تختصر معارض التصوير الضوئي، ملايين المعاني التي يمكن أن تخرج بها، من خلال فلسفة الألوان التي تسير بمقتضاها أو الأفكار التي تعبر عن لحظة خاطفة ما التقطتها عين المصور، وأدخل إليها وجهة نظره الخاصة لتبدو لوحة فنية، وليست صورة فوتوغرافية فقط. ولكن، كيف تبدو صورة هذه المعارض إذا اختارت لنفسها اللونين الأبيض والأسود فقط؟ هل السرّ في قوة هذين اللونين أم لأنهما يعودان إلى الزمن القديم؟ وكيف يمكن الخروج برسالة فنية عبر لونين فقط؟ تستضيف صالة «المكان» في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، معرضاً اختار اسماً إيطالياً له «CHIAROSCURO» أي «الظل والنور»، في رعاية كلية الخوارزمي الدولية في أبو ظبي وبالتعاون مع جامعة «ماساتشوستس لويل» الأميركية، يُعبّر عن كثير من الأفكار المتعلقة بالمكان والإنسان والحيوان والنبات وكل ما يجذب العين. ثمة لوحات معروضة لكلٍّ من الفنان وائل كمال، والمصممة الغرافيكية رهام رمحي، والفنان عبدالله عصمت، ومشاركة مجموعة من طلاب التصميم الغرافيكي في كلية الخوارزمي الدولية. يرى وائل كمال الذي يعمل كفنان ضوئي منذ ثلاثة عقود، أن الأبيض والأسود يتناسبان والمرحلة الفنية التي يعيشها. ويقول في حديث لـ «الحياة»: «أختار التباين بين الظل والنور وأرى الحياة من خلالهما، ولم ألجأ إلى ألوان أخرى في المعرض لأتجنب مشتتات لونية تبعد عين الناظر عما أريد، رغم أنني أصور كثيراً الألوان وأحبها». وتركز لوحاته على ثلاث مراحل، منها الأبنية المصورة بين عامي 2014 و2015 في القاهرة بمناطق بيت السحيمي وخان الخليلي، وصور المرحلة الثانية مأخوذة من الصحراء الغربية بمصر عام 1997، من مبانٍ طينية من الخارج والداخل وبيوت البدو، في حين تجسد المرحلة الثالثة مدينة بوسطن الأميركية، حيث يقيم، والفكرة هنا الاستعانة بـ «موديلز» أو البشر والتركيز على تعامل الظل والنور مع جسم الإنسان عبر الإضاءة الطبيعية. ويُفضّل كمال اللعب على الضوء بملامح وانحناءات الجسم والشكل والمضمون، موضحاً «أتعامل معها من خلال خطوط الإضاءة التي تعطيني الظل والنور، وهذا كله لأنني مصور سينمائي أكاديمي، والسينما أقرب ما تكون إلى فيلم السيلولويد، كون الخلفية السينمائية تؤثر على عملي». وربما يشكل موضوع استخدام التكنولوجيا إحدى الإشكاليات التي تواجه هكذا معارض عموماً، لكن وائل كمال يقول إن «السر هو في المصور نفسه وخبرته وليس في التكنولوجيا، وفي هذه اللوحات المعروضة لا استخدام للتكنولوجيا فيها مطلقاً، ولا لجوء للفلاتر وإنما أستفيد من الإضاءة والعدسات، لأن المصور الذي يهمل الإضاءة لم يدرك معنى هذا الفن، لنصل إلى لوحة مرسومة وليست صورة فوتوغرافية، وهذا ما يُرضي غروري كسينمائي وأستاذ جامعي سافرت كثيراً، وحتى أفرغ شحناتي وأسمع صدى الناس، فالفن غذاء الروح». ويضيف: «في كل عمل أترك مساحة للمشاهد يشارك في اللوحة أو يتساءل، أي أترك جزءاً مبهماً من الصورة ناقصاً غير مفهوم». ويُشرف كمال على مشاريع الطلاب السينمائية (فيلم) والتلفزيونية (فيديو) والتصويرية (الفوتوغراف) في جامعة ماساتشوستس الأميركية، وسبق أن أقام «معرض اتلانتس بريتس» في اتلانتا بولاية جورجيا، ونال جائزة أحسن تصوير فوتوغرافي «المرتبة الثانية» من متحف ويستلر عام 2014، في حين سينظم معرضه المقبل في مدينة بازيرو الإيطالية أواخر الشهر الجاري. الأبيض والأسود أقوى الألوان بدأت المصممة الغرافيكية رهام رمحي من كلية الخوارزمي الدولية التصوير كهواية، وسرعان ما اتجهت نحو الاحتراف، وهي في لوحاتها الخمس تعرض الأبيض والأسود، كونها «أقوى الألوان» برأيها، «فقد يضيع تشتت الألوان الفكرة». وتقول رمحي: «أخذت لقطات عدة للوحات المعروضة حيث أستفيد من إضاءة النهار القوية وقوة الشمس النهارية، وأصور من زوايا تعطيني بُعداً للصور على شكل ثلاثي الأبعاد». وفي إحدى لوحاتها تختار اللون البني القديم، وهي ترتب لوحاتها من خلال ابتكار تأطيرها بقصاصات من الصحف، ولعل من أبرز لوحاتها صورة لفانوس استفادت فيه من الضوء الطبيعي وألحقته بضوء صناعي «فلاش» في المعرض، بالإضافة إلى تصوير جزء من نافذة مكسورة لأحد الأبنية، حيث يشكل السواد في العمق خلفية لها، وتوضح رهام أن «ما جذبني في الصورة هو مساحة السواد وقد لعبت في إعدادات الكاميرا وجعلت الأبيض واضحاً». ترسم رهام بالضوء كما تشير، وهو تكنيك تعتمده في الجامعة التي تعمل فيها، فلديها الكاميرا والإضاءة، فـ «إما أن أثبت الضوء أو أثبت الكاميرا وأحرك الضوء، لتلتقط الكاميرا الضوء من خلال أخذ مصادر الضوء وكذلك تغيير فتحة العدسة والتحكم في شدة الضوء»، وهذا ما جسدته في لوحة لها صورت فيها أعمدة إنارة بأحد شوارع أبوظبي.
مشاركة :