ترصد المسرحية السورية “كومبارس” علاقة تجمع بين صديقين، أحدهما الشاب “فارس” الذي وفد إلى المدينة من الأرياف باحثا عن تحقيق أحلامه، وهو المولع بالسينما والفنون، لكنه يشعر بالحنين والخيبة تجاه أحلامه التي فقدها في مُستقرّه الجديد وفقد معها براءته. يراقب يوميا المدينة من غرفته العالية فوق أحد الأسطح، فلا يشاهد فيها إلا غابة من المخالفات العمرانية وأطباق التلفزيون وصورة وجه أحد الأشخاص الذي يشعره بالضيق، يشعر الشاب بتآكل أحلامه وتلاشيها في سطوة المدينة وتشعّبات علاقاتها الزائفة والتناقضات التي تجمع شخوصها. وضمن هذه الفوضى والشتات الذي يعيشه فارس يتعّرف على صديقته “رفيف”. يشعر معها بأن شيئا ما يجمعهما وأن التجربة في المدينة قد حملت إليه شيئا جديدا محفّزا على المزيد من الحب. يكن تجاهها عاطفة خاصة فيقرّر دعوتها إلى العشاء في غرفته، ولكونه خجولا وقليل الخبرة أمام النساء يقرّر أن يستعين بحكمة صديق يكبره سنا ويفوقه خبرة، الذي يتّفق معه أن يحضر لهما عشاء، ثم يغادر في الساعة الثامنة . اتهامات وتهكمات في المسرحية حضور لثلاث شخصيات؛ الشاب الخجول قليل الخبرة والحالم، والصديق الذي يكبره سنا ويفوقه خبرة، والذي يستطيع بحضوره القوي أن يستميل اهتمام الفتاة إليه، مستخدما أسلوبه الخبير في التلاعب بعواطف النساء على حساب صديقه الشاب. أما الشخصية الثالثة فهي الفتاة التي يتنازع عواطفها الرجلان. وهي فتاة فقدت والدتها مبكرا وتعيش مع والدها في ظروف حياتيه صعبة. والفتاة تعمل راقنة على الكومبيوتر فتكتب نصوصا كثيرة، وتمتلك في ذلك مهارات كبيرة، لكنها بسبب ظرفها وتعلقها الشديد بوالدها تبدو غريبة عن المجتمع وقليلة الخبرة، فتعطي عملها كل الوقت والاهتمام. شخصيات المسرحية الثلاث تمحقها الحياة بضغوطها الاقتصادية والاجتماعية، فتقتل فيها الحلم والحب وحتى الاختيار تأتي رفيف إلى الموعد في الوقت المحدّد ويستقبلها الشاب بالكثير من التوتر والارتباك، لكنه يحتفي بها ويقدّم لها كامل قدراته على العناية بالضيف، وبعد فترة يعرّفها بصديقه الذي كان يعدّ العشاء الذي تشارك الجميع بتناوله على طاولة بسيطة في الغرفة. وبعد مضي وقت، يثمل الشاب، فيذهب لينام قليلا، وفي هذا الوقت يجد الصديق فرصته في التقرّب من الفتاة التي تنجرف إليه بهدوء فيتشاركان الحديث واللهو وحتى رقص الجاز. ولكن وجود الشاب مجددا في الصالة يضع الجميع في مواجهة ساخنة وساخرة، حيث يعلو الصوت وتنقلب الصداقة عداوة كامنة، فيكيل كل من الصديقين للآخر سيلا من الاتهامات والتهكمات أمام الفتاة التي لم تر بدا من الانسحاب بعيدا عن ساحة العبث تلك. وعلى امتداد ما يقارب التسعين دقيقة قدّم يزن الداهوك، مخرج عرض “كومبارس”، شرحا لحالات إنسانية عميقة، تتلاقى فيها مصالح الناس حينا وتتعارض حينا آخر، وذلك عبر حوارات طويلة أحيانا تُفصح عن معان دفينة يمكن أن تكون موجودة في داخل أي إنسان . ومن هناك أتى العرض نوعا من المكاشفة النفسية، القادرة على جعل المُشاهد، أي مُشاهد، يشبه كل شخصية من الشخصيات الثلاث؛ الحالم والمُحبة والوصولي. وجميعها تمحقها الحياة بضغوطها الاقتصادية والاجتماعية، فتقتل فيها الحلم والحب وحتى الاختيار. بين السينما والمسرح تداخلت في العرض أساليب السينما والمسرح من حيث الشكلانية، وهو الأمر الذي تكرّر ظهوره حديثا في العديد من العروض المسرحية السورية. ولعل استخدام العنصر السينمائي في هذه الحالة لم يكن موفقا كونه لم يقدّم قيمة فنية إضافية للعرض المسرحي أصلا. رغم أن الداهوك قدّم مشهدا سينمائيا حساسا وجميلا، جسّد بوح عاشقين لبعضهما بالحب بعد طول عناء، لكنه أتى هنا خروجا عن النسق المسرحي غير المبرّر فنيا. ويزن الداهوك هو مخرج مسرحي ينتمي إلى الجيل الشاب في حركة المسرح السوري، وهو يقدّم في “كومبارس” تجربته الثانية، عن نص أصلي للكاتب البريطاني بيتر شافر “الأذن الخصوصية”. ويقول يزن عن “كومبارس”، “عندما قرّرنا القيام بالعمل، عمدنا إلى تحضير النص أولا بما يتوافق مع البيئة السورية، ثم قمنا بتنفيذ عدد من البروفات وطوّرنا الارتجالات التي كانت تتوالد يوما بعد آخر حتى وصلنا إلى الحالة النهائية التي ظهر عليها العرض. والهدف النهائي الذي ذهب إليه العرض كان تسليط الضوء على سلوكيات بعض الناس في المجتمع والمقارنة بين من هو حقيقي وصادق، متمثلا في الشاب الحالم، وبين من هو أكبر سنا ويمتلك خبرة في الحياة، لكنه انجرف وتخلّى عن مبادئه في سبيل مكاسب حياتية سريعة، متمثلا في الصديق المخادع”. ويقول خالد شباط، الذي جسّد شخصية “فارس” في المسرحية، “حاولت من خلال شخصية فارس إيصال فكرة الشاب السوري المتعب من ظروف الحياة القاسية، والذي يحمل جوهرا نقيا وثقافة واسعة، ترفض المراوغات والتخلي عن المبادئ الحقيقية والثابتة، فيقابلها المجتمع بالرفض وانتهاء العلاقات الاجتماعية غير القادرة على الاكتمال”. ويضيف “شعرت من خلال هذا العرض أنني أقدّم قصة الكثير من الشبّان الذين يعيشون حالة ضياع بين تأمين المستقبل وبين التمسك بما تلقوه من أخلاق وقيم، لكنهم يجدون راحتهم في العزلة عن محيطهم، خصوصا بعد الحرب التي أنهكت صمودهم”. وحقّق عرض “كومبارس” حالة تفاعل جيدة مع الجمهور الذي كان يملأ صالة دار أوبرا دمشق في عروضه الخمسة التي قدّمت احتفالا بالذكرى الـ61 ليوم الثقافة السوري. والمسرحية من إنتاج المديرية العامة للمسارح والموسيقى في وزارة الثقافة السورية، وهي من إخراج يزن الداهوك، وتمثيل الثلاثي خالد شباط ومرح حسن ووسيم قزق.
مشاركة :