المثقفون: عبدالفتاح أبو مدين عصامية «الرمز» وعلم تنويري واجه صراعات «الحداثة» بالحداثة!

  • 12/4/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

«الجزيرة» - صالح الخزمري: وصف عدد من الأدباء والمثقفين عبر الجزيرة الثقافية رحيل الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين بالخسارة الكبيرة، معددين في الوقت نفسه إنجازاته عبر رحلته مع الحرف، وإخلاصه للثقافة، ولنادي جدة الأدبي تحديدًا، الذي ارتبط به ارتباط السوار بالمعصم. - د. عبد العزيز السبيل: رحم الله عبد الفتاح أبو مدين. أبو مدين ذو سيرة حافلة، امتد عطاؤه خلالها لأكثر من سبعة عقود. كانت مليئة بحراك أدبي وثقافي تنويري، لا يعرف السكون. أسهم في مرحلة مبكرة في صحافة الأفراد عبر صحيفتَيْن لعبتا دورًا أدبيًّا مهمًّا، إحداهما الرائد، هذا الاسم الذي أصبح ينطبق عليه لدوره الريادي الأدبي، والثانية الأضواء التي أراد منها أن تضيء سماء الحركة الأدبية، ثم اتجهت إليه الأضواء؛ لتكشف عن دوره الثقافي. الفتى مفتاح نحت الصخر بأظافره، وسار بين الأمواج والأثباج، وعاش في معترك الحياة، وخرج من تلك الأيام بتجربة أدبية ثقافية كبيرة ومؤثرة. لم يكن أديبًا وناقدًا فحسب، كما برز ذلك من خلال العديد من كتبه، بل كان رائدًا ثقافيًّا، نجح خلال رئاسته نادي جدة الأدبي في تبني الصوت الجديد في عالم الإبداع والنقد، ونجح في جعل صوت المملكة الأدبي يصل إلى أقطار العالم العربي كافة، وخارجه. حدث ذلك من خلال تبنيه إصدار عشرات الكتب، والعديد من المجلات الأدبية، هي (علامات وجذور ونوافذ والراوي)، التي كانت رسلنا الثقافية، وكانت محل تقدير ومتابعة في كامل محيطنا العربي. كان يؤمن بأن الثقافة مغرم لا مغنم، وكان يسابق الزمن من أجل الإنجاز، ولم يكن يريح مَن حوله من العاملين، ولا يستريح، بل ظل في عمل دؤوب، ندر أن يشبهه فيه أحد. كان يمارس العمل بمركزية كبيرة ضمانًا لدقة الإنجاز، لكنه حين يختبر من حوله، ويثق في قدراتهم، فإنه يمنحهم ثقة كبيرة للعطاء. رحم الله أستاذي عبد الفتاح أبو مدين؛ لقد منحني كبير ثقته، وتعلمت منه كثيرًا، وكان فقدي له كبيرًا. تغمده الله بواسع رحمته. -أ. د. عبد الله عسيلان : عبد الفتاح أبو مدين فقيد الأدب والثقافة. ما أقسى الألم وما أشد لوعة الفراق حين يُرزأ المرء بفَقْد عزيز عليه، ويتمالكه الأسى والحزن لفراقه. رحماك بي؛ فقد أخذت كواكب المعرفة والعلم والثقافة، تتهاوى كوكبًا إثر كوكب؛ فما نكاد نكفكف الدمع على فراق أحدهم إلا ونُرزأ بآخر. ولا ريب أن فقدهم يعد حدثًا جللاً، لا يُستهان به؛ لأن فقدهم يعني انطفاء شمعة توقد فيتبدد ظلام الجهل، ويلفظ أنفاسه وينحسر. ومن هؤلاء الأديب اللامع والمثقف البارع الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين صاحب القلم المبدع والريادات المتعددة؛ فهو رائد في الصحافة، ورائد في الثقافة والحركة الأدبية والنقدية في بلادنا، ورائد في إدارة نادي جدة الأدبي، ورائد في إشراك المرأة في النشاط الأدبي والثقافي في النادي، صبر وصابر، وكافح، وناضل، ولم يأبه بما يعترض طريقه من الصعاب، وتحمَّل المشاق وهو يردد قول الشاعر: لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى