ديمقراطية «العواجيز» و«ديكتاتورية» الشباب

  • 12/5/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

كمال بالهادي الناظر إلى المشهدين العراقي واللبناني، وما اعتراهما من احتجاجات واسعة أدت إلى سقوط حكومتي البلدين، أمام إصرار الشباب في البلدين على التغيير السياسي الشامل، سيتساءل عن مصير «الشرعية» الانتخابية التي حصلت عليها الأحزاب الفائزة في الانتخابات منذ أشهر قليلة فقط. كما أنه من الضروري التساؤل عن مصير «الربيع الديمقراطي» في الدول العربية أمام «ديكتاتورية» الفقر والفاقة التي جعلت ملايين الشباب العرب يكفرون بما تفرزه صناديق الاقتراع.إنه لمن المفارقة العجيبة أن تحصل حكومة الحريري ومن يقف وراءها من حزام سياسي على الثقة الشعبية خلال شهر فبراير الماضي، ثم تسقط بعد أشهر قليلة فقط، بعد أن خرج الشباب اللبناني رافضاً استمرار الطبقة السياسية بمختلف ألوانها السياسية، ومطالباً بالتغيير الشامل، وبتحقيق مطالب الشباب التي هي في أصلها مطالب اقتصادية واجتماعية، يمكن اختزالها في مطلب العيش بكرامة. وإنه لمن المثير للانتباه أيضاً، أن تسقط حكومة عادل عبد المهدي، في الوقت الذي كانت تستعد فيه لإطفاء شمعتها الأولى. فبين أكتوبر / تشرين الأول من سنة 2018، حين تم منح الثقة لحكومة عبد المهدي وبين نوفمبر / تشرين الثاني من سنة 2019، رأينا عراقاً جديداً، ينتفض ويطالب بسقوط كل الطبقة السياسية التي جاءت بعد 2003. ولكن الغرابة تنتفي عندما نعلم أن هذا الشباب الثائر كان على الدوام يمثل «القوة الصامتة» أمام «ديكتاتورية الشيوخ» الذين تحكموا في ماضيه، ويريدون التحكم في مستقبله. نعم لقد مثل الشباب العربي «قوة صامتة» أو قوة مستقيلة عند المحطات الانتخابية، وهو الذي يطالب بإرساء أنظمة ديمقراطية يتم فيها انتقال السلطة بشكل سلمي. فلماذا يحتج إن كان هو نفسه يمثل جزءاً من المشكلة، بما أنه مستقيل ولا يريد الدفاع عن حقوقه، عبر الأطر السياسية القانونية وهي الأحزاب السياسية؟ قد تكون الإجابة بتأكيد أن الشباب هو جزء من المشكلة، وبأنه مستقيل، ولكن الواقع يفنّد كل ما قيل، لأن الشباب الذي يرغب في النشاط السياسي، يحرم من بلوغ المناصب السياسية العليا داخل الإطار السياسي الذي يوجد فيه، ولذا فإن حضور طبقة الشباب في المشهد السياسي العربي عموماً هو حضور ضعيف، بسبب سطوة «الشيوخ» على الهياكل السياسية. وتأسيساً على هذا، يكون من الطبيعي أن يسعى الشباب إلى ممارسة «ديكتاتورية مضادّة» على الشيوخ و«العواجيز» الذين يحكمونه. إن ما نراه اليوم في أكثر من ساحة عربية، هو «ديكتاتورية الشارع» التي يتقنها الشباب، في مواجهة شيوخ لم يسعوا إلا إلى الظفر بالكراسي، والاسترخاء عليها، فنسوا مصالح الناس، ونسوا وعودهم الانتخابية، وباتوا اليوم عاجزين عن إيقاف المد الشبابي الجارف. لقد انتفضت بغداد وبيروت، ولكن عواصم عربية أخرى ترتعد. هذا ما يحدث في الجزائر، أما في تونس، فإن الشباب الذي احتل الشوارع في عام 2011، ليس عاجزاً عن احتلالها مرة أخرى، بعد أن بلغ به السيل الزُبى، وبعد أن ملّ الوعود الزائفة بتحسين وضعه.لم يفهم شيوخ السياسة العربية أن العالم تغيّر، وأن جيل تكنولوجيات المعلومات لم يعد ذلك القطيع الذي يمكن التحكم فيه بمجرّد وعود أو بخطابات رنانة. إن أبسط شاب عربي، يمتلك الحد الأدنى من القراءة والكتابة، هو اليوم أقدر على التحكم في التكنولوجيا، وقادر على فضح أكاذيب السياسيين، بالحجة والبرهان. وهذا ما لم تفهمه الطبقة السياسية الناشئة بعد 2003 وبعد 2011، فهي تعتقد أن شرعيتها النضالية، وشرعيتها الانتخابية التي تحصدها بأقل عدد من الأصوات، تعطيها صكاً على بياض، لتفعل ما تشاء. لقد تغيّر «المارد»، وصار يفرض ديكتاتورية «ربيع العمر»، على من هم في «خريف العمر». belhedi18@gmail.com

مشاركة :