سلطان القاسمي الرجل المؤسسة والمؤرخ الملتزم

  • 5/18/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ما بين المؤرخ والمبدع تراوح خطى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي‮ ‬عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة،‮ ‬ولذا كان طبيعياً‮ ‬أن‮ ‬يحتفي‮ ‬به الكتاب والمؤرخون،‮ ‬فقد أهدى إليه‮ ‬اتحاد المؤرخين العرب‮‬،‮ ‬الذي‮ ‬افتتح مبناه الجديد الأسبوع الماضي،‮ ‬الكتاب التذكاري‮ ‬بحوث ودراسات تاريخية‮ ‬تقديرا وتكريما لسموه،‮ ‬وتتصدره ترجمة ذاتية تؤكد ما‮ ‬يعرف عنه من تعلقه بالعلم والبحث العلمي‮ ‬والعلماء،‮ ‬وتشجيعه وإشرافه على الأمور التعليمية في‮ ‬الشارقة،‮ ‬فقد تربى على حب العلم والمعرفة،‮ ‬وكان ولا‮ ‬يزال شغوفاً‮ ‬بتاريخ وطنه،‮ ‬وراعياً‮ ‬للأدب والثقافة والفن،‮ ‬وينعكس ذلك على إمارة الشارقة التي‮ ‬تزدهر بالمحافل والمراكز الثقافية،‮ ‬وتشارك في‮ ‬كل ما‮ ‬يخدم هذه المجالات الحيوية في‮ ‬بناء الحضارة الإسلامية‮.‬ يشير الكتاب إلى أن إمارة الشارقة هي‮ ‬الإمارة الوحيدة التي‮ ‬لها حدود مع جميع إمارات الدولة،‮ ‬ولطالما كانت مسرحا للأحداث السياسية المهمة،‮ ‬لكنها تنعم بالاستقرار والرفاهية في‮ ‬ظل هذا الحاكم العادل،‮ ‬فنحن بإزاء شخصية ذات اهتمامات شاملة وثقافة موسوعية،‮ ‬استطاع صاحبها أن‮ ‬يجمع بين التخصص العلمي‮ ‬في‮ ‬أكثر من مجال وبين العمق المعرفي‮ ‬كقارئ محترف،‮ ‬يعرف قيمة الكلمة منطوقة ومقروءة‮.‬ لم‮ ‬يقتصر اهتمام صاحب السمو حاكم الشارقة على التأليف الأدبي‮ ‬والعلمي،‮ ‬وإنما انطلق إلى مجال التطبيق،‮ ‬فكانت بصماته واضحة واهتمامه الفعلي‮ ‬بمؤسسات علمية واجتماعية في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬والعالم،‮ ‬وهذا ضمن اهتمامه الأصيل بالحضارة الإنسانية وبالثقافة اللذين هما محور الوجود الإنساني،‮ ‬وبهما‮ ‬يتحدد المعيار الذي‮ ‬تتمايز به المجتمعات البشرية،‮ ‬ويعرف كل من اقترب من صاحب السمو حاكم الشارقة أو تابع أحاديثه وتصريحاته،‮ ‬مدى وفائه لكل مكان تلقى فيه تعليمه ومعارفه،‮ ‬خصوصا مصر التي‮ ‬عاش فيها مدة مزدهرة من شبابه،‮ ‬وخالط أهلها من كل المستويات،‮ ‬حتى عمق أعماق الأحياء الشعبية،‮ ‬ومن ضمن إسهاماته في‮ ‬ما‮ ‬يتعلق بتخصصه العلمي،‮ ‬وهو التاريخ،‮ ‬فقد تبرع بشراء أرض وبناء مبنى‮ ‬يليق بالجمعية المصرية التاريخية،‮ ‬على أحدث الطرز والتجهيزات،‮ ‬وقد اختارته الجمعية العمومية للجمعية عام‮ ‬2001‮ ‬رئيسا فخريا لها،‮ ‬كما أنه دعم المجمع العلمي‮ ‬المصري‮ ‬بكتب ومخطوطات نادرة بعد الحريق الذي‮ ‬شب فيه‮.