فما انقادت الآمال إلا لصابر وقول الآخر: تريدين إدراك المعالي رخيصة ولا بد دون الشهد من إبر النحل بنى وشيّد في محيط الثقافة، وأحسن البناء والتشييد، ويصدق عليه قول الشاعر: أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا وقد سعدت أيما سعادة بإهدائه لي بعض كتبه متوجة بعبارات إهداء منه، أعتز بها، وهي قوله «الأخ المفضال الدكتور عبد الله عبد الرحيم عسيلان، أوفر تقدير ووفاء مع خالص تحياتي الخالصة (26-9-1418هـ)»، وذلك في كل من كتابه: حكاية الفتى مفتاح، وكتابه: الصخر والأظافر. والحديث عن الأستاذ عبد الفتاح يبدأ ولا يكاد ينتهي، ولي عنه حديث آخر مطول، وحسبي هنا هذا الإيجاز، وأختمه بقول الشاعر: إذا نحن أثنينا عليك بصالح فأنت كما نثني وفوق الذي نثني رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته. و{إنَّا للهِ وإنَّا إِلَيْه رَاجِعُون}. - د. يوسف العارف: في رثاء الأديب الكبير عبد الفتاح أبو مدين ..والموت نهاية كل حي، ولو طالت به الحياة. رحم الله فقيد الساحة الثقافية الأديب الرمز أبو مدين عبد الفتاح الذي كان ملء السمع والبصر، عطاء وإدارة وقيادة وإنجازًا. قدَّم أدبًا وفكرًا، يتتلمذ عليه الأجيال القادمة. ستذكره المنابر والأمسيات، وتفتقده الأندية والصالونات؛ فقد كان - رحمه الله - زينتها وربانها، سمتًا وثقافة وحضورًا. قبل أيام زرته مع الزميلين مشعل الحارثي ومحمود الثمالي في المستشفى وهو في العناية الفائقة، ولم نتمكن من لقائه؛ فدعونا له وغادرنا. واليوم يأتينا نبأ موته؛ فنكتب بدموعنا رثاءه - رحمه الله -. - محمد قدس: رحم الله الأستاذ الكبير عبد الفتاح أبو مدين أحد رموز الثقافة، ومِن روادها. كانت تجربتي معه في مسيرة نادي جدة الأدبي، في مرحلة من أهم وأخطر مراحل النهضة الثقافية والأدبية.. تجربة ثرية بحق، وغنية بالعطاء، حتى سجل النادي الكثير من الإنجازات الثقافية والأدبية والمبادرات التي حقق من خلالها الفوز بالريادة. مضينا معًا في مشوار زاخر بالعطاء على مدى ما يزيد على ربع قرن. لقد نال الأستاذ أبو مدين اهتمام القيادة بأن حظي بالتكريم في مهرجان الجنادرية العام الماضي، بمتابعة واهتمام من رمز الثقافة ورائد الأدب صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، وبمبادرة كريمة من رئيس النادي أ. د. عبدالله السلمي على اعتبار أن أبا وديع من رؤساء النادي المؤثرين في مسيرة عطائه بما أثرى الساحة الثقافية والأدبية. أحمدُ اللهَ على أني كنت سندًا وعونًا له؛ لكي يحقق حلم كل أديب في بلادنا. رحم الله الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين.. حقًّا يُعد رحيله خسارة للوسط الأدبي والساحة الثقافية. - حسن الزهراني: رحل (الفتى مفتاح) يا للفاجعة! فقلوبنا بلظى أساها دامعة رحل الذي وهب الثقافة عمره برؤى مجنحة المعاني رائعة رحل الذي قد قال خير مقولة ومضى يطبقها بروح قانعة: (إن الثقافة مغرم لا مغنم) حتى غدت بين الخلائق ذائعة فإلى جنان الخلد: كل مثقف يدعو بإخلاص وروح خاشعة - عبد الله الخشرمي: خسارة كبيرة للوطن كله. هو بالنسبة لي صديق عمر، وصديق مواقف.. رجل عظيم، رمز من رموز الأدب في السعودية، له معي مواقف مشرفة عدة، منها: - عندما