تصاعدت خشية الأوساط المالية الجزائرية من اتساع دائرة تأثيرات سياسة تعويم الدينار الوشيكة، والتي كانت تخضع بشكل غير معلن منذ بداية أزمة النفط قبل خمس سنوات لأهواء الحكومات المتعاقبة. وأقرت الحكومة في موازنة العام المقبل تعويما جديدا للعملة المحلية ليصبح سعر صرف الدولار عند 123 دينارا، مقارنة مع 118 دينارا سابقا. وبحسب البيانات الرسمية، كان سعر الصرف مع بداية الأزمة النفطية منتصف عام 2014 يساوي 83 دينارا لكل دولار. ويضاعف سعر الصرف في السوق الموازية من حدّة أزمة العملة المحلية، إذ يبلغ سعر الدولار 180 دينارا واليورو نحو مئتي دينار. وفقدت العملة منذ تفجر الأزمة النفطية حوالي 70 بالمئة من قيمتها، وفق المسؤولين في البنك المركزي. وبررت الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الخمس الأخيرة إجراء تحرير سعر صرف الدينار بالقول إنه جزئي ويهدف إلى امتصاص ارتدادات الصدمة النفطية التي أضرت باقتصاد البلاد. وفي عام 2017، قال المحافظ السابق لبنك الجزائر المركزي محمد لوكال، الذي يشغل منصب وزير المالية حاليا، إن “تعويم الدينار بلغ نحو 20 بالمئة منذ منتصف 2014”. وأضاف حينها أن ”خفض قيمة صرف مقارنة بالدولار واليورو ساهم في امتصاص تأثيرات الأزمة النفطية على اقتصاد البلاد، بالنظر لاعتماده بصفة شبه كلية على إيرادات المحروقات”. ولم تنه التبريرات السخط الشعبي للمواطنين الذين اتهموا الحكومة بالخضوع لإملاءات سياسية وإدارية، مصدرها مؤسستا رئاسة الجمهورية والحكومة، في تعويم العملة. وضرب الإجراء القدرة الشرائية للمواطنين لاسيّما في ظل إقرار التمويل غير التقليدي، أي طباعة النقود دون مقابل في عمليات الإنتاج، لسد العجز وسداد الدين الداخلي. ويرى الخبير نبيل جمعة أن استمرار هبوط قيمة الدينار سببه انهيار أربعة أسس حدد بموجبها سعر صرف العملة المحلية، من طرف الحكومة والبنك المركزي. ونسبت وكالة الأناضول إلى جمعة قوله إن “الأساس الأول يتمثل في الإنتاجية المحلية، التي تدهورت في ظل الأزمة النفطية التي أضرت بالأنشطة الاقتصادية”. وأوضح أن احتقان الوضع السياسي غذى الصعوبات التي تواجهها الشركات الحكومية والخاصة، وبالتالي تراجع الإنتاجية. ويشير جمعة إلى أن الركيزة الثانية التي تسببت في انهيار العملة تتعلق بأسعار الطاقة، التي تعد المورد الرئيسي للبلاد من النقد الأجنبي، والتي بقيت ضمن مستويات أقل من تلك التي كانت قبل الأزمة النفطية. أما الأساس الثالث فيتعلق بالإنتاجية مقارنة بدول الجوار في المنطقة المغاربية والبحر المتوسط والاتحاد الأوروبي، والتي وصلت إلى مستويات ضئيلة مقارنة بدول المنطقة. ويمثل تراجع النمو الاقتصادي الأساس الرابع لانهيار العملة، بفعل التوقعات التي تشير إلى أنه قد يصل إلى نحو 4 بالمئة غير أنه واقعيا يبلغ نحو 1.8 بالمئة. وكانت حكومة رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، الذي يقبع حاليا في السجن على خلفية قضايا فساد، قد اعتمدت التمويل غير التقليدي (طبع الدينار) منذ خريف عام 2017، حيث تم إصدار ما يفوق 56 مليار دولار. وكان لوكال قد قال الشهر الماضي في جلسة نقاش الموازنة الجديدة إن بلاده تتوقع أن تبلغ احتياطات العملة الصعبة حوالي 51.6 مليار دولار بنهاية 2020 نزولا من 197 مليار دولار في 2014. وأعلن تكتل لرجال الأعمال بالبلاد منذ أيام أنه تم فقدان نصف مليون وظيفة إثر تحقيقات فساد باشرها القضاء مع مسؤولين ورجال أعمال محسوبين على نظام الرئيس الأسبق بوتفليقة. ويغذي الفساد المستشري في مفاصل الدولة الأزمة الاقتصادية ويطالب الجزائريون الحكومة باسترجاع الأموال التي نهبت في حقبة بوتفليقة في الداخل والخارج، وإعادة ضخها في الاقتصاد. الحكومة أقرت في موازنة العام المقبل تعويما جديدا للعملة المحلية ليصبح سعر صرف الدولار عند 123 دينارا، مقارنة مع 118 دينارا سابقا ويقول مراقبون إنه لو يتم استرجاع مبلغ 300 مليار دولار من الأموال المنهوبة طيلة عقدين من الزمن خلال حكم بوتفليقة وضخها في الاقتصاد سيتعافى الدينار. كما يطالب المواطنون بالحجز على الأموال المتواجدة في البلاد ومباشرة إجراءات مع دول أجنبية تتواجد بها أموال رموز نظام بوتفليقة لاسترجاعها. وتؤجج الاحتجاجات المتواصلة في البلاد حالة الاحتقان الاجتماعي وتزيد في سخط المواطنين على الطبقة السياسية، التي تسببت في ضرب قدرتهم الشرائية. ويطالب الجزائريون برحيل كافة الرموز القديمة وتغيير النظام السياسي في ظل تجاذبات بشأن ما ستفرزه الانتخابات المقبلة. وستكون الحكومة المقبلة أمام بركان الأزمة الاقتصادية وفي مواجهة سيل من المشكلات المزمنة وتركة ثقيلة من السياسات الفاشلة التي خلفها نظام بوتفليقة. وتتوقع السلطات ارتفاع إيرادات صادرات الطاقة العام المقبل بنحو اثنين بالمئة على أساس سنوي، لتصل إلى 35.2 مليار دولار، بفضل ارتفاع مستوى الصادرات. لكن مراقبين يشككون في قدرة المسؤولين على تحقيق ذلك الهدف مع استمرار الضبابية السياسية وكذلك في حال لم تتم الاستجابة لكل مطالب الحراك الشعبي.
مشاركة :