‬ في‮ ‬هذا‮ ‬يقول الدكتور حسنين محمد ربيع‮ - ‬رئيس اتحاد المؤرخين العرب‮ - ‬لعل من أصوليات التاريخ ذوات الاعتبار أن‮ ‬يوسد الأمر إلى أهله،‮ ‬وأن توضع الأمور في‮ ‬نصابها،‮ ‬وأن‮ ‬يعرف الفضل لأصحابه وذويه،‮ ‬وعلى ضوء هذه الكلمات المنيرة‮ ‬يهدي‮ ‬اتحاد المؤرخين العرب كتابه التذكاري‮ ‬إلى واحد من أعلام المؤرخين وهو صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي،‮ ‬فقد وعد سموه بإنشاء مبنى لاتحاد المؤرخين العرب،‮ ‬وقد وعد فأوفى،‮ ‬وها هو الصرح الشامخ،‮ ‬لهذا البناء العتيد،‮ ‬الذي‮ ‬يبهج النفوس ويأخذ بالألباب،‮ ‬وإذا كان هذا الصرح قد تكلف الملايين فإن أرضه وفرشه وأثاثه قد تكلفت مثلها،‮ ‬وربما‮ ‬يتوارى الدعم المادي‮ ‬للأرض والمعمار،‮ ‬إلى جانب دعم سموه المعنوي‮ ‬فائق القدر والمقدار‮.‬ كان المؤرخ الراحل رءوف عباس‮ ‬يصف سموه بالمؤرخ العربي‮ ‬الملتزم وراعي‮ ‬الثقافة العربية،‮ ‬والمواطن العربي‮ ‬الذي‮ ‬تتجسد فيه سمات العربي‮ ‬الأصيل‮‬،‮ ‬وفي‮ ‬مقال نشرته‮ ‬الخليج ‬للمؤرخ الراحل‮ ‬يقول‮: ‬عرفت صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي‮ ‬مؤرخاً‮ ‬قبل أن التقى به إنساناً‮ ‬وراعياً‮ ‬للثقافة العربية،‮ ‬وملتزماً‮ ‬بقضايا أمته،‮ ‬مشغولاً‮ ‬بهمومها،‮ ‬معنياً‮ ‬بمستقبلها،‮ ‬وعرفته مؤرخاً‮ ‬مرموقاً‮ ‬صاحب مشروع علمي‮ ‬متكامل،‮ ‬منذ كانت رسالته المبهرة التي‮ ‬نال بها درجة الدكتوراه في‮ ‬التاريخ،‮ ‬ودحض بها افتراءات مؤرخي‮ ‬الغرب عن الجهاد العربي‮ ‬ضد التغلغل الأجنبي‮ ‬في‮ ‬الخليج،‮ ‬في‮ ‬بواكير القرن التاسع عشر،‮ ‬التي‮ ‬رمت إلى إهالة التراب على ذلك التاريخ المشرف للمقاومة العربية،‮ ‬والإنقاص من قدر أصحابها‮.‬ يقول الدكتور رءوف عباس‮: ‬قرأت الكتاب بالإنجليزية الذي‮ ‬اختار له عنوانا‮ ‬يعبر عن تحدي‮ ‬ذلك الافتراء على المقاومة العربية وهو‮ ‬أسطورة القرصنة العربية‮‬،‮ ‬وراح هذا المؤرخ العربي‮ ‬الجليل‮ ‬يستكمل مشروعه العلمي‮ ‬الممتد لإعادة كتابة تاريخ الخليج العربي،‮ ‬يغوص في‮ ‬الوثائق البرتغالية والإنجليزية والعربية والفارسية ليؤكد في‮ ‬سلسلة قيمة من البحوث الرصينة،‮ ‬عروبة الخليج،‮ ‬ويضعه في‮ ‬موضعه الصحيح من تاريخ الوطن العربي‮ ‬الحديث،‮ ‬ويلقي‮ ‬الضوء على مكانته في‮ ‬تاريخ الجزيرة العربية،‮ ‬ويقدم القول الفصل في‮ ‬تبرئة الملاح العربي‮ ‬ابن ماجد من فرية تورطه في‮ ‬تمكين البرتغاليين من التغلغل في‮ ‬البحار العربية‮.‬ يذكر عباس أن المشروع العلمي‮ ‬لصاحب السمو حاكم الشارقة لا‮ ‬يزال‮ ‬يمتد ليخدم التاريخ القومي‮ ‬لأمته ووطنه بأستاذية واقتدار،‮ ‬وأصبحت مؤلفاته مراجع بالغة القيمة لا‮ ‬غنى عنها لمن‮ ‬يطلب المعرفة الحقة بتاريخ الخليج العربي‮ ‬والأمة العربية‮.