يستغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورقة اللاجئين السوريين لتنفيذ مخطط التغيير الديموغرافي شمال سوريا بتوطين لاجئين عرب قسرا في المناطق التي نزح منها الأكراد هربا من الهجوم الذي تنفذه أنقرة على المنطقة منذ أكتوبر الماضي، وسط مخاوف من تحول “المنطقة الآمنة” إلى بؤرة للتطرف. وأعلن أردوغان بدء العمل على إسكان مليون سوري في مدينتي تل أبيض ورأس العين شمالي سوريا التي سيطر عليها الجيش التركي والفصائل السورية المعارضة الفترة الماضية. جاء ذلك في كلمة له أمام وزراء الشؤون الاجتماعية بمنظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول. وأوضح أردوغان أنه سيتم تقديم الدعم لإنشاء مناطق سكنية جديدة في الشمال السوري، مضيفا “بدأنا العمل على إسكان مليون شخص في مدينتي تل أبيض ورأس العين”. وجاءت تصريحات أردوغان لتؤكد تقارير حقوقية اتهمت أنقرة بترحيل لاجئين سوريين قسرا من تركيا إلى شمال سوريا. وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير نشر نهاية نوفمبر الماضي إن تركيا ترسل قسرا لاجئين سوريين إلى منطقة سورية بالقرب من الحدود حيث تهدف إلى إقامة “منطقة آمنة” رغم أن الصراع هناك لم ينته بعد. وكان القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (أكراد) مظلوم عبدي طالب في تصريحات صحافية بـ”منع سياسات التغيير الديموغرافي” في شمال شرقي سوريا. وسبق لقوات سوريا الديمقراطية أن أعلنت في نوفمبر الماضي أن العمليات العسكرية الأخيرة دفعت 30 ألف مدني إلى الفرار من مناطقهم الأصلية الواقعة شرق نهر الفرات، مشددة على أن تركيا احتلت 1100 كلم مربع، وضمت 56 قرية ومزرعة في كل من شمال عين عيسى وشرق كوباني وشرق رأس العين وشمال غربي تل تمر. وتستضيف تركيا حاليا نحو 3.6 مليون لاجئ فروا من الحرب الأهلية السورية الدائرة منذ ثماني سنوات في حين تقول السلطات التركية إن العدد أكبر. وذكر الرئيس التركي أن الاتحاد الأوروبي لم يقدم للاجئين السوريين سوى 3 مليارات يورو، بينما تجاوز ما أنفقته تركيا عليهم 40 مليار دولار، على حد زعمه. ولفت إلى أن تركيا تستضيف نحو 5.5 مليون لاجئ ومهاجر، وأنها أنقذت خلال العام الحالي نحو 57 ألف مهاجر تُركوا وسط البحار من قبل الدول الأخرى. ويحاول الرئيس التركي إقناع أوروبا بدعم مخطط “المنطقة الآمنة” التي يعتزم إنشاءها على الحدود السورية مع تركيا من خلال استغلال ورقة المهاجرين، وهي الورقة التي كثيرا ما لوح بها لابتزاز الأوروبيين. وهاجمت قوات تركية ومجموعات حليفة من المعارضة السورية فصائل كردية في شمال شرق سوريا بضربات جوية وقذائف مدفعية، في التاسع من أكتوبر الماضي بعد انسحاب أميركي من المنطقة اعتبر بمثابة ضوء أخضر لتركيا وتأتي تصريحات أردوغان بعد أسبوع من الاجتماع الرباعي حول سوريا على هامش قمة حلف شمال الأطلسي بلندن الثلاثاء الماضي، والذي انتهى دون تبديد اللبس بشأن مخطط تركيا شمال سوريا. وأكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عقب الاجتماع أنه لن يسمح للاجئين بالعودة إلى شمال سوريا إلا تحت إشراف الأمم المتحدة. جاء ذلك عقب لقاء ميركل بالرئيس التركي ورئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. من جهته أوضح ماكرون أن القادة الأربعة أبدوا “إرادة واضحة (…) بالقول إن الأولوية هي مكافحة داعش والإرهاب في المنطقة (الشرق الأوسط) وأن لا شيء بإمكانه حرفها عن مسارها”. وأضاف “لم يتمّ الحصول على كل الإيضاحات ولم يتم تبديد كل الالتباسات”. ويستبعد مراقبون أن يحظى مخطط أردوغان بدعم مالي أوروبي وهو ما دفعه إلى طلب الدعم القطري. وعقب عودته من زيارة إلى الدوحة قال أردوغان ردا على سؤال عما إذا كانت قطر ستسهم في تمويل الخطط “إنهم في مرحلة: يمكننا أن ننفذ هذه الجهود معا. ما من سبيل آخر في الواقع”. وتثير سياسة الأمر الواقع التي ينتهجها أردوغان وتصميمه على تنفيذ مخططه شمال سوريا ولو بشكل أحادي المخاوف من تحول المنطقة إلى بؤرة للتطرف، لاسيما وأن أنقرة ما فتئت ترعى الحركات المتطرفة وتمولها وتوظفها في سياق تحقيق طموحاتها. ولا يستبعد مراقبون أن تقوم تركيا في ما بعد بتوطين المتطرفين المقيمين على أراضيها سواء من السوريين أو بقية الجنسيات الأخرى في ما تسميه بـ”المنطقة الآمنة” وهو ما سيشكل خطرا على كامل المنطقة. ويرى هؤلاء أن مساعي تركيا لقضم جزء من الشمال السوري تهدف أساسا إلى إقامة جيب موال لها يكون مستقرا للحركات المتطرفة.
مشاركة :