تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري: الفرص والتحديات

  • 12/9/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

من أبرز القضايا التي تناولها مؤتمر التكنولوجيا العسكرية في الشرق الأوسط تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، تلك التطبيقات التي بقدر ما تتضمن من فرص لتطوير عمل الجيوش فإنها في الوقت ذاته تتضمن تحديات هائلة، منها توظيف الجماعات الإرهابية والدول المارقة تلك التكنولوجيا على نحو سيء، كالطائرات من دون طيار التي لا يرصدها الرادار وبوجه عام يمكن القول إن هناك تطورًا مذهلا شهدته مجالات تطبيقات الذكاء الاصطناعي إذ أضحت تُستخدم على نطاق واسع سواء في حركة الأسواق العالمية أو حتى إمكانية التنبؤ بوقوع حوادث وذلك من خلال برامج بالغة التعقيد إلى الحد الذي حدا بالبعض إلى القول إن المستقبل ربما يحمل إلينا نوعًا من الذكاء الاصطناعي سيكون على غرار الخبرة البشرية. ويثير ما سبق ثلاثة تساؤلات أساسية أولها: ما أبرز مؤشرات التطور في مجال تطبيقات الذكاء الاصطناعي بالمجال العسكري؟ والثاني: ما الفرص التي سوف تتيحها تلك التطبيقات في المستقبل؟ والثالث: ما التحديات التي تواجه استخدام تلك البرامج ومتطلبات تفعيلها؟ وللإجابة على التساؤل الأول نجد أنه من أبرز التطبيقات المهمة في هذا الشأن كما تمت الإشارة إليه في المؤتمر وجود برامج من شأنها رصد حركة السفن في البحار وتصوير محتوياتها للتأكد أنها لا تحمل مواد محظورة أو أنها تسير في غير المسار المحدد لها وهو أمر مهم للغاية ومن شأنه دعم الجهود الرامية إلى الحد من عمليات التهريب والقرصنة، وهناك مؤشرات أخرى مهمة منها بدء وزارة الدفاع الأمريكية بالفعل منذ عام 2017 فيما عُرف «بعسكرة الذكاء الاصطناعي» من خلال الاستفادة من تلك التطبيقات في تحديد أهداف معادية والاشتباك معها بشكل تلقائي دون تدخل من البشر، بما يعني، أنه بإمكانها أن تحل محل الجنود بشكل كامل مستقبلا وهو ما أشار إليه بول شار مؤلف كتاب «جيش بلا بشر: الأسلحة ذاتية التحكم ومستقبل الحروب»، بالإضافة إلى تنامي اعتماد الأجهزة الدفاعية على تلك التطبيقات والتي حددها المشاركون في مؤتمر عقد في مدينة أبوظبي لهذا الغرض عام 2018 بعشرة أنظمة هي أنظمة الواقع الافتراضي والمساعد الذكي، تحليل البيانات الضخمة، أنظمة الدفاع ذاتية القرارات، القوى البحرية الدفاعية غير المأهولة، تقنيات الكشف عن الإرهابيين المبكرة، قوات التدخل الروبوتية، جيوش الرجال الآلية، قوة أمن المنافذ والحدود، نظم الأمن الإلكتروني الذكية والدفاعية المبكرة، وتقنيات العمليات اللوجيستية العسكرية الأكثر دقة. وللإجابة عن التساؤل الثاني فإنه من الطبيعي أن نشهد في المستقبل جيشًا متكامل الأركان ومن ثم فإن الحديث يدور عن الجيل الخامس من الحروب والذي سوف يتضمن آليات مغايرة لإدارة الصراعات المسلحة خاصة التي سوف تتضمن القتال عن بعد وقدرة إذ سيكون بإمكان تلك التطبيقات التعامل مع الأهداف والتحرك في ميدان المعارك على غرار البشر، بل إن السفن وخاصة التجارية منها سيكون بإمكانها أن تبحر في مسارات محددة لها من خلال تلك التطبيقات وبنظام تحكم آلي، بل والأهم قدرتها على الدفاع عن نفسها بشكل تلقائي من خلال برامج متطورة ذات إحداثيات محددة تعمل بشكل تلقائي، ويقودنا ذلك إلى الإجابة عن التساؤل الثالث بشأن متطلبات التعامل مع تلك التكنولوجيا، فالحديث