ترتسم الفرحة على وجه نعيمة الخليفي أثناء قيامها بجمع الزيتون بعدما حصلت على دفتر يمكنها من العلاج في المستشفى بفضل مشروع “احميني” الذي سيؤمن لها للمرة الأولى تغطية صحية كما للمئات من العاملات الأخريات اللواتي يعانين من “واقع صعب” في أرياف تونس. ويمكن هذا المشروع عبر منصة إلكترونية المرأة الريفية من تحويل قدر من المال من أجرتها اليومية عبر رسالة بهاتفها الجوّال لمنظومة الضمان الاجتماعي الحكومية وتتحصل تبعا لذلك على دفتر يمكنها من العلاج. في منطقة “الشبيكة” بولاية القيروان (وسط)، تقف نعيمة (49 عاما) وهي أم لأربعة أبناء برفقة مجموعة من النساء يجمعن الزيتون، وقربهن إبريق الشاي لا يتوقف عن الزمجرة على نار خافتة وإلى جانبه سلة صغيرة تحتوي على قطع من الخبز للفطور. تشكو نعيمة من مرض التهاب المفاصل ومن ضرورة زيارة الطبيب بصفة دورية غير أنها لا تجد المال لذلك. تقول بنبرة حزينة يقطعها تنهد، وهي التي تعمل منذ عشرين عاما دون تغطية اجتماعية بينما زوجها يعاني مرضا بدوره يمنعه من العمل، “عندما يمرض أحد الأبناء أو فرد من العائلة كنت أستعير دفتر علاج الجارة لكي أتمكن من علاجه بالمستشفى”. 90 بالمئة من النساء في الريف لا يتمتعن بتغطية اجتماعية ما يعني أنهن غير قادرات على تأمين تكاليف العلاج لهن ولعائلاتهن وتتابع ويدها تمسك دفتر العلاج الذي تحصلت عليه لأول مرة في حياتها، “أحيانا نستعير الدواء من بعضنا البعض لكي نسكن الآلام”، ولكن اليوم “الدفتر في يدي والبال مرتاح، سأتمكن أنا وأبنائي من العلاج بأقل التكاليف المالية”. بين مكتبه وحقول الزيتون في ولاية القيروان، لا يهدأ بال الشاب التونسي ماهر الخليفي (36 عاما) حتى يذلل ما أمكن من عقبات أمام مشروعه “احميني” وإقناع أكبر عدد ممكن من النساء صحبة أفراد فريقه الذين لا يتجاوز معدل أعمارهم الثلاثين، بالانخراط في المنظومة. تفاعلت الحكومة مع المشروع في أبريل الماضي وقررت تخفيض مساهمة المرأة الريفية في الضمان الصحي إلى حوالي 20 دينارا شهريا (نحو 7 يوروهات) ليتلاءم مع وضعيتها. مقابل ذلك، تستفيد العاملات من امتيازات العلاج بتعريفات منخفضة والتأمين في حالة وقوع حوادث شغل ويحصلن على راتب خلال التقاعد. يقول الخليفي “الفكرة هي أن لدينا أكثر من 90 بالمئة من النساء في الوسط الريفي لا يتمتعن بتغطية اجتماعية بسبب بعد الإدارة. كما أن المعلومة لا تصل إلى المرأة الريفية. وهناك ظروف اقتصادية واجتماعية لا تخول للمرأة الريفية التمتع بالتغطية الاجتماعية”. ويضيف “اليوم هذه المنظومة أصبح لها قانون ونحن وضعنا التكنولوجيا لنسهل على المرأة الريفية حتى تكون لها تغطية اجتماعية في برنامج ‘احميني’، سنذهب إلى المرأة الريفية أينما كانت لنقوم بتسجيلها في هذا النظام”. قبل هذا المشروع، لم يكن بإمكان النساء الانخراط في الضمان الاجتماعي لأن عملهن موسمي ولا يخوّل لهن دفع أقساط التأمين طيلة السنة بانتظام، بالإضافة إلى صعوبة التنقل إلى المدن حيث إدارات التأمين. تتقاضى نعيمة والعاملات معها أجرة يومية لا تتجاوز عشرة دنانير (حوالي ثلاثة يوروهات) ويتعبن يوميا منذ ساعات الصباح الأولى إلى وقت الغروب من أجل تحصيل نقود لا تكفي لدفع مقابل صور الأشعة في المستشفى. يتنقل ماهر بين أشجار الزيتون يسألهن الواحدة تلو الأخرى عما إذا كنّ جلبن الوثائق اللازمة للتسجيل في تطبيق “احميني”. تقول حفضية (49 عاما)، وهي أمّ لخمسة أبناء وتعاني من مشاكل ضغط الدم، إنها ترى في “احميني” منقذا لعائلتها. وتضيف “نأمل أن يغير برنامج ‘احميني’ من وضعنا الصحي ومن حياتنا نحو الأفضل”. تواجه العاملات في أرياف تونس وضعا مأسويا، يتنقلن في ساعات الصباح الباكر إلى العمل في وسائل نقل تفتقد إلى أبسط معايير السلامة. وقتل 12 شخصا بينهم سبع نساء كن في الجزء الخلفي من شاحنة صغيرة في طريقها إلى حقول يعملن فيها، في حادث سير أبريل الفائت في منطقة “السبالة” في منطقة سيدي بوزيد المهمشة (وسط). ولم يكن للنساء أي تأمين صحي أو ضمان اجتماعي أو تأمين على الحياة. انطلق مشروعه أواخر 2016، حين خرج هذا الشاب باحثا ككل التونسيين عن عمل بعد أن تخرج في الجامعة. يقول الخليفي الذي يتحدر من عائلة متواضعة في منطقة الشبيكة وله ثمانية إخوة، “انطلقت الفكرة من واقع صعب عشته وأدركت من خلاله قيمة التغطية الاجتماعية، توفيت أمي لأننا لم نكن نملك المال ودفتر العلاج”. وفاة والدتي فطومة في 2016 “كان مشهدا صعبا، وأنا عاجز عن توفير المال وقد استفحل بها المرض”. ويتابع “أريد أن أحفظ كرامة المرأة الريفية، حين يتقدم بها السنّ أو تمرض لتجد دفترا تستطيع أن تعالج به”. يهدف مشروع ماهر الذي يموله من الجوائز المالية التي ينالها في المسابقات الدولية، بالإضافة إلى شراكة مع بنك حكومي، إلى تسجيل حوالي نصف مليون امرأة عاملة في قطاعي الزراعة والصيد البحري وغيرهما، 90 بالمئة منهن ليست لهن تغطية صحية. وتوصل المشروع إلى تمتيع نحو 400 امرأة بتأمين صحي. لم تخل مراحل إنجاز المشروع من صعوبات أهمها البيروقراطية، لكن بالنسبة إلى ماهر، “سر النجاح أن ترى في النهاية المرأة الريفية وقد تمكنت من دفترها وتستطيع أن تعالج به”.
مشاركة :