وتابع “نعم لم يطرأ أي تغيير جذري بعد على المشهد السوري ولكن لا يجب أن ننسى أن تواجد إيران بسوريا يعتمد بالأساس على وجود حلفاء أقوياء لها على رأس السلطة بدول الجوار السوري، الآن تغير كل ذلك فوضعها بالعراق متردّ جدا وصور قائد فيلق القدس قاسم سليماني ومرشدها الأعلى علي خامنئي تحرق على الملأ، أما حليفها وذراعها العسكرية الأبرز بالساحتين اللبنانية والسورية، أي حزب الله اللبناني، فهو مثلها محاصر دوليا ويواجه غضب الشارع اللبناني بما في ذلك جزء غير هين من بيئته الشيعية وبالتالي سيتراجع ويتقزم تدريجيا الدور الإيراني بسوريا خاصة مع عدم وجود بيئة أو حاضنة شعبية داعمة لها بالداخل السوري”. وأرجع البرلماني اللبناني استمرار تظاهر الرئيس السوري بشار الأسد بمشهد المتماسك رغم الخسائر التي تلحق بطهران أو بالأدق بجماعاتها الوكيلة بلبنان والعراق إلى “تعوده كنظام رجعي على إنكار الحقائق والتمسك بالخطاب المكرر عن صلابة وصمود محور المقاومة الذي يدّعي تمثيله.. هو نفسه يكذب على نفسه ويدّعي أنه رئيس دولة منتخب رغم أن الجميع يعلم أنه لولا الدعم الروسي لما تمكن من البقاء على كرسيه ولو ليوم واحد”. ومضى بالقول “الروس الآن يقومون بكتابة دستور بلاده بالتنسيق مع الولايات المتحدة وبعض الدول العربية والإقليمية المعنية بالملف السوري، دون أن يكون له هو شخصيا أو لحليفته طهران أي تأثير يذكر”. بدوره يرى مدير مركز الدراسات العربية الإيرانية علي نوري زادة أن “النظام الإيراني لن يمكنه العودة بالزمن إلى تاريخ ما قبل اندلاع الاحتجاجات بالدول الثلاث، خاصة وأن هذه الاحتجاجات قد كبدته خسائر فادحة أهمها فقدانه للهالة المعنوية الكبيرة التي كانت تحيط به أي تصويره كنظام محبوب ومؤيد من قطاعات كبيرة بالمنطقة وتحديدا جمهور الشيعة”. وأوضح زاده “نعم النظام الإيراني نجح في قمع الاحتجاجات داخله عبر إطلاق الرصاص على المواطنين العزل بدعوى كونهم مخربين وعملاء لأجندات خارجية، ولكن تلك المشاهد بالإضافة إلى مشاهد مهاجمة المحتجين بالعراق لقنصلياته بأكثر من محافظة، ولمكاتب ومقرات الأحزاب الشيعية المقربة منه رغم إطلاق الرصاص وقنابل الغاز عليهم، فضلا عن مشاهد اعتداء واحتكاك بعض عناصر حزب الله في لبنان بالمحتجين من تيارات أخرى، ستظل عالقة بالأذهان كدليل راسخ على خسارة هذا النظام لمعركته الرئيسية مع الشعوب، وهذا بطبيعة الحال ستتم ترجمته عند مراجعة موازين القوى بالمنطقة وتحديدا بالساحة السورية التي يتبلور شكلها المستقبلي في التوقيت الراهن”. استمرار تظاهر الرئيس السوري بشار الأسد بمشهد المتماسك رغم الخسائر التي تلحق بطهران أو بالأدق بجماعاتها الوكيلة بلبنان والعراق إلى “تعوده كنظام رجعي على إنكار الحقائق ويتوقع الخبير الاستراتيجي أن تتزايد محاولات النظام السوري الذي يرصد المواقف بكل دقة في “التقرب أكثر وأكثر من روسيا باعتبارها دولة قوية يمكن الاعتماد عليها، مقارنة بإيران التي ترزح حاليا تحت ضغط العقوبات الاقتصادية من جهة وتهدئة الساحات الشعبية الثائرة ضدها من جهة أخرى”. وتابع “النظام السوري وعلى رأسه الأسد بات يدرك جيدا أنه إذا ما أراد البقاء بالحكم ولو فترة مؤقتة فعليه طرق أبواب روسيا وأوروبا والولايات المتحدة أيضا ربما عبر وساطة أوروبية”. ولم يبتعد مدير المركز السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن عن الرأي السابق، في أن روسيا والتي تسعى منذ فترة غير قليلة لإضعاف دور إيران بالساحة السورية ستكون المستفيد الأكبر مما يحدث حاليا. وشدد عبدالرحمن على “أنه إذا استمرت الأحداث الراهنة على ذات الوتيرة من عدم الاستقرار بالداخل الإيراني وبالعراق، فسيؤثر هذا بلا شك على تواجد الإيرانيين بسوريا، بل وقد ينتهي حلمهم ومشروعهم الاستراتيجي، أي طريق طهران بيروت الذي يمر عبر دمشق وعبر البوكمال التي شاهدنا قائد فيلق القدس قاسم سليماني يشرف بشكل مباشر على تحريرها من قبضة عناصر تنظيم داعش والسيطرة عليها”.
مشاركة :