زعيمة بورما من رمز للسلام إلى متهمة بالإبادة

  • 12/9/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

فاجأت مستشارة بورما أونغ سان سو تشي، العديد من المتابعين بإصرارها على الحضور بصفة شخصية أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي للدفاع عن بلادها ضد تهم إبادة أقلية الروهينغا. وبعدما كانت رمزاً للديمقراطية، تجد أونغ سان سو تشي نفسها في موضع صعب وحرج أمام العالم حيث كانت في مقدمة المواجهة للدفاع عن بلادها في محكمة العدل الدولية. وتفاعل مواطنو بورما مع هذه القضية، حيث رفعت في جميع أنحاء بورما لافتات كبيرة تحمل صورا لأونغ سان سو تشي وكتب عليها “نحن إلى جانبك”، فيما تستعد الحائزة على جائزة نوبل للسلام للمواجهة في محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة حول أزمة الروهينغا. ويقوم مناصرو سو تشي في رانغون بدعمها بكثافة عبر طباعة شعارات مؤيدة لها على قمصان، وتنظيم تجمعات وحجز رحلات إلى لاهاي لإظهار تأييدهم لها. وعززت الأحزاب السياسية في البلاد وكذلك بعض المجموعات المتمردة المسلحة جهودها لإبراز الدعم للمستشارة، في بلد لا تحظى فيه أقلية الروهينغا بالكثير من التعاطف ويعتبر أبناؤها مهاجرين غير شرعيين. بعدما كانت زعيمة بورما أونغ سان سو تشي في فترة قريبة رمزاً للديمقراطية، تجد نفسها اليوم في مقدمة المواجهة للدفاع عن بلادها في محكمة العدل الدولية ضد تهم اضطهاد الروهينغا لكن في الخارج وخصوصا في الغرب والعالم الإسلامي، ينظر لـ”سيدة رانغون” التي اعتبرت في يوم من الأيام رمزاً للسلام مثل الماهاتما غاندي ونلسون مانديلا، على أنها مدافعة عن منظمة عسكرية دموية تريد القضاء على المسلمين الروهينغا في بورما. ولذلك، حرمت سو تشي من العديد من الامتيازات التي منحت لها، كما سحبت منها جنسيتها الكندية. وإن كان مشهد دفاع سو تشي عن بلادها أمام محكمة دولية سيلقى أصداء إيجابية محلياً، فقد يشكل ضربة قاضية لما تبقى من سمعتها الدولية. وأوضح ديفيد ماتيسون المتخصص في حقوق الإنسان والمستقر في رانغون “إن لم تستغل هذه الزيارة سوى لتحدي العالم ومواصلة الدفاع عما لا يمكن تبريره، فسيزداد المأزق تعقيداً”. وتدعو غامبيا باسم 57 دولة مسلمةً، محكمة العدل الدولية في 10 ديسمبر إلى الإعلان عن تدابير مؤقتة بهدف منع حصول أية إبادة جديدة في بورما. وتؤكد غامبيا، البلد الصغير ذو الغالبية المسلمة في غرب أفريقيا، أن بورما انتهكت اتفاقية الأمم المتحدة حول الإبادات بقمعها الدموي لأقلية الروهينغا قبل عامين. وفرّ نحو 740 ألفا من الروهينغا إلى مخيمات آخذة في التوسع في بنغلاديش، حاملين معهم شهادات وتقارير عن عمليات القتل والاغتصاب والحرائق المفتعلة التي طالتهم، وهي انتهاكات اعتبر محققون في منظمة الأمم المتحدة أنها ترقى إلى مستوى الإبادة. وتؤكد بورما أن تلك العمليات كانت تستهدف مقاتلين، وتصرّ على أن الادعاءات المجهة ضدها بوقوع انتهاكات هي موضوع تحقيق في البلاد لدى لجان مختصة معنية بالملف. لكن المجموعات المدافعة عن حقوق الإنسان في الكثبر من دول العالم تؤكد أن تلك اللجان لا تقوم سوى بتلميع صورة الانتهاكات. واتهم فريق الأمم المتحدة كذلك سو تشي وحكومتها بالتواطؤ على العنف، ما يمثل سقوطاً مدوياً لشخصية اعتبرت يوماً أيقونة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وقضت 15 عاماً قيد الإقامة الجبرية في ظل الحكم العسكري السابق في البلاد. لكن سوتشي رفضت بشكل قاطع الانتقادات الموجهة ضد الجيش البورمي، ومن بينها التقرير الدامغ الصادر عن الأمم المتحدة، بحجة أن العالم الخارجي لا يفهم مدى تعقيد الوضع الداخلي. والتنازل الوحيد الذي قدمته الزعيمة البورمية سو تشي هو اعترافها الخجول خلال المنتدى الاقتصادي الدولي العام الماضي بأنه “كان يمكن إدارة الوضع بشكل أفضل”، غير أن ذلك لم يضع حدا للانتقادات. وينقسم المراقبون إزاء الأسباب التي دفعت سو تشي إلى وضع نفسها تحت الأضواء، حيث يرى البعض أن حماية الجيش في هذه القضية قد تسمح للزعيمة البورمية بالحصول على تنازلات متعلقة بالدستور الذي وضعه الحكام العسكريون للبلاد. وبحسب المحلل السياسي مونغ مونغ سو “ستكون هناك مفاوضات وتنازلات أكثر بين الحكومة والجيش”. لكنْ يرى آخرون أن هذه الخطوة ليست سوى مناورة لاستقطاب الناخبين قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل، والتي يتوقع أن يفوز بها حزب سو تشي “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية”. وأعلن خين يي من حزب “الاتحاد للتضامن والتنمية” المعارض والمرتبط بالجيش أن “غالبية الأحزاب السياسية تعتقد أن حزب سو تشي سوف يستفيد من الانتخابات”. لكن المؤرخ والكاتب البورمي ثانت ميينت أو رأى أن الأمر ليس متعلقاً فقط بالحسابات السياسية. وأعلن خلال مناسبة في بانكوك “أعتقد أنها تكبت في داخلها غضباً شديدا إزاء ما تعتبره موقفاً غير عادل من العالم الخارجي. وأعتقد أنها في الواقع تريد أن تطرح هذه الحجة أمام المحكمة”. وأضاف “هي تؤمن بصدق أنها الأفضل للقيام بهذا الدور”. ولم تجرؤ سوى ثلاث جماعات مسلحة متمردة هي “جيش التحالف الديمقراطي في ميانمار” و”جيش التحرير الوطني في تانغ” و”جيش أراكان”، على الإعراب عن تأييدها للاتهامات بوقوع إبادة. لكن هذه الجماعات المسلحة المتمردة لم تستخدم تعبير “روهينغا”، بل وصفتهم في بيان باسم “البنغاليين”، وهو تعبير يعد مسيئاً، لأنه يوحي بأن هؤلاء المسلمين متحدرون من بنغلاديش. ومن جهته رأى آي لوين، من المركز الإسلامي في رانغون، أن سو تشي تقوم بما يجب القيام به عبر تحمّلها شخصياً المسؤولية والذهاب إلى لاهاي، حيث سيتم الكشف تماماً عن حجم الانتهاكات المرتكبة. وأضاف “الأمر لا يتعلق بالربح والخسارة بل بكشف الحقيقة ورفع الظلم”.

مشاركة :