عرفت اليابان بسحرها الاقتصادي وبمنجزاتها وابتكاراتها التي أبهرت بها العالم. اقتصادها يعدّ ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين. وهي من أغنى دول العالم، تقدم مساعدات مالية سنوية إلى عشرات الدول والبرامج التنموية للأمم المتحدة تصل قيمتها إلى عشرة مليارات دولار. يحتل الناتج القومي الإجمالي المرتبة الثالثة على مستوى العالم، إذ يبلغ 73 تريليون دولار. ويصل معدل دخل الفرد إلى 39 ألف دولار سنويا. أكبر الشركات العالميّة مثل تويوتا وهوندا وسوني ونينتندو وفوجي فيلم وباناسونيك جاءت من هذا البلد. ومع ذلك فإن هذا البلد يعد الأعلى مديونية في العالم، فالدين العام في ارتفاع مستمر، وقد وصل إلى 12.03 تريليون دولار عام 2018. ويشكل دينها العام أعلى نسبة إلى الناتج الإجمالي بين دول العالم، إذ سجل نسبة وصلت إلى 261%، تليها إيطاليا بنسبة تبلغ 141%، والبرازيل 108%، وفرنسا 107%، والمملكة المتحدة 98%. الاقتصاديون يضعون البلد التي تصل مديونيتها إلى 60% من ناتجها الإجمالي ضمن الدول المعرضة للإفلاس وتصنيفها الائتماني أقل من ccc أي متعثرة جدًا. بالرغم من هذا الارتفاع الكبير في الدين العام فإن اليابان لم تتعرض حتى اليوم لأزمة مديونية، وهي على عكس ذلك تمامًا، إذ تصنف ضمن الاقتصادات العظمى في العالم. دول عدة تواجه خطر الإفلاس بسبب مديونيتها التي تصل نسبتها إلى 60% من الناتج المحلي الإجمالي وهي أقل بكثير من ديون اليابان، إلا أن اليابان مازالت تتمتع بقدرتها على زيادة دينها وبيع سنداتها بسهولة وعند معدلات فائدة منخفضة للغاية، تصنف وكالة «ستاندرند أند بورز» الديون السيادية اليابانية في درجة «+A» بعد أن خفضتها من «- AA»، بسبب الشكوك في شأن قدرة الاقتصاد على التعافي وإنهاء حال الركود خلال الأعوام القادمة. فما هو سبب هذا الارتفاع؟ ولماذا لم يتأثر الاقتصاد الياباني بهذه المديونية الضخمة؟ أولا: إن كلفة الاقتراض لليابان منخفضة جدًا وتعد رابع أقل معدل عالمي رغم تواصل نمو الديون، إذ تدفع اليابان معدل فائدة لا يتجاوز 1 في المائة على سنداتها استحقاق عشر سنوات، وهذا يعطي الدولة حافزًا وثقةً لمزيد من الاقتراض. ثانيًا: الديون اليابانية مصدرها السوق المحلي، إذ تشير بيانات بنك اليابان أن حائزي السندات الحكومية من الأجانب لم تتجاوز نسبتهم 8.9%. كما أن ثلاث جهات كبرى محلية تمتلك 46% من ديون الحكومة في مقدمتها بنك اليابان الذي يمتلك وحده 23%. والأهم من ذلك هو أن الدين الياباني مقوم أساسا بالين، العملة المحلية. وهذه نقطة في غاية الأهمية بالنسبة إلى عملية خدمة الدين العام. ثالثًا: تستخدم الدولة الاقتراض ليس فقط لتمويل مصروفاتها وإنما أيضًا كأداة لسحب السيولة وزيادتها. ويساعدها في ذلك بنك اليابان الذي يحاول الخروج بالبلاد من حالة انكماش الأسعار، لذا استمر في شراء السندات منذ 14 عاما. رابعًا: تعتمد اليابان على مصادر مختلفة لتحصيل إيراداتها، فلديها ثقة في كفاءتها المالية والقدرة على الوفاء بالتزاماتها المالية. تبلغ الميزانية العامة اليابانية 860 مليار دولار، وتمثل أعباء خدمة الدين العام حوالي 24 % من إجمالي موازنة العام المالي. كما أن لدى اليابان قدرا كبيرا من الاحتياطيات بالنقد الأجنبي. خامسًا: الاقتصاد الياباني موجه نحو التصدير، إذ يحقق القطاع الخاص بشركاته ومصانعه الكبرى فوائض تجارية كبيرة مع باقي دول العالم، إذ تقوم بإيداع هذه الفوائض في البنوك اليابانية والتي تقوم بدورها باستثمارها في شراء سندات حكومية. كما تقوم الدولة أيضًا باستثمار جزء كبير من تلك الأموال في شراء سندات الدين الأمريكي.
مشاركة :