الشعب يريد إسقاط أوباما!

  • 5/17/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بعد قرار قادة خليجيين عدم المشاركة شخصياً في قمة كامب ديفيد، صار واضحاً عدم خروج القمة بما يرضي الطرفين، فأوباما لن يحصل منها سوى على كلام خليجي يؤكد الرغبة الإقليمية في عدم رؤية إيران نووية، ولن يحصل الطرف الخليجي سوى على كلام أميركي قديم عن الحلول السياسية «الوردية وغير المنظورة» لملفات مثل سورية واليمن والعراق. وإذا كانت بداية انطلاقة «عاصفة الحزم» قد أوحت بعودة التفاهم الأميركي - الخليجي، فتجميدها بوساطة أميركية يعني أن إدارة أوباما حصلت على ما تريده منها حتى الآن، ولم تعد العملية نافعة للضغط في مفاوضاتها النووية مع إيران. في أحسن حالاته، كان موقف الإدارة ينصّ ضمنياً على المقايضة بين اليمن وسورية، حيث يُسمح لدول الخليج بالتخلّص من التهديد الإيراني المباشر في اليمن لصالح الاعتراف بالنفوذ الإيراني في سورية ولبنان والعراق، ولا بأس أحياناً ببعض الضغط في سورية فقط، لحثّ إيران على المساهمة في حلّ تجميلي غير ملحّ الآن. لقد كان التقدّم الميداني للقوى المناهضة للأسد من أهم منجزات «عاصفة الحزم»، حتى قيل إنها تحدث في اليمن بينما تنجز أهدافها في سورية، وهذا جانب لا تتمناه الإدارة «للخصم» الإيراني. ولعلّ أخطر افتراق خليجي - أميركي يتمثل بالضغط من أجل «تبريد» عاصفة الحزم، إذ لا يُخفى أن نجاحها الأول على جبهتي اليمن وسورية أربك القيادة الإيرانية، وهدد جدياً بإيقاف أحلامها الإمبراطورية، وارتفع سقف التوقعات بأن تطاول العاصفة «الجوية» سورية لاحقاً. نهج الإدارة الأميركية، كما يتّضح في الملف السوري، معاكس تماماً للتوقعات السابقة، وعطفاً على سلبيّتها إزاء التمدد الإيراني والشعور بالحرج إزاء الحليف الخليجي، ليس مستبعداً أن تعمل على جعل الملف اليمني يلتحق بنظيره السوري، بمعنى جعل اليمن ساحة استنزاف للقوى المحلية وداعميها الإقليميين. ربما سيكون من التسرّع فهم الاتفاق النووي على أنه يضمر رضى أميركياً بزعامة إيرانية في المنطقة، تكتيكات أوباما ليست جريئة إلى هذا الحد. من جهة أخرى، لا يضير إدارته أن تنفق إيران أرصدتها المجمدة، مع رفع العقوبات، على نشاطات عدائية خارج الحدود، طالما ستبقى محكومة بعدم الانتصار. لقد رأى أوباما من قبل في الحرب السورية، محرقة لإيران وروسيا والمتطرّفين، ما يستدعي عدم تدخل إدارته، حتى فورته ضد «داعش» سرعان ما همدت، وتحوّل التنظيم إلى جزء من العدة الدبلوماسية لإدارة الصراع في المنطقة. ولن يضير إدارة أوباما في شيء تقديم أسلحة دفاعية متطوّرة لدول الخليج، في الوقت الذي لم يعترض فيه وزير الخارجية جون كيري على صفقة صواريخ روسية متطوّرة لإيران، فسباق التسلّح واستمرار النزاعات في المنطقة شأن ثانوي ضمن استراتيجيتها للتوجّه إلى الشرق الأقصى. ومع أن العامل الإسرائيلي لم يعد المحرّك الرئيسي للسياسة الأميركية، كما يروّج كثر في المنطقة، إلا أن هذه السياسة لا تزعج إسرائيل التي افتقرت أيضاً في السنوات الأخيرة، إلى قادة كبار وسياسات طموحة، ولو كانت سياسات أوباما تشكّل خطراً على أمن إسرائيل، لتحرّك