إلى أين تقودنا لوحة المفاتيح؟ - فاضل العماني

  • 5/17/2015
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

قبل عاماً، حينما بدأت بكتابة المقال بشكل احترافي ومهني، بعد سنوات طويلة من العمل الصحفي التحريري والميداني، في أكثر من صحيفة ومؤسسة إعلامية وطنية وعربية، وضعت أمامي هذه الأسئلة الصعبة والمعقدة: هل أكتب ما يُريده القرّاء أم ما ينفعهم؟ ما الذي سأضيفه للمجتمع عبر آرائي وأفكاري وقناعاتي؟ ما الذي سيدفع القارئ لأن يخصص جزءاً من وقته الثمين لقراءة مقالاتي؟ هل أكتب عن طموحات وأحلام وتطلعات المواطن البسيط الذي يعقد الكثير من الآمال والتطلعات على الصحافة كقوة تأثير وتغيير وإصلاح أم أختط لنفسي أسلوباً استباقياً ومنهجاً استشرافياً بعيداً عن ممارسة الكتابة كصدى أو ردة فعل؟ هل أنا بحاجة ماسة لعقد "شراكة أخلاقية" مع المسؤولين وصنّاع القرار للاهتمام بما أكتب؟ كيف سأعبر بسلام وذكاء وبأقل الخسائر الممكنة من مقص الرقيب الذي يحمل الكثير من الأوجه والأشكال والمستويات؟ ما هو حجم التضحيات والتنازلات التي لابد من تقديمها كقرابين على مذبح صاحبة الجلالة؟ هل أكتب بشكل مكثف ومتخصص ومحدد أم أبحر في كل الفضاءات والمجالات والقطاعات؟ تلك الأسئلة الصعبة وغيرها، كانت ومازالت تتراقص أمام أوراقي البيضاء التي تنتظر معانقة الحروف والأفكار والرؤى والانتقادات والمناكفات، بل والحماقات والمستحيلات في أحيان كثيرة، لتكون محرضة لكتابة مقالات أصافح بها عقل وقلب ومزاج القارئ الذي لا يمكن التنبؤ بما يُرِيد أو يطمح، خاصة حينما يكون سقف الآمال والأمنيات والأحلام التي يحملها يلامس عنان السماء. ويقع الكاتب في وهم كبير، حينما يظن بأن التجربة الطويلة في ممارسة الكتابة ستؤهله للظفر بملكة الإبداع والتميز والإلهام. فالكتابة، عمل مضن ومهنة متعبة، خاصة حينما تُمارس بمسؤولية وصدق وشفافية، وحينما تبحث عن تلك الأسئلة المعلقة برسم الإجابة، وحينما تُحاول الاقتراب من حافة السقوط والدهشة والذهول، وحينما تعمل بقوة على تضخيم "لا" وتقزيم "نعم". الكتابة، اشتغال حقيقي ودؤوب وملح، وتماه شديد بين النجاحات والخيبات، وصعود عال لمكامن الألم والوجع والحسرة، وتحديد مستمر لبوصلة النجاة والخلاص والخلود. تلك هي معضلة الكتابة التي قال عنها ذات مساء دمشقي، الكاتب والشاعر السوري عادل محمود: "الكتابة أصعب مهنة في التاريخ، باستثناء صيد التماسيح". ولكن مشكلة الكتابة الآن، تمر بمرحلة غاية في الخطورة والتعقيد، وهي الكتابة في العصر الرقمي، هذا الفضاء الواسع والسماء المفتوحة على كل الاتجاهات والمسارات. الكتابة في عصر الإنترنت، قضية محورية كسرت كل أعراف وأشكال وأساليب الكتابة التقليدية التي امتدت واستمرت لقرون طويلة، وهيمنت على سياقات ومتبنيات وآليات الكتابة منذ بدايات التدوين الأولى وحتى مشارف الألفية الثالثة التي دشنت العصر الإلكتروني الذي طوى مرحلة طويلة جداً من الكتابة التقليدية. وللكتابة على "اللوح الرقمي"، الكثير من النجاحات والمكتسبات، تماماً كما لها الكثير من السلبيات والعيوب، وتلك هي طبيعة الأشياء. الإشاعات والاتهامات والتطاولات والبذاءات والمشاحنات والاصطفافات والتخوينات والكثير الكثير من مفردات الكراهية التي يغص بها قاموس الكتابة الرقمية، والتي أصبحت تُمثل أغلب الصورة الواقعية لهذا العالم الافتراضي الذي يسيطر تقريباً على كل مفاصل وتفاصيل حياتنا. الكتابة الرقمية، بكل أدواتها وآلياتها وأساليبها وتقنياتها، كتويتر والفيس بوك والواتس آب وغيرها، أصبحت تُشكل ذائقتنا وتُصيغ فكرنا وتصنع مزاجنا، ليقفز هذا السؤال المعقد هنا: إلى أين تقودنا لوحة المفاتيح الرقمية؟

مشاركة :