الآن وقد ترجل عن صهوة جواده الذي أنهكه الركض لعقود بين محافل الدبلوماسية حول العالم، فلا تثريب علينا إن مدحناه، بل إن من الواجب على كل مواطن صالح يحب الخير لهذا الوطن أو يقف وقفة خاصة، سواء مع النفس، أو على رؤوس الأشهاد، أمام هذه الهامة العالية، جبل الوطن العريق الشاهق علماً ودهاء وفطنة وكياسة وحضور بديهة وكاريزما جمعت حوله كبار ساسة العالم في معتركات دبلوماسية حامية الوطيس، اجتازها الفارس القدير بحكم الكبار ودراية المحنكين وفطنة أهل البصيرة، إنه سعود الفيصل فارس الوطن الأمكن الذي اجتاز كل مضمار بمهارة عز نظيرها، وعبر كل ميدان بقوة وثبات، وقدم على مدار أربعة عقود من الجهد والتعب والبذل والعطاء، كُللت بالنجاح والتوفيق والسداد، ما جعل له اليوم رصيداً كبيراً في قلب الوطن، للمحب الكبير الذي أفنى عمره -حقاً وفعلاً وليس حديث بلاغة أو إنشاء- في تحقيق مصالح بلاده، وتعزيز مكانتها وترسيخ قدمها في كل محفل دبلوماسي. إن جميع أبناء الوطن يحتفظون بمشاعر تقدير خاص لسمو الأمير الفذ، ويرون فيه واجهة دبلوماسية قل أن تتكرر، وفلتة من فلتات الدبلوماسية العالمية، وليست العربية وحسب، وإذ أقول قولي هذا، أجدها فرصة سانحة لشهادة في حق هذا الفارس الكبير من أحد أكابر زعماء العالم وكبار ساسته المستشار الألماني الأسبق قيرهارد شرودر إبان زيارة قام بها للمملكة زمن احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة، وكان الرجل صديقاً محباً للمملكة، ومن مآثره أنه رفض زيارة إسرائيل طوال فترة حكمه لألمانيا، على الرغم من الضغوط الإسرائيلية والأميركية عليه، وكان من مآثره أيضاً رفضه دخول ألمانيا في الحرب على العراق. كنت الوزير المرافق للمستشار الألماني في أثناء تلك الزيارة، بحكم إجادتي اللغة الألمانية، وكان مدرجاً ضمن برنامجه مقابلة الأمير سعود الفيصل، وفي أثناء المقابلة تطرق الحديث إلى الوضع في الشرق الأوسط عامة، وعلى وجه الخصوص الأوضاع في العراق وفلسطين. وأخذ الأمير سعود الفيصل يتحدث عن الوضع والمستشار يصغي إليه باهتمام وتركيز وتأمل لسمو الأمير وهو يتناول القضية من عدد من الزوايا المفصلية على وجه يكشف إلماماً عميقاً، وقدرة على عرض القضية الفلسطينية على نحو يفند ادعاءات دولة الاحتلال ومزاعمها ويقطع الطريق على مغالطاتها وتدليسها. انتهى الاجتماع ورافقت المستشار الألماني خارجين، فإذ به يكسر لحظة صمت وتأمل قصيرة اعترته، بقوله: "دخلت عالم السياسة منذ نعومة أظفاري، لكنني عندما أستمع إلى الأمير سعود أشعر بأنني ما زلت أتعلَّم السياسة.. أنتم محظوظون أن عندكم وزير خارجية على هذه الدراية والحنكة". كانت هذه زبدة حديث المستشار الألماني في حق سمو الأمير، وليس كل ما قاله في حقه، وكنت أنصت إلى حديث ضيف المملكة الكبير عن قامتنا الدبلوماسية العالية، ويعتريني شعور امتنان كبير لهذا الرجل الذي شرف بلادنا أيما تشريف. إنني لأتمنى على سمو الأمير سعود الفيصل ألا يحرم شعب بلاده والعالم تدوين مذكرات سموه التي ما من شك في أنها ستكون أحد أهم المراجع الدبلوماسية والسياسية التي تدرس في الجامعات المحلية والدولية عن تجربته على مدار أربعين عاماً استثنائية شهدت خلالها المنطقة والعالم كثيراً من المنعطفات والتحولات والصراعات والمعارك العسكرية وأيضاً الدبلوماسية، وكان سموه في قلب هذا كله، وأحد أبرز الشخصيات المؤثرة فيه، حتى استحق عن جدارة لقب عميد دبلوماسيي العالم. إن أجيال الوطن من حقها أن تطلع على هذه التجربة الدبلوماسية الكبيرة المهمة المؤثرة التي ما من شك في أن تدوينها، ثم تحليلها لاحقاً من قبل أساتذة السياسية والعلاقات الدولية في جامعات المملكة والعالم، سيكون فتحاً كبيراً في هذا العلم المهم من العلوم السياسية، فكثير من معارك العالم اليوم دبلوماسية، تدار في مباني الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرها من ميادين الدبلوماسية التي حُسمت فيها قضايا كبرى في السنوات الأخيرة، وكان أحد أكبر فرسانها المغاوير الذي خاض جميع معارك بلادنا المظفرة فيها، سمو الأمير سعود الفيصل، متعه الله بالصحة والعافية، ومتع أجيالنا بسيرته الثرية.
مشاركة :