اللوبي اليهودي بقوة. بل بوسع إدارة أوباما المباهاة بأنها خلّصت إسرائيل من التهديد النووي الإيراني، بعد التخلّص من ترسانة النظام السوري الكيماوية، ولن تغيب عن المشهد مشاركة «حزب الله» في الحرب على السوريين، وعدم الاعتراض الأميركي عليها، بعدّها خدمة لأمن إسرائيل. فغالب الظنّ، أن هذه ستكون العدة الديموقراطية الموجّهة للناخب اليهودي في الانتخابات الأميركية المقبلة. ضمن هذا السياق، يمكن فهم زيارة كيري الأخيرة لموسكو، فهي فجأةً أعادت بعث مبدأ الشراكة بين الطرفين، مع الأخذ بالاعتبار تحفّظات موسكو على «عاصفة الحزم» وتمسّكها حتى الآن بحلّ يُبقي على رأس النظام السوري ويكون بقيادة سورية! في جانب منها، إعادة الدفء إلى الدبلوماسية الروسية - الأميركية المشتركة، هي بمثابة تطويق للجهد الخليجي، واستباق لأي تصعيد جديد ضد نظام الأسد، بخاصة مع العودة بتفاهمات مشتركة عن الحل السياسي تُطرح لإحراج قادة الخليج في كامب ديفيد. بمعنى آخر، وقبل توجّه خليجي مرتقب لإقناع موسكو بالتخلي عن الأسد، ذهب كيري لينجز صفقة مغايرة يلوّح بها كتفاهم دولي، ويستخدمها الروس لتعزيز سياستهم السورية المعروفة. سابقاً، قيل الكثير عن رغبة الإدارة في ترتيب شؤون المنطقة وهي تتجه شرقاً، والبعض رأى «ولا يزال» في موافقتها على التمدد الإيراني، دليلاً على تحالف جديد ينشأ مع الاتفاق النووي. لكن الأقرب إلى الوقائع حتى الآن، هو عدم اكتراثها باستمرار حالة الصراع في المنطقة، وحتى تفضيلها على باقي الخيارات ما دامت تستقطب المزيد من المتطرفين، وفي طليعتهم أولئك القادمون من الغرب نفسه. الاختلاف الكبير بين الإدارة ودول الخليج حالياً، يتمحور حول هذه النقطة تحديداً، فدول الخليج ميالة تقليدياً إلى استقرار المنطقة، وطالما دفعت من رصيدها السياسي ثمناً له، ومهما كانت النتائج لا تحبذ صراعاً طويل الأمد، على العكس من التيار الإيراني المتشدد الذي يحتاج الصراع لاعتباراته الداخلية. محكّ النجاح في قمة كامب ديفيد وما يتلوها هو الملف السوري، لأن حسمه سيؤذن بحسم العديد من الملفات الإقليمية الأخرى العالقة، ومن دون التوافق على تنحية رأس النظام لن يكون هناك حسم. الدلائل كافة تشير إلى عدم رغبة الإدارة في وضع ثقلها السياسي لدعم هذا الحل، والأقل كلفة تركُ الصراع مفتوحاً فيما تبقى من عمرها، وهو احتمال يريحها ولا يزعج الخصوم الجمهوريين، سواء كانوا من أنصار «الفوضى الخلاقة» أو من الذين يتربصون لاستغلال أخطائها انتخابياً. بخلاف ما يردده المسؤولون الأميركيون أخيراً، لم يكن مطلوباً منهم القيام بالمهمات بدلاً من الآخرين، المطلوب عدم إعاقة الآخرين عن حسم الملفات العالقة، ولعب دور إيجابي بدل تحويل سياسة «اللاعب الخلفي» كوسيلة للإبقاء على الصراع وإدارته، أو كوسيلة لتكسُّبٍ تدفع المنطقة ثمنه. ثمة طرفة سورية قديمة عن أميركي يتحدى سورياً أن بإمكانه الهتاف بإسقاط رئيسه في شوارع أميركا، فيجيبه السوري أن بإمكانه أيضاً الهتاف بإسقاط الرئيس الأميركي في شوارع دمشق. طرفة تحضر بمرارة أكبر إذا بات على شعوب المنطقة القول: الشعب يريد إسقاط أوباما. بدل: الشعب يريد إسقاط النظام.

مشاركة :