وصفت أوساط ليبية مطلعة ما جرى من احتجاجات واشتباكات أمام المجلس الرئاسي الليبي بأنه بوادر انتفاضة قوية ضد حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج والميليشيات الحليفة التي يقودها الإسلاميون، مشيرة إلى أن المقاتلين الذين لا ينتمون إلى الميليشيات الإسلامية بدأوا يتحسبون لما بعد سقوط طرابلس بيد قوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، وأنهم يفكرون بالقفز من المركب في أقرب وقت. ولفتت الأوساط إلى أن طرابلس تشهد حالة غليان ضد نفوذ الميليشيات التي تسيطر على حكومة الوفاق وعلى الأموال المرصودة للحرب في وقت يعيش فيه سكان العاصمة ومحيطها وضعا اقتصاديا صعبا خاصة مع العجز عن الإيفاء بالرواتب وتوفير المواد الأساسية في الأسواق. واندلعت اشتباكات مسلحة، ظهر الأربعاء، في محيط مقر المجلس الرئاسي بطرابلس الذي كان يشهد اجتماعا دوريا للمجلس الرئاسي، بحضور السراج وعدد من وزراء حكومة الوفاق. وفيما تحدثت وسائل إعلام مقربة من حكومة الوفاق عن مسلحين مجهولين وتبادل قصف مدفعي بين ميليشيات حليفة للحكومة وقوات الجيش، فإن مصادر أخرى أكدت أن الأمر أبعد من ذلك، وأن عناصر أمنية غاضبة قد تجمعت أمام المجلس الرئاسي وبدأت بإطلاق النار كتعبير عن غضبها من فشل الحكومة في توفير السلاح والعربات العسكرية والمؤن على الجبهة للدفاع عن الأحياء المحيطة بطرابلس، والعجز عن توفير الرواتب في وقت تحصل فيه القوات المقابلة على الدعم الكافي لخوض معركة دخول العاصمة بمعنويات مرتفعة. وكشفت مصادر ميدانية أن حالة من الغضب تسود طرابلس بعد الاتفاق الأخير بين حكومة الوفاق وتركيا والذي يسمح لأنقرة ببناء قواعد عسكرية وجلب الجنود، وهو ما أثار غضبا إقليميا ودوليا زاد من عزلة طرابلس في محيطها العربي، في وقت باتت فيه حكومة الوفاق تبحث عن تنفيذ أجندات خارجية لا مصلحة لليبيين بها. وقالت مصادر دبلوماسية عربية مقيمة بتونس لـ”العرب” إن مشاورات واتصالات حثيثة تجري حاليا على مستوى الدول العربية، لعقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب، لبحث تداعيات تلك الاتفاقية على الأمن القومي العربي، ولوضع آليات عملية لسحب الاعتراف العربي من المجلس الرئاسي الليبي برئاسة فائز السراج. وكشفت أن تلك الاتصالات التي انطلقت منذ يومين على مستوى عدد من العواصم العربية، منها القاهرة، والرياض، والخرطوم، تتقدم بسرعة وسط إجماع على خطورة تلك الاتفاقية التي كانت محور اللقاء اللافت الذي جمع في وقت سابق بين العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، ورئيس البرلمان الليبي، المستشار عقيلة صالح. وتوقعت أن يجتمع وزراء الخارجية العرب في بداية الأسبوع القادم في القاهرة، لبلورة موقف عربي موحد برفض تلك الاتفاقية، وبسحب الاعتراف العربي بحكومة السراج، على أن يتم الاستناد عليه للتوجه بعد ذلك إلى الاتحاد الأفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، لمطالبتهما بموقف مماثل، يكون قاعدة لتحرك قادم على الصعيد الدولي ينتهي بتجريد السراج من أي صفة تمكنه من الحديث باسم ليبيا. وتأتي هذه التحركات التي يرجح أن تتكثف خلال الأيام القادمة، فيما ارتفعت الأصوات الليبية الرافضة لتلك الاتفاقية، والمطالبة بسحب الثقة العربية من السراج وفريقه الحكومي. ووصف اللواء أحمد المسماري، الناطق الرسمي بالجيش الليبي، تلك الاتفاقية بـ”المؤامرة لإدخال ليبيا في فوضى وصراع مناطقي ودولي هي في غنى عنه، والمقابل سيتحصل عليه الإخوان والجماعات الإرهابية هو إمداد تركي مباشر وقواعد تركية على الأراضي الليبية”. وأضاف خلال مؤتمر صحافي عقده في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء في شرق ليبيا أن “الكارثة التي وقّعها السراج، وهو غير مخول بتوقيعها، جرت ليبيا إلى صدام مباشر مع دول عربية شقيقة مثل مصر”، داعيا في المقابل إلى ضرورة التحرك ضد المخطط التركي الذي يريد أن يحول ليبيا إلى قواعد تركية. ورأى الناشط السياسي الليبي، عبدالحكيم فنوش، في اتصال هاتفي مع “العرب” أن “الاتفاقية التي وقعها السراج مع أردوغان تعتبر إعلان حرب صريحا على كل دول المتوسط، وتهديدا مباشرا لمصر”. واعتبر أن السراج، ومن معه، أصبح تهديدا لأمن المنطقة برمتها “يستوجب بالضرورة اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة تجاهه لوضع حد لهذا التهديد، عبر نزع الاعتراف به عربيا، وهو إجراء لا يوجد أمامه أي عائق قانوني”. وعلى وقع هذه التطورات، بدأ السراج يستشعر جدية هذه التحركات السياسية والدبلوماسية العربية الرامية إلى سحب الاعتراف منه، حيث أرسل وزير الداخلية فتحي باش آغا إلى الدوحة التي وصلها مساء الثلاثاء، بحثا عن دعم قطري. وبالتوازي، أعلنت وزارة الخارجية الليبية التابعة أن وزير الخارجية محمد سيالة أجرى مساء الثلاثاء، اتصالات هاتفية مع كاتب الدولة للشؤون الخارجية المكلف بتسيير وزارة الخارجية التونسية، صبري باش طبشي، ووزير الخارجية الجزائري، صبري بوقدوم، ووزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة. ولفتت في بيان لها إلى أن تلك الاتصالات الهاتفية تأتي في إطار “وضع الدول المغاربية أمام المستجدات الأخيرة، وما تسعى إليه بعض الأطراف للمساس بشرعية الاعتراف الدولي الذي تحظى به حكومة الوفاق”.
مشاركة :