اقترحتُ عليه بناء نادي جدة الأدبي؛ إذ كانوا يقيمون ندواتهم في فندق العطاس، وقد حوّل هذا الرجل الحلم إلى حقيقة، وكان النقاش حول مَن يتكفل به، فكان اختيارنا للشيخ (إسماعيل أبو داود)، وعند عرض الموضوع عليه رحّب بنا، ودعانا لمناقشة الموضوع؛ فذهبنا، وكان معي هذا الصرح الشامخ، ولم نخرج من مكتب (إسماعيل أبو داود) إلا بالتزام كامل بدعم الغرفة التجارية النادي، وكان هذا تعاونًا عمليًّا معه - رحمه الله -. لحقته مشاريع كثيرة، لم يمر سوى عامين إلا وتم بناء النادي، ثم أكملنا التأثيث، وذهبت مرة أخرى للشيخ (إسماعيل أبو داود)، وكانت له وقفة أيضًا. وقد كتب ذلك أبو مدين في كتابه الشهير عن رحلة حياته، وكان وفيًّا في الإشارة لنا، وبعد انتهاء المشروع كان النقاش حول تكريم من أسهم ببناء هذا الصرح، فسمينا قاعة النادي قاعة (إسماعيل أبو داود). - ثم أيضًا كان موقفه المشرف والعملي عندما أسست مجلة النص الجديد؛ إذ كان من الداعمين لي والمحفزين لي على انطلاقتها، التي أصبحت مجلة وصوتًا للتيار الحديث والمبدع في المملكة. وقد انضم لها كوكبة في بداية التسعينيات. وقد شجعني على هذه المجلة، وقال يجب أن يكون لكم صوتكم الذي يفرض وجودكم في الساحة. - ومن وقفاته معي وقد وقف وقفة لا تُنسى، وبكل قوة، عندما أسست في الغرفة التجارية الصناعية بجدة أول لجنة ثقافية إعلامية على مستوى المملكة، والمشروع الأهم الذي نبع من هذه اللجنة عندما طرحت فكرة معرض الكتاب بجدة؛ إذ رحب أبو مدين بالفكرة، ووقف مع هذا المعرض بكل قوة حتى انطلق في عام 2000م. - وموقفه في عضوية اللجنة التأسيسية لمكتبة الملك فهد الوطنية بجدة، وقد وقف بكل قوة مع نحو ثلاثين كاتبًا بتبني هذا المشروع، وأصبح حقيقة، وأصبحت المكتبة من العلامات الثقافية في المملكة، وأصبحت مَعْلمًا من معالم جدة. - فاروق با سلامة: إنا لله وإنا إليه راجعون. رحم الله أستاذنا وأديبنا الأستاذ الكبير عبد الفتاح أبو مدين، هذا الأديب عصامي العمل، واسع الثقافة والأدب.. كان طوال العقود من حياته يقدم الكثير من الإنتاج ومن الأدب ومن الفكر والثقافة.. لقد رحل عنا شخصيًّا، ولكن تبقى أعماله الرائعة التي نحسبها من العلم النافع والعمل الجم. كان صحفيًّا وكاتبًا ومؤلفًا، أعطى ساحة الأدب والنقد الكثير من أعماله، وكان شعاره الرمزية العالية، بل إنه أديب فذ، ولا يخشى في الأدب لومة لائم، بل كان طوال دربه العلمي والعملي مُسهمًا إسهامًا كبيرًا في تاريخ الأدب السعودي والعربي عمومًا، وكانت أعماله صحفية وأدبية. ترأس إدارة نادي جدة الأدبي، وكان حاملاً الراية الثقافية من خلال أطروحاته ودعواته لأعلام الفكر والأدب من الداخل والخارج؛ لكي نتعرف عليهم نحن الجمهور. وقد أُتيحت للكثيرين الاستفادة منهم، وقد ناضل بفكره، وجاهد بمعرفته، وكان قلمه سيالاً في هاتيك الربوع وحدائق المعرفة والمعنى. رحمة الله على حبيبنا أبي مدين. - د. حمزة الشريف: {إنَّا لله وإنَّا إِلَيْه رَاجِعُون} {يا أيَّتُها النَّفْسُ المطمَئِنَّة ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فادْخُلِي في عِبَادِي وادْخُلِي جنَّتِي} صدق الله العظيم. رحم الله الفقيد أستاذنا الأديب رجل الصحافة والفكر عبد الفتاح بن