عن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد شراء تكنولوجيا أو إبرام اتفاقية بهذا الشأن ولكن هناك متطلبات لنجاح عمل تلك التكنولوجيا والتي ترتبط بشكل أساسي بالمؤسسات التعليمية التي تتضمن جامعات ومعاهد متخصصة في ذلك المجال، وكذلك رأس المال اللازم لذلك، فضلا عن البنية التحتية، بمعنى آخر إن تطبيقات الذكاء الاصطناعي ترتبط بشكل أساسي بمنظومة متكاملة لنجاحها يأتي في مقدمتها تأهيل القوة البشرية اللازمة للتعامل مع تلك التطبيقات، إذ إن هناك ضرورة لإيجاد الكوادر البشرية اللازمة للتعامل مع هذه التطبيقات التي تتسم بتعقيد بالغ، صحيح أنها ربما تقود إلى قرارات صحيحة، ولكن يعجز العقل البشري عن تفسير كيفية اتخاذ تلك التطبيقات قرارا في هذا الاتجاه أو ذاك، وعلى المستوى الدولي ومع أهمية مواكبة التطور في هذا المجال إلا أنه يتعين وضع ضوابط لهذا الأمر حتى لا يشهد العالم تنافسًا محمومًا في هذا المجال؛ إذ يلاحظ من خلال رصد وتحليل التصريحات الرسمية للعديد من دول العالم الكبرى أنها تولي تلك القضية اهتمامًا بالغًا ليس فقط الاستفادة من تلك التطبيقات في المجال العسكري بل كي تتبوأ مركزا رياديا عالميا ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر التقرير الذي أصدره مركز الأمن الأمريكي الجديد وخلاصته أن «الصين لم تعد في مركز أقل تكنولوجيا بالنسبة إلى الولايات المتحدة، بل أصبحت تنافس بحق ولديها القدرة على التفوق على الولايات المتحدة في مجال الذكاء الصناعي». ومجمل ما سبق أن العالم أمام فرص تتيحها تطبيقات الذكاء الاصطناعي وخاصة في مجال الأمن البحري والجوي بما يتلاءم وواقع التحديات الأمنية الجديدة إلا أن هناك تحديات بما يتعين معه اتخاذ العديد من الإجراءات للاستفادة من تلك التطبيقات وفق ضوابط من خلال صياغة معايير دولية متفق عليها بشأن تحقيق الأمن الإلكتروني عمومًا بما يعنيه ذلك من تهيئة البيئة المناسبة لعمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتكون تلك المعايير على غرار اتفاقيات الحد من التسلح بما يضمن التوازن بين الاستخدامات العلمية ومراعاة الجوانب الأخلاقية. دول الخليج لم تكن ببعيدة عن الاهتمام بتطبيقات الذكاء الاصطناعي من خلال إيجاد الآليات اللازمة للاستفادة منها ومن ذلك إعلان مملكة البحرين عن تأسيس أكاديمية للذكاء الاصطناعي بكلية البحرين التقنية وذلك ضمن التعاون بين صندوق العمل «تمكين» وكلية البحرين التقنية «بوليتكنك البحرين» وشركة مايكروسوفت بهدف إدراج تخصصات الذكاء الاصطناعي ضمن المنظومة التعليمية بالمملكة، بالإضافة إلى تأسيس مركز وطني للذكاء الاصطناعي بالمملكة العربية السعودية، فضلا عن قرار دولة الإمارات العربية المتحدة بتأسيس أكاديمية للذكاء الاصطناعي وكذلك إتاحة الفرصة للدراسات العليا في هذا المجال، والأمثلة عديدة على الاهتمام الخليجي بهذا المجال المهم. ومع التسليم بما سبق فإن تطبيقات الذكاء الاصطناعي ترتب تحديات على مستوى الفرد ذاته بحيث يمكن أن يكون خاضعًا بشكل كامل لقرارات الآلة بل يصعب تفسيرها بما يتطلب حتمية التدريب المتواصل للبشر على استخدام تلك التطبيقات، وتحديات على مستوى الدولة ذاتها إذ إنه سيكون من معايير قوتها مدى تحقيق تقدم في هذا المجال، وعلى مستوى العالم ككل، إذ إن مراكز القوى العالمية سوف يعاد ترتيبها مستقبلا وفقًا للتقدم المحرز في هذا المجال. ‭{‬ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة

مشاركة :