‬ يقول‮:‬عرفت سموه راعيا للثقافة العربية،‮ ‬تمتد رعايته إلى المؤسسات العلمية والثقافية على امتداد الوطن العربي‮ ‬من مشرقه إلى مغربه،‮ ‬وإن نسيت فلن أنسى وقفته الكريمة إلى جانب الجمعية المصرية للدراسات التاريخية التي‮ ‬كانت مهددة بالضياع وفقد مقرها المتواضع وسط القاهرة،‮ ‬فامتدت‮ ‬يد الشيخ الدكتور سلطان إليها لتقيلها من عثرتها،‮ ‬وتنشئها نشأة جديدة،‮ ‬فشيد لها مقراً‮ ‬في‮ ‬مدينة نصر في‮ ‬القاهرة من ماله الخاص،‮ ‬وجهزه بكل ما‮ ‬ييسر لهذه الجمعية العريقة أداء رسالتها في‮ ‬خدمة تاريخ الأمة العربية ودعمها بعطائه وكرمه‮.‬ وعرفت المواطن العربي‮ ‬سلطان القاسمي‮ - ‬الكلام للدكتور رؤوف عباس‮ - ‬يجيش صدره بهموم أمته في‮ ‬لقائه مع أعضاء الجمعية المصرية للدراسات التاريخية في‮ ‬حفل افتتاح المقر الجديد الذي‮ ‬تفضل بإهدائه إليها،‮ ‬وفي‮ ‬محاضرته في‮ ‬معرض الكتاب في‮ ‬القاهرة،‮ ‬وفي‮ ‬لقاء خاص جمعني‮ ‬وزميلين من أعضاء مجلس إدارة الجمعية في‮ ‬ديوانه العامر في‮ ‬الشارقة،‮ ‬فكان حديثه معنا معبراً‮ ‬عن شجون وتطلعات المواطن العربي‮ ‬الذي‮ ‬تشغله هموم أمته،‮ ‬التي‮ ‬ينشد لها مستقبلاً‮ ‬أفضل،‮ ‬ويتطلع إلى أن تحتل مكانها اللائق بها بين الأمم‮.‬ وأصدرت‮ ‬الجمعية المصرية التاريخية‮ ‬كتاباً‮ ‬تذكارياً‮ ‬بعنوان‮ ‬سلطان بن محمد القاسمي‮.. ‬أمير من هذا الزمان‮ ‬تعرض لمؤلفات صاحب السمو التي‮ ‬تزيد على‮ ‬21‮ ‬كتاباً‮ ‬تاريخياً‮ ‬إضافة إلى أعماله الإبداعية،‮ ‬ويتصدر الكتاب ما كتبه رئيس الجمعية د‮. ‬عادل‮ ‬غنيم الذي‮ ‬يصف سموه بالرجل المؤسسة‮‬،‮ ‬حيث‮ ‬يؤكد أن شخصه‮ ‬يتمثل فيه نموذج المؤسسة التي‮ ‬ترعى العلوم والآداب والفنون،‮ ‬فمن إنشائه لجامعة الشارقة والعديد من المتاحف والمعاهد العلمية،‮ ‬إلى إنشائه مكتبة كلية الزراعة في‮ ‬جامعة القاهرة،‮ ‬إلى دعمه الكبير لصندوق رعاية وعلاج الأدباء المصريين إلى إنشائه مبنى خاصاً‮ ‬لاتحاد المؤرخين العرب،‮ ‬وكذلك مبنى دار الوثائق المصرية في‮ ‬منطقة الفسطاط،‮ ‬إلى‮ ‬غير ذلك من المشروعات التي‮ ‬تخفى علينا تفاصيلها،‮ ‬على حد تعبير د‮. ‬عادل‮ ‬غنيم‮.‬ يشير د‮. ‬غنيم إلى أن‮ ‬الرجل المؤسسة‮ ‬نموذج للعمل المثمر في‮ ‬صمت،‮ ‬ورعاية الآداب والعلوم دون ضوضاء،‮ ‬فهو لا‮ ‬يبتغي‮ ‬بأعماله البارزة سوى وجه الله،‮ ‬والنهوض بالمؤسسات الثقافية في‮ ‬وطنه العربي،‮ ‬وقد تفرد عن‮ ‬غيره من أمراء زمانه وغير زمانه،‮ ‬بكونه مؤرخاً‮ ‬وأديباً،‮ ‬يصدر في‮ ‬ما‮ ‬يكتب عن أشواق عصره وطموحات أمته‮.