محمد أبو مدين، وأسكنه فسيح جناته. تعود معرفتي بالراحل الكبير إلى عام 1402 عندما زار القنفذة، والتقيته، وأطلعته على بعض قصائدي؛ فنشر بعضها في مجلة اقرأ بالصفحة الثقافية، وكنت قد تابعتُ كتاباته منذ عام 1396 في صحيفته الرائد، وفي مجلة اقرأ، وكان له صفحة الحياة والناس، ويكتب عن مطالب القنفذة واحتياجاتها. وقد أشرف - رحمه الله - على طباعة دواويني الأربعة. وفي عام 1410 أقام أمسية في مدينة القنفذة، وحضر في معيته عدد من منسوبي نادي جدة الأدبي، منهم الدكتور عبد المحسن القحطاني والدكتور سعيد السريحي وآخرون، وكانت له كلمة ضافية ليلتها، ومنذ استلم رئاسة النادي الأدبي بجدة عام 1402 وهو يزيد منجزات النادي من أمسيات ومطبوعات، منها نوافذ وجذور وعبقر.. وقد أكرمني - رحمه الله - بنشر بعض قصائدي في (عبقر)، وأشركني عام 1417 في أمسية بالنادي لإلقاء بعض قصائدي، وساعدني عندما طبعتُ رسالتي المعمقة والدكتوراه، ونلت عضوية النادي الأدبي بجدة عام 1402هـ. إنه - رحمه الله - قامة عظيمة أدبًا وخلقًا وكرمًا.. ولن يوفيه ما كتبتُ، ولا يوفيه ما تكتبُ الأقلام. رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وألهم أهله وذويه ونحن من محبيه. وإن شاء الله أكتبُ قصيدة إلى روحه الطاهرة. - عبد الهادي صالح: كان أبو مدين داعمًا ومؤازرًا للأدباء والمثقفين الشباب. وأذكر أنني أول مرة التقيته وعرَّفته بنفسي في نادي جدة الأدبي رحّب بي، وطلب مني حضور فعاليات النادي، والاستفادة من مطبوعاته، ولم يك مُقصيًا أو متعاليًا كما يفعل بعض الأدباء مع الأجيال الشابة وتهميشهم. تحدثت معه قبل أشهر حول بدايات ملتقى النص، ودور هذا الملتقى في إتاحة الفرصة للباحثين الشباب الذين أصبحوا اليوم علامات بارزة في الأدب السعودي المعاصر موضحًا أنني وزملائي كنا نرحب بمشاركاتهم حتى وإن كانت أقل مما ينبغي، مع توجيههم، والأخذ بمواهبهم.. معتبرًا أن كثرة المداخلات حول ورقة الباحث المشارك قد تفسدها، وتضيع من وقت الباحثين الآخرين؛ وعلى رئيس الجلسة ضبط ساعته في كل مشاركة. رحم الله أبا وديع، وأسكنه فسيح جناته؛ لقد رحل وترك خلفه تاريخًا مشرفًا في الأدب السعودي الحديث. - د. صالح الزهراني: سادن الوعي - عبد الفتاح أبو مدين فُجعت كغيري صباح هذا اليوم بخبر وفاة الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين؛ فعبد الفتاح - رحمه الله - ليس كغيره؛ لقد كان أُمَّةً في رجل، ومؤسسة في فرد. كرّس حياته وماله وكل ما يملك في سبيل بناء وعي ثقافي خلاق منذ أن بدأ عمله الصحفي مؤسسًا لجريدة الأضواء، حتى ختم حياته الثقافية بالعمل رئيسًا لنادي جدة الثقافي الأدبي. حين نتألم لفَقْد أبي مدين فلأننا نحزن على فقد قيمة من قيم النُّبل والبذل والتضحية والعطاء.. نؤمن بأن الموت حق، وأنه غاية كل حي، ولكن غياب أبي مدين وأمثاله من صنَّاع الوعي ثلمة في جدار وعينا وثقافتنا.. ونسأل الله أن يخلفنا فيه بخير. عرفتُ أبا مدين - عليه رحمة الله - قارئًا لكتبه، وسعدت بالحوار معه في ندوات نادي جدة الأدبي، وصحبته في بعض الفعاليات الثقافية، والأسفار، فكان - رحمه الله - رجلاً محبًّا للعطاء، تواقًا للتجديد، حريصًا على تأصيل الوعي، واسع الأفق، يمتلك