وقع قادة وزعماء دينيون، أمس، ميثاق حلف الفضول الجديد، الذي أطلقه منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، ضمن أعمال الملتقى السنوي السادس بأبوظبي، تحت رعاية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، في موضوع: «دور الأديان في تعزيز التسامح.. من الإمكان إلى الإلزام». ولقي الميثاق الجديد، ترحيباً كبيراً من قبل 1000 شخصية، من المسؤولين الحكوميين، وممثلي ديانات العائلة الإبراهيمية، ورجال الفكر والإعلام، معتبرين أن هذا الميثاق يشكل انتقالاً بالبشرية جمعاء نحو إنهاء الخطاب القائم على الصراع الديني أو العرقي، ويمهد لتشكيل حلف قوي، للدفاع عن السلم والسلام في العالم. وأكد المشاركون في المنتدى الذي يختتم أعماله اليوم أن السياق الدولي المعاصر يفرض مأسسة هذا الحلف، ووضع ميثاق له، يعمل على نقل الحرية الدينية وعلاقات التّعاون وقيم التسامح من مجرّد الإمكان إلى درجة الالتزام الأخلاقي والإلزام القانوني، وبخاصّة في ما يتعلق بحماية دور العبادة التي أصبح الاعتداء عليها يهدد حرية الدين في أنحاء كثيرة من العالم. وتنص بنود ميثاق حلف الفضول الجديد على ضرورة احترام مبدأ الكرامة الإنسانية، على اعتبار أن الناس، وإن اختلفت أديانهم وألسنتهم وألوانهم وأعراقهم، قد كرمهم الخالق القدير، ومبدأ حرية الاختيار وحرية ممارسة الدين، ومبدأ التسامح، ومبدأ العدالة، ومبدأ السلم، ومبدأ الرحمة، ومبدأ البر بالآخرين، ومبدأ الوفاء بالعهود والمواثيق، والتضامن. ويؤكد الميثاق على دور القادة الدينيين، للإسهام في نشر السكينة وبناء السلم، من خلال التنسيق بين معتنقي أديان العائلة الإبراهيمية، وبين أتباع الديانات الأخرى من العائلة الإنسانية، والتصدي للتطرف والفكر العنيف، وخطابات التحريض والكراهية، وانتهاج مقاربة تصالحية في كل دين، لترسيخ التسامح بشتى أبعاده. حلف الفضول.. والسلم العالمي وخصص «منتدى تعزيز السلم» ملتقاه السنوي الخامس (5-7 ديسمبر 2018) لموضوع «حلف الفضول: فرصة للسلم العالمي». فبعد النجاح الذي حققته مبادرات ومشاريع مشتركة بين قادة الأديان الإبراهيمية، مثّل الملتقى السادس فرصة لتدارس مشروع تشكيل حلف كبير مؤسس على القيم الدينية والإنسانية المشتركة، يستطيع الإسهام في التخفيف من حدة المعاناة التي تعيشها البشرية اليوم، وفي إطلاق مبادرات واسعة النطاق، لتعزيز التعايش والتضامن والمحبة بين بني البشر، على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومشاربهم الفكرية. وأكد عدد من القيادات الدينية أن هذا الميثاق يشكل انتقالاً بالبشرية جمعاء نحو إنهاء الخطاب القائم على الصراع الديني أو العرقي. ترحيب القيادات الدينية بداية، أكد الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية وعضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم، أن «أي شيء يحقق السلام والازدهار في العالم هو دائما يأتي من دوافع دينية، واليوم تحتاج البشرية إلى الكفاح الجماعي من أجل العدالة، وهذه لحظة مهمة في تاريخ البشرية». مثمناً فضيلته جهود دولة الإمارات وعملها في تعزيز التسامح ونشر الفضيلة والقيم التي تحث عليها الشرائع السماوية، ولذا لا يستغرب خروج المبادرات العالمية من دولة الإمارات، وقيادتها الرشيدة، مثمناً الجهود الخيرة والسامية للعلامة معالي الشيخ عبدالله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم. وثيقة إلزامية ومن جانبه قال فضيلة الدكتور عبدالفتاح عبدالقادر جمعة مدير مركز الأوقاف للدراسات والبحوث الدينية بجمهورية مصر العربية «نجحت الدورة السادسة لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة في وضع وثيقة إلزامية لتحقيق القيم الفاضلة في نشر التسامح بين أتباع الديانات والوقوف على المشترك الإنساني الواسع المؤطر بالقيم والفضيلة، لذا كانت رؤى العلامة عبدالله بن بيه في معالجة إكراهات الواقع مستمدة من القراءة الواعية والمتعمقة فنجد الشيخ حفظه الله يستلهم من حلف شهده النبي صلى الله عليه وسلم (حلف الفضول) مخرجاً لأزمات الواقع المعيش المبني على القيم والفضيلة بما يصلح واقع الناس ويقيم شؤونها وفق منهج علمي وفقهي منضبط، فنجده في هذا المنتدى يعد وثيقة لو تصالح عليها أتباع الديانات لوسعتهم الدنيا وجادت بخيرها وسعد الجميع تحت راية العدالة والاحترام المتبادل ونشر ثقافة