تسرد صباح (45 عاما) وهي نازحة سورية تعيش في لبنان منذ العام 2013 بمرارة الأوضاع التي ترزح تحتها والتي تفاقمت مع اندلاع الحراك الشعبي في لبنان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.صباح تعيل عائلة من 4 أولاد بعدما هجرهم زوجها، من خلال العمل في تنظيف المنازل، وتعاني اليوم من تراجع كبير في طلبات خدماتها علما بأنها اضطرت إلى ملازمة منزلها 15 يوما مع انطلاقة الحراك وإقفال الطرقات. وتشكو صباح لـ«الشرق الأوسط» مطالبة صاحب المنزل الذي تعيش فيه والواقع في الضاحية الجنوبية لبيروت، بأن تدفع الإيجار بالدولار بعدما كانت تدفعه منذ وصولها إلى لبنان بالعملة المحلية، قائلة: «حتى أنني عندما حاولت أن أستبدل ما لدي من مال بالعملة اللبنانية مع علمي أنني سأتكبد مبلغا إضافيا، قيل لي إن الدولار أصلا غير متوافر بسهولة».ولعل أبرز ما جعل صباح وعشرات آلاف سواها من النازحين السوريين يستشعرون حجم الأزمة في لبنان، هو ارتفاع الأسعار الذي طال المواد الغذائية وكل المواد الأساسية علما بأنهم كانوا أصلا يئنون من الأسعار المرتفعة في لبنان مقارنة بما كانوا يدفعونه في سوريا. وتشير صباح إلى أنها كانت وعائلتها تصرف 100 دولار أميركي أسبوعيا «أما اليوم فـ140 دولارا لم تعد تكفي. كما أن مفوضية الأمم المتحدة التي كانت تخصص لنا مبلغا شهريا يبلغ نحو 27 دولارا للفرد، لم ترسل لنا المال بحجة الإقفال الذي طال المصارف». وتطمح صباح ككثيرين غيرها لمغادرة لبنان بإطار العمليات التي باتت محدودة جدا وتنظمها مفوضية اللاجئين لنقلهم إلى دول أخرى، في وقت باتت أعداد أخرى منهم مقتنعة بصعوبة ذلك وتخطط للعودة إلى سوريا، وهو ما يتحدث عنه عدنان (37 عاما) الذي يؤكد أنه كان ليغادر مباشرة اليوم إلى سوريا لو لم يكن بعض من عمل لديهم بالبناء لم يسددوا ما عليهم، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «الوضع هنا لم يعد مريحا على الصعد كافة، والأفضل لنا أن نعود إلى بلدنا رغم صعوبة الظروف هناك أيضا».وفي هذا الإطار، قامت المديرية العامة للأمن العام اللبناني أول من أمس الثلاثاء وبالتنسيق مع مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بتأمين العودة الطوعية لـ1498 نازحاً سورياً من مناطق مختلفة في لبنان إلى الأراضي السورية عبر مراكز المصنع، القاع والعبودية الحدودية، ومن عرسال عبر معبر الزمراني على الحدود السورية.ويشكو عدد كبير من السوريين في لبنان من أن الكثير من اللبنانيين يحملونهم مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد ما أدى أخيرا لتسجيل أكثر من أشكال في أكثر من منطقة. وتشير الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان ليزا أبو خالد إلى أنه «رغم وجود مستوى من القلق بين النازحين السوريين حول الوضع الحالي في لبنان، من الصعب في هذه المرحلة تقييم ما إذا سيكون لذلك تأثير مباشر حول إمكانية ارتفاع عدد العائدين منهم إلى سوريا».وفيما تنفي أبو خالد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» تسجيل المفوضية وقوع حوادث أمنية طالت نازحين سوريين على خلفية الحراك الشعبي، تم إعلاميا تسجيل وقوع عدد من الإشكالات بين اللبنانيين والسوريين أمام المصارف وبالتحديد أمام الأمكنة المخصصة للصراف الآلي، بحيث عبّر عدد من اللبنانيين عن انزعاجهم لكونهم عاطلين عن العمل ويحتاجون مساعدات مالية، في وقت يستطيع النازحون السوريون قبض مبالغ وإن كانت ضئيلة من مفوضية الأمم المتحدة. وفي هذا الإطار، تساءل طوني (27 عاما) «عما إذا كان من المنطقي أن يحمل اللاجئون السوريون بطاقات تخولهم سحب الأموال فيما نحن لم نعد قادرين على تأمين لقمة العيش لأطفالنا». مضيفا «صحيح أن فساد مسؤولينا السبب الرئيسي لما نحن فيه، لكن وباعتراف منظمات ومؤسسات دولية كبيرة، فإن عبء النازحين سرّع الانهيار».بالمقابل، تشير صباح إلى تعرضها ونازحين سوريين آخرين لمضايقات خلال محاولتهم استخدام البطاقات التي تخولهم سحب مبالغ مالية محدودة تقدمها مفوضية النازحين، لافتة إلى أنه تم إقناع أكثر من نازح أمامها بخلو الصراف الآلي من الأموال ولكن حين أصرت على التأكد من ذلك بنفسها، تبين العكس.وفي بلدة عرسال الواقعة على الحدود مع سوريا، والتي تضم أكبر تجمع للنازحين السوريين على الأراضي اللبنانية، تؤكد نائبة رئيس بلدية عرسال ريما كرنبي إن «كل هؤلاء يلازمون خيمهم ويبحثون في كيفية معالجة أوضاعهم الصعبة على المستويات كافة خاصة مع حلول فصل الشتاء»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «رغم خروج اعتصامات ومظاهرات شبه يومية في البلدة تضامنا مع الثوار الذين يتحركون في كل المناطق، لم يتم تسجيل أي إشكالات تذكر». وتكشف كرنبي عن تشكيل لجنة تُعد لعودة مجموعة كبيرة من النازحين الموجودين في عرسال إلى منطقة القصير السورية المتاخمة.
مشاركة :