مهارة خاصة في الإنصات والإبانة، وقدرة على احتواء الجميع مهما اختلفوا معه، وربما أساؤوا له. قاد أبو مدين دفة العمل الثقافي في نادي جدة الأدبي في فترة ذهبية، شهد فيها المشهد الثقافي صراعًا، افتقر لشرف الخصومة، ونجح في جعل هذا الصراع قوة دفع لإنجاز عمل ثقافي غير مسبوق؛ إذ أصبح نادي جدة رائدًا للعمل الثقافي، وصارت مطبوعاته حديث المجتمع الثقافي العربي، وأصبحت مجلة (علامات) حديث الباحثين عن الجديد من الماء إلى الماء. بذل كل ما فيه وسعه لاستمرار توهج نادي جدة الأدبي، وتطوُّر ندوة قراءة النص التي أصبحت نواة المؤتمرات النقدية في الأندية الأدبية بعد ذلك، واستطاع بمكانته الاجتماعية أن يستقطب الدعم والمؤازرة من الموسرين لنجاح هذا المشروع. حافظ في أشد لحظات الصراع الثقافي في بلادنا حدَّةً على الانتصار للمعرفة، والوفاء للثقافة، ولم يلتفت لمن خالفه واتهمه، وترفع عن لغة السباب والشتائم؛ لأن الثقافة معنى يُدرَك، وأثر يُترَك، وليس شارة تُرتدى أو مجدًا يُدعى. لقد ترك أبو مدين تراثًا مهمًّا جديرًا بأن يكون موضع عناية الباحثين في جامعاتنا. ونأمل أن تكون ندوة قراءة النص في نادي جدة الأدبي العام القادم خاصة بأبي مدين - رحمه الله -؛ تعيد قراءة جهاده وجهوده في الصحافة، وإدارة العمل الثقافي، والإنتاج الأدبي والنقدي.. فهذا أقل الوفاء لهذا السادن النبيل. رحم الله أبا مدين، وأسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه الصبر والسلوان. - أحمد المساعد: عبد الفتاح أبو مدين الأديب الأريب والعصامي الذي أوصله طموحه إلى القمة!! قرأتُ خبر وفاة الأستاذ الكبير خُلقًا وخَلقًا بعد عمر طويل وحافل بالإنجاز الأدبي والفكري والثقافي والإعلامي؛ إذ يعتبر أحد رواد العطاء الأدبي وما تفرع عنه من نشاطات طوال ما يقرب من تسعة عقود، نسأل الله أن يكون ممن طال عمره وصلح عمله. وقد قُدر لي أن أكون قريبًا منه على مدى عقود، يوم كان صاحب مجلة الرائد، وأحد مؤسسي صحيفة الأضواء. كان ذلك قبل أكثر من ستين سنة في دار الأصفهاني للطباعة بطريق المصادفة عندما كنت عاملاً في الدار الرائدة، وكان هو يوالي إشرافه ومتابعته بحرص دؤوب؛ لكي تخرج الرائد بالمستوى الذي يرضى عنه. وأشهد الله أني تعلمت منه الكثير، وأُعجبت بعصاميته وتجربته الثرية، سواء بقُربي منه، أو بقراءاتي لإبداعاته المتميزة، وبخاصة كتابه القيم «حكاية الفتى مفتاح»، وكتابه «أمواج وأثباج»، ومقالاته الدسمة في أكثر من صحيفة.. وما أنجزه من تفوُّق في إدارة نادي جدة الثقافي على مدى عقود. ثم لما ترأست نادي الباحة الأدبي وجدتُه كما عهدته ألمعيًّا في الموهبة، ورائدًا في الإدارة، وهو الذي صنع مكانته - بعون من الله - في الوسط الاجتماعي بعروس البحر الأحمر، بل في كامل الوطن. وعلى الرغم من جهاده الفكري وثقافته العميقة كان تواضعه وتلطفه ومنطقه الراقي يسترعي انتباه الناس الذين يتعاملون معه، وأنا أحدهم؛ فهو - والحق يقال - إنسانٌ نبيل، يُحسن التعامل مع مَن حوله، وقد أخذ بأيدي مجموعة من الشباب عندما استقطبهم؛ ليعملوا معه في مجلته التي لم يقدر لها أن تعمر كثيرًا بعدما صدر نظام المؤسسات الصحفية عام 1383 هجرية، ومنهم الأستاذ عبد العزيز الفرشوطي من أبناء