تكرار القراءة والمشاهدة يعيد الذكريات ويكسر الملل

  • 12/6/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: زكية كردي يبحث الإنسان عن شعور ما في كل «تكرار» يقوم به؛ فعندما يشاهد فيلماً لمرات عديدة يستحضر المشاعر والذكريات التي ارتبطت به، وحين يعيد قراءة كتاب معين فهو يبحث عن المشاعر التي حركها بداخله هذا الكتاب، أو عن الذكريات التي واكبت قراءته الأولى، وهذا التكرار يرتبط أيضاً بأطعمة ومشروبات، أماكن، ملابس، بأشياء عديدة حولنا. إنها المشاعر التي ترتبط بالتكرار وتجعلنا نستمتع بها كل مرة، وكأنها تحصننا من الملل، كما سنقرأ في السطور القادمة.منذ سنوات وأمها تعيد ملاحقة مسلسل «ضيعة ضايعة» الكوميدي على القنوات التلفزيونية؛ لتعيد مشاهدته، وتعتقد زينب محمد، (ربة منزل)، أن للأمر علاقة بالمشاعر التي تسترجعها أمها من خلال المسلسل؛ حيث كانت العائلة مجتمعة والضحكات تتعالى من غرفة الجلوس، قبل أن يتفرق الأبناء كل واحد منهم في بلد، وتقول: الغريب أنها لا تحب أن تشاهده على «اليوتيوب» مثلاً؛ بل تفضل أن تشاهده على القنوات التلفزيونية في مواعيد بث معينة؛ لتحتفظ بعاداتها لمشاهدة المسلسل، وعادة ما تدعونا أنا وإخوتي عبر مجموعة ال«واتس أب» العائلية لمشاهدته موضحة اسم القناة التي تعرضه، والمواعيد التي يعاد فيها.وفي حالة مشابهة يخبرنا عزمي عدلي، (موظف اتصالات)، عن مشاعره المميزة تجاه فيلم كان قد شاهده لمرات عدة مع بداية قدومه إلى الإمارات، ويقول: كانت السينما حينها تعيد عرض الأفلام لفترة أطول، ولأنني كنت جديداً في البلد ولم يكن لدي أصدقاء كنت أذهب إلى السينما حتى أملأ وقتي بعد الدوام، وصادف أن شاهدت الفيلم حينها أربع أو خمس مرات، والغريب أنني حتى يومنا هذا كلما عرض الفيلم أو صادفته على التلفزيون أشاهده باندهاش، وأتفاعل مع الأحداث، وكأنها المرة الأولى التي أشاهده فيها.أما فاطمة سلطان، (موظفة حكومية)، فالتكرار الذي لا تمله أبداً هو القهوة، وتقول: يمكنني أن أعتبر حالة عشقي للقهوة بأنها تعد نوعاً من الإدمان، فأنا لا أنحاز لأي مشروب آخر، ولا أستمتع به أبداً، ومع هذا أحاول أن أحد من الكمية التي أتناولها حتى لا تتسبب لي بالضرر، فأشربها ببطء شديد؛ لأستمتع بها، وأعتقد أنه من الصعب أو المستحيل أن أشعر يوماً بالملل من القهوة التي أعشقها، أو أن أفكر باستبدالها بأي مشروب آخر، فقد أشعر بالملل من تكرار أطباق معينة، وأكون متحمسة لتجربة أنواع جديدة من الطعام؛ لكن بالنسبة للمشروبات للأسف لا أشعر بالفضول أبداً.ويعتقد زياد بشير، (مدير في شركة عطور)، أن حالة التكرار في أشياء معينة موجودة عند الناس جميعاً، لكن بشكل نسبي، ويقول: قد يكرر الشباب الألوان والملابس التي يرتدونها من دون أن يجدوا مشكلة في الأمر؛ بل على العكس تكون المشكلة في التغيير، كأن يتم فرض ألوان جديدة عليهم أو ستايل مختلف، وهذا يعود إلى طبيعة الرجل العملية وحبه للاختصار، ويشير إلى مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي ل«فيسبوك» الذي عرف عنه بأنه يملأ خزانته بالملابس المكررة يومياً حتى لا يضيع وقته بالتفكير، فيما عليه أن يرتدي كل يوم، فرغم أنه يبالغ بالأمر إلا أننا لو دققنا بالأمر سنجد أن نسبة كبيرة من الشبان ربما يمتلكون عدداً من القمصان ذات الألوان ذاتها دون قصد، أو يعيدون شراء الأحذية ذاتها مراراً دون تفكير بالأمر.وقد يرتبط التكرار بالسمات الشخصية للناس؛ حيث يصف عبد الحميد حمود، (موظف)، نفسه بأنه شخص روتيني نوعاً ما، ويقول: بطبيعتي لا أرتاح للتغيير كثيراً، ولا أشعر بالحماس للأشياء الجديدة، حتى إنني أجد صعوبة بالاستمتاع بها، فأجد نفسي وفياً للأغاني القديمة التي اعتدت عليها، وأحفظها عن ظهر قلب، كما أحب مشاهدة الأفلام القديمة أيضاً، وحتى على صعيد الأشياء والأماكن والمنزل، أعتبر أن فكرة الانتقال إلى بيت آخر، أو إلى إمارة أخرى حتى وإن كانت لضرورات العمل تؤرقني، فأنا معتاد على الجلوس في كرسي معين، والحياة بطريقة وعادات معينة، ولست أشعر برغبة بالتجديد؛ لأن الاستمرار بهذا الروتين يجعلني أشعر بالراحة والاستقرار. من جهته يوضح د. نادر ياجي، مستشار الصحة النفسية، أن هناك فرقاً بين التكرار المتعلق بالروتين والإبداع، والتكرار المتعلق بالذاكرة والمشاعر، ويقول: التكرار المرتبط باللذة كشرب القهوة الذي يتحول إلى روتين يومي لدى البعض، وعادة يستمتع بها الجسد والحواس لترتبط بالإبداع والعمل، بينما الشكل الآخر للتكرار مثل إعادة مشاهدة الأفلام أو المسلسلات ذاتها، أو قراءة الكتب، فيتعلق بالذكريات الجيدة التي يستحضرها هذا التكرار، ويذكر أن 70% من الناس يقومون بعمل أشياء روتينية مرتبطة إما بالإبداع أو بالذاكرة الجيدة، و30% يقومون بتكرار الأشياء التي تحرض لديهم مشاعر الألم، كالاستماع إلى الأغاني التي تكرس مشاعر الغربة والفراق. ويضيف أن العلاقة بالأماكن والأشياء والتكرار المرتبط بها يعود أيضاً إلى العلاقة والمشاعر التي تنشأ ما بين الشخص وهذه الأماكن كالاعتياد على الجلوس في مقهى معين على سبيل المثال، فيلبسها ذاكرته ومشاعره ويشعر بالارتياح لها، فلا يتخلى عنها حتى وإن شعر بالملل أحياناً؛ لأنه بات يجد راحته في هذه الأماكن بعد أن ألفها.

مشاركة :