الرفاهية ليست رفاهية!

  • 12/5/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كثير من الناس لديهم إحساس مقيم بالانشغال وكأنهم يحاولون الفوز في ألف سباق.. مواعيد تسليم أو تخليص أوراق أو مذاكرة للأولاد أو تسديد أقساط أو لحاق بالترقية أو اقتناص فرصة أو توفير مبلغ أو بدء مشروع أو تخطيط لأمر ما.. حتى حين تمسك هاتفك، تستلبك مواقع التواصل وتظل متابعاً لمنشوراتها وكأنك تسابق الزمن بحثاً عن شيء لا تعرف كنهه ولا متى ينبغي عليك التوقف بالضبط. انشغالات تزيد إيقاع الحياة تسارعاً وتملؤها بالتفاصيل التي لا تنتهي.. وسط كل هذا الصخب تتسرب الأيام والأسابيع والشهور، إلى أن يأتي يوم تنظر فيه إلى المرآة فلا تعرفك، وتتساءل: متى ظهرت تلك التجاعيد؟ هل كان شعري رماديا هكذا دوماً؟ يوم يكتشف المرء أن أطفاله كبروا دون أن يلعب معهم.. أبواه توفيا قبل أن يبرّهما.. صداقاته وهنت أواصرها بعد أن أعتاد الجميع الحياة بدونه.. سباق حميم ومعادلة صعبة لا يمكن حلها بسهولة.. الموازنة بين الحياة والعمل.. بين الراحة والتعب.. بين الرفاهية واتباع الشغف..كثيراً ما رأيت أناساً ناجحين مهنيا، لكن ليس لهم حياة أسرية تذكر.. وأناساً قرروا الحد من طموحهم المهني في سبيل أسرتهم.. وأناساً تنحصر حياتهم داخل جدول مواعيد صارم -بالثانية والدقيقة- للموازنة بين هذا وذاك.. فما هو الصواب؟ كل منا يكتب حكايته.. كلٌ يصيغ معادلته الخاصة بما يتسق مع أولوياته وقناعاته وظروف حياته.. إلا أن أحد الخيارات الثابتة التي ينبغي الحرص عليها وسط كل هذه الضجيج، هو ضرورة التوقف بانتظام لالتقاط الأنفاس. فالاسترخاء والترويح عن النفس لا يتعارضان مع تفانيك تجاه واجباتك أو سعيك نحو أهدافك.. بل هما ما يعينك على ذلك. تخيل سيارة تصر على المضي في طريق سفر طويل رافضة الوقوف للتزود بالوقود، بحجة الإصرار والعزيمة والرغبة في الوصول! متعتك الشخصية وراحتك الذهنية والجسدية هي ما يزودك بالوقود الذهني الذي تحتاج إليه.. المشاعر الإيجابية تشحن البطارية التي تجعلك قادراً على المضي.. لو كنت شخصاً متفانياً في الحياة، فينبغي أن تعرف أن الرفاهية في هذه الحالة ليست رفاهية! اعرف ما يمدك بالمشاعر الإيجابية التي تحتاج إليها.. هناك من يحب الذهاب للسنيما أو ممارسة هواية أو مقابلة الأصدقاء أو الاسترخاء في المنزل أو قراءة رواية أو ممارسة التأمل لتصفية الذهن.. آينشتاين كان يحب عزف الكمان وركوب الدراجات واللعب مع الأطفال، والرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر ما زال يحب النجارة وصنع الكراسي.. وتشرشل كان يهوى الأدب والرسم.. لم يعقهم ذلك عن النجاح بل كان سبباً فيه. أعرف ما يشحنك بالمشاعر الإيجابية، كي تحافظ على شغفك.

مشاركة :