تبوك، والأستاذ حمدان صدقة - رحمه الله - من مدينة جدة. كل ذلك وغيره مما يتعلق بتأليف الكتب وإدارة مؤسستَي عكاظ والبلاد، إلى أن أجبرته الشيخوخة على البقاء في داره بجدة!! وإني لأسأل الله أن يدخله فسيح جناته، وأن يرحمه رحمة الأبرار؛ فقد كان عملاقًا في الرجولة واللطف والمعرفة والتأدب.. وعزائي لأبنائه وأسرته وأقاربه.. و{إنَّا للهِ وإنَّا إِلَيْه رَاجِعُون}. - إبراهيم مفتاح: يحتار الكاتب أن يكتب شيئًا عن أستاذنا الراحل (عبد الفتاح أبو مدين)؛ لأن حياة الرجل متعددة الجوانب والمراحل، ابتداء من طفولته التي عانى فيها شظف العيش بعد أن أصبح يتيمًا عندما فقد والده، وتربى في أحضان أمه التي حملت - بدورها - أعباء حياة أسرتها ومعاناتها. ومن هذا المنطلق حمل الفتى (مفتاح) ما لا يطيقه فتى يافع مثله عندما اقتحم مجالات العمل الشاق؛ ليوفر لأسرته لقمة عيش كريمة، ويحاول في سِنه المبكرة أن يكون رجلاً مبكرًا، وينوء عاتقه بما ينوء به الرجال.. ولأني الآن أكتب من الذاكرة فقد لا أعطي الرجل حقه؛ لأن مراحل عديدة تسربت خارج ذاكرتي. ولعل في ما علق بها من كفاح فقيدنا الغالي يفي ببعض الواجب الذي يستحقه، خاصة في مجال نتاجنا الفكري الذي كان النقد (البنّاء) أبرز صفاته؛ الأمر الذي جعله يدخل في صراعات كثيرة مع معاصريه، بل حتى مع مَن سبقوا مرحلته العمرية والقلمية. أذكر أيضًا أن وجوده الأدبي والفكري كان يملأ الساحة الصحفية، خاصة عندما ترأس تحرير (الرائد) التي أفسح المجال فيها للأقلام الشابة أن تمارس حيويتها ومواهبها الواعدة. ومن وجهة نظر شخصية أعتبر أن تسنمه رئاسة (نادي جدة الأدبي) من أهم مراحل حياته الفكرية التي انعكست على مسيرة هذا النادي في منشوراته ومطبوعاته الثرية التي امتدت خارج الوطن، كما انعكس ذلك على أنشطته المنبرية منوعة العطاءات والصراعات بين رواد الحداثة ونظرائهم من التقليديين، خاصة في مجال الشعر. الأستاذ الرائد عبد الفتاح أبو مدين (أو الفتى مفتاح) طاقة أثرت الساحات الأدبية والثقافية والفكرية، وتركت بصماتها واضحة ومتفردة. نسأل الله له الرحمة والمغفرة. و{إنَّا للهِ وإنَّا إِلَيْه رَاجِعُون}. - د. عائشة الحكمي: حين درست بعض سيره الذاتية في أبحاثي لم أستطع الإفلات من سيطرته على تفكيري. عشت مع أوراق (وتلك الأيام) متعاطفة مع بؤسه، وجهاده كي يصبح إنسانًا ناجحًا متميزًا. أيضًا ما زلتُ أتخيل رحلته مع الصحافة حين كتب الإعلان عن إصدار صحيفة الأضواء والرائد، وأنه تسلق أعمدة الكهرباء ليعلق الإعلانات.. فلما أغلقت الأضواء حاول بكل الوسائل الدفاع عن مشروعه الإعلامي.. كم من خطابات كتبها يتوسل فيها لإصدار مجلة أدبية، تعبر بأحلامه آفاقًا أخرى.. وما زال ذلك (الفتى مفتاح) عبدالفتاح أبو مدين هو ورفاقه يسكنون ذاكرتي.. كم من الألم والمشاق رافقته في طفولته، وكم اغتال الفقر تلك الطفولة، وجعله يتحمل مسؤوليات والدته وأخته.. وهجرته النهائية إلى بلاد الحرمين؛ ففيها أكمل مشوار، الألم والمتاعب.. ولكن لم تنجح في النيل من عزائمه؛ فقد تحدى كل الحياة، ومكّن ذاته من أهدافها؛ فأصبح مثقفًا حقيقيَّا: الفاعل والمؤثر.. أسهم في رسم السياسة الثقافة لبلاده، بلاد الحرمين.. أسهم في إثراء المكتبة