‬ ويكشف د‮. ‬أحمد الشربيني‮ ‬أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في‮ ‬جامعة القاهرة عن دوافع اتجاه سموه إلى التاريخ،‮ ‬برغم دراسته العلوم الزراعية،‮ ‬ومنها أن اتجاه صاحب السمو لدراسة التاريخ لم‮ ‬يكن بدافع الاشتغال به،‮ ‬بقدر ما كان اكتساب مهارات الكتابة التاريخية،‮ ‬وتوظيف التاريخ من أجل دراسة بعض الموضوعات والقضايا المهمة في‮ ‬تاريخ العرب والمسلمين،‮ ‬في‮ ‬مرحلة الاستهداف الغربي‮ ‬للمنطقة العربية بصفة عامة ومنطقة الخليج بصفة خاصة،‮ ‬وقامت هذه الدراسات بالأساس على الوثائق التي‮ ‬توزعت في‮ ‬الأرشيف الغربي‮ ‬بمستوياته ومواقعه المختلفة،‮ ‬إضافة إلى الجهود التي‮ ‬بذلها هو للوصول إلى وثائق المنطقة،‮ ‬في‮ ‬دور الأرشيف الشرق إفريقية،‮ ‬وبخاصة أرشيف زنجبار الوطني‮.‬ وحاول صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي‮ ‬من خلال كتابه ‬القرصنة العربية في‮ ‬الخليج‮ ‬دفع اتهام الغرب للعرب بالضلوع في‮ ‬أعمال قرصنة بالخليج والمحيط الهندي،‮ ‬وغيرها من أعمال لا تدخل إلا في‮ ‬عداد الأساطير،‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬يجد الغرب أدنى مشكلة في‮ ‬اختلاقها،‮ ‬حتى‮ ‬يبرر سياساته الإقصائية للنشاط الملاحي‮ ‬والتجاري‮ ‬العربي‮ ‬في‮ ‬المنطقة،‮ ‬وفي‮ ‬هذا الاتجاه اعتبر سموه في‮ ‬دراسته‮ ‬الاحتلال البريطاني‮ ‬لعدن‮ ‬أن هذا الاحتلال جاء بدعوى وقف أعمال القرصنة ضد السفن البريطانية،‮ ‬لكن صاحب السمو حاكم الشارقة‮ ‬يكشف أن بريطانيا كانت تريد الحصول على ميناء في‮ ‬مدخل البحر الأحمر،‮ ‬يساعدها في‮ ‬وقف تحركات محمد علي‮ ‬في‮ ‬الجزيرة العربية،‮ ‬وحماية إمبراطوريتها في‮ ‬الهند،‮ ‬بعد أن فشلت في‮ ‬الحفاظ على وجودها في‮ ‬مدغشقر‮.‬ ومن الأخطاء الشائعة التي‮ ‬دحضها سموه ما ردده بعض المؤرخين حول أن ‬أحمد بن ماجد‮ هو الذي‮ ‬أرشد فاسكو دي‮ ‬جاما إلى سواحل الهند،‮ ‬ففي‮ ‬دراسة عنوانها‮ بيان للمؤرخين الأماجد في‮ ‬براءة ابن ماجد‮ ‬يؤكد صاحب السمو حاكم الشارقة من واقع قراءته ليوميات الرحلة الأولى لفاسكو دي‮ ‬جاما إلى الهند على أن المرشد الذي‮ ‬أوصل الملاح البرتغالي‮ ‬إلى الهند كان هندياً،‮ ‬وينتمي‮ ‬إلى إحدى الطوائف الهندوسية‮. ‬ ويشير سموه إلى أن فاسكو دي‮ ‬جاما عاد دون تأثير ما عدا تحقيق نجاحات في‮ ‬العلاقات التجارية،‮ ‬لكن في‮ ‬سنة‮ ‬1504‮ ‬خرجت حملة بقيادة السفاح ‬الفونسو‮‬،‮ ‬الذي‮ ‬جهز جيشاً في‮ ‬سبع سفن اتجهت إلى شرق إفريقيا،‮ ‬وكان هدفه الأساس إغلاق باب المندب والخليج وتعطيل حركة التجارة،‮ ‬ليصل بها إلى البرتغال،‮ ‬ونصحه المحيطون به بأن‮ ‬يذهب إلى الخليج،‮ ‬تجنباً للعواصف،‮ ‬وهناك ارتكب مذابح عديدة ثم عاد إلى البحر الأحمر ثانية مستهدفاً المدينة المنورة،‮ ‬لنبش قبر الرسول،‮ ‬وتحويل مصب نهر النيل إلى البحر الأحمر،‮ ‬ليقتل مصر اقتصادياً،‮ ‬ولما وصل إلى جدة،‮ ‬ولم تكن لها أسوار،‮ ‬ولم‮ ‬يكن لشريفها حول ولا قوة،‮ ‬فدخلها لكن عاصفة طردته خارج البحر الأحمر،‮ ‬ليموت بعد ذلك في‮ ‬الهند‮.‬

مشاركة :