ذكرى النكبة.. شعب فلسطين متجذِّر في أرضه

  • 5/18/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مرت قبل أيام الذكرى السابعة والستون للنكبة الفلسطينية. ومن المكر السيئ للتاريخ أن تجتمع ذكرى النكبة مع الرقم 67 الذي يحيل إلى هزيمة حزيران قبل 48 عاماً! وهي الهزيمة التي استولى فيها الصهاينة على ما تبقى من فلسطين باحتلال الضفة الغربية (التي كانت في عهدة الأردن) وقطاع غزة (الذي كان في عهدة مصر). تحل هذه الذكرى الفاجعة فيما ينقسم الفلسطينيون على بعضهم بعضاً، وقد أصبحت هناك في غزة سلطة لحماس تنافس السلطة ( المركزية) في رام الله. وقد طغى الحفاظ على السلطتين على موجبات مناهضة الاحتلال، واصبح مبدأ الوحدة الوطنية والجبهة الوطنية المتحدة ضد الاحتلال مجرد شعارات وذكريات غابرة. أما الإطار القومي الكبير فينهمك أبناؤه في الحروب ما بينهم كما في العراق وليبيا واليمن وسوريا، فيما ترتفع الحواجز والحدود بين العربي والعربي تحت مسميات وتعلات شتى. وفي خضم هذه الصورة القاتمة، فإن أبناء فلسطين الذين صمدوا على أرضهم منذ العام 1948 هم من أكثر فئات الشعب الفلسطيني تمسكاً بهويتهم وحقوقهم رغم اكتسابهم جنسية عدوهم بحكم الأمر الواقع. ولم تنجح كل وسائل التضييق عليهم في التنكر لهويتهم الوطنية والقومية، وقد أثبتوا نضجاً سياسياً ووطنياً في تشكيلهم قائمة عربية موحدة نجحت نجاحاً باهراً وهي تتبنى سياسات علنية مثل مكافحة المشروع الصهيوني. صمود كهذا لنحو مليون وربع المليون عربي فلسطيني على أرضهم في حيفا وعكا ويافا وبيسان والجليل، ينعش الأمل الكبير ليس فقط ببقاء القضية حية بل بأن تتقدم الى الأمام وإظهار المشروع الصهيوني على حقيقته كمشروع استيطاني عنصري قام بالتحالف بين إرهاب العصابات الصهونية وبين الانتداب الاستعماري البريطاني على حساب أبناء الأرض. رئيس الكيان الصهيوني رؤوفين ريفلين يتشدق بأن دولته الباغية نشأت من رحم الأمل، وأنه كلما رأى علم دولتهم فإن الدموع تترقرق في عينيه. التدليس وقلب الحقائق والتلاعب بالألفاظ والعقول هو الصناعة الصهيونية الأقدم. فكيانهم نشأ من رحم الإرهاب والمجازر بحق المدنيين واقتلاع أبناء الأرض وتهجيرهم وتدمير العشرات من قراهم. الضحية هو من تترقرق الدموع في عينيه حين يلوح أمام ناظريه العلم الصهيوني الأزرق، علم الغزو والاستيطان. ورغم ما نجح العدو الصهيوني به من اختراق للعالم العربي ومن بعض حالات التطبيع الرسمي معه، فإن الرفض الشعبي الكاسح لهذا الكيان بما في ذلك في الدول التي أبرمت معه معاهدة سلام مثل مصر والأردن ظل صامداً، وثابتاً ومن يلجأ إلى التطبيع مستغلًا الغطاء القانوني المتاح، فإنه يفعل ذلك تحت ستار من السرية والكتمان والتوجس الشديد من السخط الشعبي. إن رفض الكيان الصهيوني العنصري والعدواني والتوسعي بات يرتقي الى مكون أصيل من مكونات الشخصية العربية ويتحول إلى تقليد ثابت من تقاليد الحياة العربية في المشرق والمغرب العربي. ومؤخراً حاول شيمون بييريز المشاركة في مؤتمر دولي يعقد على الأرض المغربية، وكان أن استجابت السلطات لدواعي الرفض الشعبي لهذه الزيارة وألغي حضور هذا الشخص ذي السجل الإجرامي. والمشكلة الناشئة الآن هي انهماك مكونات المجتمعات العربية في نزاعات دامية ما بينها، مرفوقة بتدخلات إقليمية فظة، ومن بعض أشكال التبعية مع مراكز دولية، مع ضعف الأداء الفلسطيني، الأمر الذي أدى الى تراجع قضية فلسطين مع غرق الشعوب العربية في مشكلاتها الداخلية الحادة، أو استغراقها في حُمّى الاستهلاك، أو التدافع للهجرة الى أية ديار تحت الشمس تستقبل مهاجرين. هذا يلقي على كاهل أصحاب الشأن من الفلسطينيين مسؤولية الاعتماد على الذات، والمضي في معركة معنوية وقانونية وسياسية مفتوحة ودائمة مع الاحتلال، ابتداء من النضال المدني المنظم والمثابر، إلى العمل على الجبهة الحقوقية والثقافية والإعلامية والأكاديمية، وليس انتهاء بمنازلة العدو في المحاكم الدولية، والإقلاع خلال ذلك عن التشكي من التخلي العربي عن القضية، فالعديد من الشعوب العربية باتت تنوء (بعدما انفرط عقد دولها ومجتمعاتها) بمشكلات وجودية ضخمة لا تقل جسامة عن مشكلات الفلسطينيين المقتلعين من وطنهم. في ذكرى النكبة وفي مناسبات وطنية تاريخية مثل هذه، ومع الاعتراف الواجب بالصعوبات والإخفاقات، فإنه من الأهمية بمكان استذكار الإنجازات ومواطن القوة واستلهام النقاط المضيئة، وتكريم رموز النضال الوطني أصحاب القسط الأوفر بتحويل القضية من مسألة لاجئين، الى قضية شعب معترف به في سائر الهيئات الدولية، وبالحد الأدنى من حقوقه الوطنية والأساسية، ومقارعة العدو الذي يحتفل بشكل متزامن بما يسمى استقلال إسرائيل فالصهاينة خاضوا حرباً ضد شعب على أرضه، ولم يخوضوا أي حرب ضد طرف مستعمر، ومن أعلى درجات التزوير تصوير استيلاء مستوطنين وافدين من وراء البحار على أرض الغير، على أنها حرب استقلال وسوى ذلك من مسميات خرقاء تجافي الواقع والوقائع. ومن حسن التدبير أن جموع الفلسطينيين على أرضهم الانتدابية التاريخية المعروفة بفلسطين 1948 هم من ينظّمون أكبر الاحتفالات وأكثرها تنظيماً في ذكرى النكبة، ويتصدّون للصهاينة وجهاً لوجه، ويعيدون توصيف مناسبة استقلال الصهاينة على أنها احتفال بجريمة سياسية كبرى لن تسقط تبعاتها بالتقادم. mdrimawi@yahoo.com

مشاركة :