العربية بكثير من الإصدارات الأدبية.. شارك في إدارة المؤسسة الثقافية.. أثرى الصحف والمجلات بأطروحاته المثيرة والمؤثرة. - د. حمد السويلم: عبد الفتاح أبو مدين رائد التنوير النقدي يحتل الناقد عبد الفتاح أبو مدين - رحمه الله - مكانة كبيرة في مسيرة النقد الأدبي السعودي الحديث؛ فهو يمثل محورًا مهمًّا في تطور النقد، وجسرًا عبر من خلاله النقد من الانطباعية إلى مشارف النقد العلمي، وكان قد دعا بوعي إلى أهمية أن يرتفع النقد إلى مستوى العلم «فلا بد للناقد من دراسة الأدب دراسة علمية للوصول إلى كنوزه المخبأة، دراسة صحيحة صرفة محايدة.. ومطالعاتي أثبتت لي أن الحقائق العلمية يمكن أن ندرس على ضوئها أي موضوع. أما الاشتقاق المنطقي والتفكير النظري المحض فغير كافيين للناقد الذي يستحق هذا الاسم بكل معاني هذه الكلمة». والأستاذ أبو مدين يمثل واسطة بين جيل الرواد وجيل النقاد المنهجيين الذين تحلقوا حوله في نادي جدة الأدبي، واستلهموا منه الإيمان بالتجديد والتطوير؛ لذلك يمكننا أن نطلق عليه رائد التنوير في النقد الأدبي في المملكة العربية السعودية. وإذا كان أبو مدين يدعو إلى التنوير فإنه لم ينفصل عن التراث أو ينقطع عنه؛ لأن القطيعة تعني الانفصال عن الجذور والتخلي عن الهوية؛ لذلك تبنى ندوة مهمة في نادي جدة الأدبي سنة 1409 الموافق سنة 1988م، وكانت هذه الندوة تمثل - كما قال عنها أبو مدين - خطوة جريئة، وعملاً باقيًا ذا قيمة. كان الهاجس الذي يشغله يكمن في سؤال ملحّ، هو كيف نقرأ تراثنا؟ أما الهدف الرئيس من قراءة التراث قراءة جديدة فهو استثمار معطيات العلوم الإنسانية في الكشف عن العناصر الحية في التراث، واستدعائها لتثري حاضرنا النقدي. لقد كانت هذه الندوة فتحًا للنقد السعودي للحوار مع التراث، وهي فتح للناقد السعودي للحوار مع النقاد العرب الذين أخذت شهرتهم ترتفع، خاصة بعد صدور مجلة فصول التي كانت فضاء للتعريف بالنقد الحديث ونظرياته ومناهجه وأعلامه. ولم يكتفِ أبو مدين بذلك، بل جعل مجلة علامات تنفتح على آفاق واسعة في النقد والفكر. كان أبو مدين يؤمن بأهمية النقد وبرسالة الناقد، ويرى أن النقد يمثل ضرورة؛ وذلك أن للنقد رسالة لا بد من تأديتها، وكل شيء إذا ترك له شأنه من غير رعاية فسد، وأصبح ذا ضرر، بدل النفع. لأن النقد هو قوام النتاج، ومحوره المستقيم. والنقد الذي يبتغيه أبو مدين هو النقد العميق الذي يستهدف الحوار مع النص؛ ليكتشف جمالياته.. وليس النقد الفقهي الذي يبحث في العيوب. إن الناس يخطئون حين يقولون: إن النقاد يحملون في أيديهم معاول ليهدموا بها ما بنى غيرهم، بيد أن هدف رسالة النقد هو إصلاح ما فسد، وتقويمه؛ ليدرك المُنشئ خطأه، ويصلحه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. إنه يحق لنا أن نقول إن أبا مدين يستحق لقب «رائد التنوير النقدي» في بلادنا؛ فهو يؤمن بأن الثقافة تأتي في مقدمة بناء الشعوب.. وهي قياسات وعيها وقيمها؛ ذلك أن تقدم أي قطر لا يقاس بثروته المادية، وازدهار اقتصاده، وإنما يقاس بسعة معارفه، وتقدمه. وهذا التقدم يعتمد على بناء الإنسان، وعيًا وثقافة وعلومًا ومعارف. رحم الله أبا مدين رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.

مشاركة :