تنطلق، الاثنين وعلى مدى يومين، الجولة الثانية من مفاوضات سد النهضة الإثيوبي في القاهرة، بعد اجتماعات عقدت في أديس أبابا الشهر الماضي، شارك فيها وزراء الري والمياه لمصر والسودان وإثيوبيا، ووفدان من الولايات المتحدة والبنك الدولي. وتدخل الدول الثلاث الاجتماعات وسط بوادر إيجابية حول اقتراب الوصول إلى توافق متماسك حول النقاط الخلافية المتعلقة بتشغيل سد النهضة. وينتظر المعنيون بالقضية أن تكون هذه الجولة حاسمة في مسألة الوصول إلى اتفاق منصف بين مصر وإثيوبيا، بعد أن بشّر وزير الري والموارد المائية السوداني، ياسر عباس، باقتراب الوصول إلى حل. وأعلن عباس منفردا في مؤتمر صحافي فور انتهاء الجولة الأولى في 17 نوفمبر الماضي، عن وجود توافق بين الدول الثلاث على ملء سد النهضة في فترة زمنية تصل إلى سبع سنوات، وفق هيدرولوجية نهر النيل الأزرق. ويمثل مرور الجولة الأولى بسلاسة، وبدء الجولة الثانية، إضافة معنوية تصبّ في صالح فكرة التفاوض الفني والتفاهم السياسي المطلوب تعزيزها سريعا. وتأتي هذه الجولات تنفيذا لاتفاق نجم عن اجتماع واشنطن بين الدول الثلاث في 6 نوفمبر، ووضع خطة زمنية من أربع جولات تنتهي في 15 يناير المقبل، قبل السماح بدخول وسيط في مفاوضات سد النهضة، حال استمرار التعثر. وظهرت الجولة الأولى بشكل مختلف، وانخفضت حدة التجاذبات بين مصر وإثيوبيا، ولجأ كل طرف إلى الدراسات العلمية لتثبيت رؤيته من دون ضجيج سياسي أو إعلامي، ما يؤكد أهمية حضور الولايات المتحدة والبنك الدولي كمراقبين. وتبدو الغاية الأساسية من الاجتماعات إعادة تشكيل قنوات التفاوض وتصحيح المسارات الفنية، وبناء هيكل حقيقي لخلخلة المفاهيم الصلبة في ملف سد النهضة، والبحث عن قاعدة متينة للتفاهم تخرج الحوار بسلام، دون لجوء إلى الوساطة التي أقرّها اجتماع واشنطن. وقال الكاتب الإثيوبي في صحيفة “أديس ريبورت”، إيدن آلو، إن مفرغات المرحلة الثانية من اجتماعات سد النهضة هي الأهم، لأنها إما أن تنهي نقاط الخلاف بين مصر وإثيوبيا وتضع حجر أساس لاتفاق تاريخي بين البلدان الثلاثة، أو تعيد أزمة سد النهضة إلى خانة الصفر، ووقتها ننتظر تدخلا خارجيا مجهول العواقب. لا مصلحة لأي طرف في فشل الجولة الجديدة من المفاوضات، لأن اللجوء إلى طرف رابع يوحي بالفشل السياسي ورأى آلو، أنه لا مصلحة لأي طرف في فشل اجتماع القاهرة، لأن اللجوء إلى طرف رابع يوحي بالفشل السياسي، ويفتح الباب أمام القلاقل وانتشار الشائعات. وأضاف، أن الأمر يدعو إلى التفاؤل، فبيانات إثيوبيا ومصر أكدت أن هناك أرضا صلبة تسير عليها المفاوضات، رغم أن البلدين لم يعلنا الوصول إلى نتائج أو أوجه اتفاق بعد. وأكدت مصادر مصرية لـ”العرب”، ثقتها في تحريك المياه بعد دخول الولايات المتحدة والبنك الدولي كمراقبين يطّلعان على شكل المباحثات بين وفود الدول الثلاث. وأضافت، أن الوفد المصري يركّز على أهمية حسم التعريفات المتعلقة بالحقوق المائية التاريخية لدول المصب، لأنها جوهر الخلاف مع إثيوبيا، وعلى عدم تجاوزها أو ترحيلها لجولات تالية، وضرورة التفرقة بين لفظي “التوزيع العادل” و“التوزيع المتساوي” للمياه. وترى إثيوبيا أن مياه النيل يجب أن تقسّم بالتساوي بين جميع بلدان حوض النيل، ما يتعارض مع الرؤية التي تعتقد بأن التساوي في الحصص المائية لا يحقق العدالة في ظل وجود دول (مصر) تعتمد بالأساس على مياه النيل كمصدر وحيد للمياه، على عكس أغلب بلدان حوض النيل التي تمتع بوفرة مائية عبر الأمطار الغزيرة والبحيرات. وأوضحت المصادر ذاتها لـ“العرب”، أن الوصول إلى اتفاق حول عدالة توزيع المياه، يعني وضع حجر أساس لقواعد المفاوضات، لأنه في حالة التفاهم حول فكرة الأمن المائي والحقوق المائية سيكون من السهل تفتيت أوجه الخلاف حول قواعد تشغيل السد وفترة ملء الخزان. وقال الخبير في الشؤون الأفريقية، أيمن شبانة، إن القاهرة تريد توزيعا عادلا لمياه النيل، ومقترحها بشأن القسمة العادلة يعني وجود تقسيم يفي باحتياجات كل دول حوض النيل من المياه، ويصبح هناك توازن بين المعروض والمطلوب. ولفت لـ“العرب”، إلى أن هذا المبدأ ثابت في السياسة المائية وليس جديدا، واقترحته الحكومة المصرية عدة مرات على إثيوبيا، إلا أنها كانت تصر على مسألة التوزيع المتساوي وأن نهر النيل مجرد نهر عابر للحدود، ومن حقّها إدارته بالطريقة التي تناسب مصالحها. وتتمسك مصر بالرؤية التي تقول إنه نهر دولي تحكمه من منبعه إلى مصبّه قاعدة الملكية المشتركة، مع عدم ممانعتها لإنشاء السدود في حد ذاتها بغرض تحقيق التنمية المستدامة من دون إضرار بحقوق الآخرين، ما أكّده الخطاب الأميركي منذ انخراطه في هذا الملف. وتمثل مشاركة ممثلين عن الإدارة الأميركية والبنك الدولي، صمام أمان لتجديد الثقة بين المفاوضين، وقطع الطريق على تبادل الاتهامات بين مزاعم تقول إن مصر تخترق سيادة إثيوبيا، وبين حديث يدور حول تعنّت الأخيرة وقيامها بالمماطلة في المفاوضات. وأشار الباحث السياسي السوداني والأستاذ بالجامعة الأميركية بالقاهرة، حامد التيجاني، إلى أن العمل على تدويل أزمة سد النهضة ليس انتصارا لأحد، لكنه يحمل تفاؤلا للجميع، فإثيوبيا تريد إثبات حسن النوايا أمام العالم، وهو ما يتحقق من خلال المتابعة عن كثب للاجتماعات
مشاركة :