التسامح والوئام». شمولية الميثاق وعبر الدكتور محمد السنوسي، مدير الأمانة العامة لشبكة صناع المشروعات الدينية بالولايات المتحدة الأميركية، عن تفاؤله بشأن الميثاق لأنه «شامل» قائلاً: «لم يكن الطريق أمام إعلان مراكش في عام 2016 سهلاً ولكنه وضع الأساس لتحالف الفضول الجديد حيث إن العالم يواجه العديد من القضايا، مثل العنف والفقر والأمية، حيث نعتبر حلف الفضول الجديد وثيقة تساعد على المساهمة في حل هذه المشاكل». ومن جانبه أكد الكاردينال جون اونايكان رئيس أساقفة أبوجا بنيجيريا أن «الميثاق فرصة لتحقيق السلام والقضاء على الانقسامات نهائياً»، مضيفاً أن «هناك حاجة إلى تغيير جذري إذا أردنا البقاء». وأكد مفتي البوسنة السابق الشيخ مصطفى سيريتش، عضو منتدى تعزيز السلم أن نية الميثاق «السلام والأمن» في العالم، ولذا: علينا أن نحفظ هذا الميثاق، وندعو إليه الجميع حتى يتخلص العالم من كل ما يقلق، ويحفظ الأجيال، وتعد خطوة مهمة ومنجزاً تاريخياً للمنتدى، مثمناً دور العلامة عبدالله بن بيه رئيس المنتدى على جهوده في نشر القيم النبيلة والسلم في العالم، ومعه نخبة من كبار العلماء والمفكرين من أولي العلم. المبادئ التسعة فيما أشار محمد ماجد، إمام مركز آدم بواشنطن، إلى أن الميثاق سيساعد المسلمين في كل مكان، والأميركيين أيضاً على بناء علاقات مع زملائهم المواطنين على أساس المبادئ التسعة، التي يتضمنها الميثاق، قائلاً إن الميثاق الجديد سيحتاج إلى «التزام جديد» من الناس لتحسين العلاقات مع جيرانهم. وأكد الدكتور كينت هيل، المدير التنفيذي لمعهد الحرية الدينية في الولايات الأميركية، أن الميثاق يجب أن يكون جزءاً من الحياة اليومية، وتجسيد مبادئ الميثاق في المناهج الدراسية ووسائل الإعلام وتسليط الضوء عليه لتحقيق الفائدة المرجوة. نهيان بن مبارك يكرم العيسى كرم معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح، ومعالي الشيخ عبدالله بن بيه رئيس «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»، رئيس «مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي»، معالي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، أمين عام رابطة العالم الإسلامي، بجائزة «الإمام الحسن بن علي للسلم الدولية»، في دورتها الخامسة للعام 2019، وذلك وسط تظاهرة ثقافية أممية تهتف للتسامح وتنشد للسلام، ضمن فعاليات الملتقى السنوي السادس لمنتدى تعزيز السلم. وقدم معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان ومعالي الشيخ عبدالله بن بيه درع الجائزة إلى معالي الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى الذي اختير من مجلس أمناء «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» تقديراً لدوره الشخصي والقيادي على رأس رابطة العالم الإسلامي، وإسهاماته الشخصية العلمية والفكرية ومبادراته العملية الخلاقة، التي تعزز قيم التسامح وثقافة السلم في العالم، ومن أهمها مؤتمر التواصل الحضاري، الذي نظمته الرابطة في نيويورك مطلع العام الجاري، بحضور نحو 450 شخصية فكرية ودينية من 56 دولة حول العالم. دعاة سلام وجه معالي الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بجمهورية مصر العربية، رسالة للعالم بأننا دعاة سلام لا حرب، فديننا دين السلام ونبينا نبي السلام، وتحيتنا في الدنيا والآخرة هي السلام، لكنه سلام الشجعان الأقوياء لا المتخاذلين الضعفاء. ودعا إلى احترام آدمية الإنسان وحفظ ماله وعرضه ودمه، قائلاً: إذا كنا جميعًا في الشرق والغرب ندعو إلى الرحمة بالحيوان فعلينا أن نشفع ذلك بدعوة أكثر نضجًا ورقياً إلى الرحمة بالإنسان، ولا سيما أن هناك من يقتل من بني الإنسان ما لو قتل نصفه من الحيوان لقامت الدنيا ولم تقعد، مما يتطلب منا جميعاً أن نعمل بصدق على إعلاء القيم الإنسانية المشتركة واحترام الإنسان كإنسان بغض النظر عن دينه أو جنسه أو لونه. تصحيح المفاهيم قال فضيلة الأستاذ الدكتور عباس شومان عضو مجمع البحوث الإسلامية وكيل الأزهر السابق في تصريحات خاصة خلال مشاركته في المنتدى السادس لتعزيز السلم، بجلسة حول أهمية حماية دور العبادة: علينا اتخاذ مواقف أكثر تقدماً من خلال تصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الشباب المسلم وغير المسلم على السواء الذين تجاوزوا كل الخطوط والحدود وأصبحت بيوت الله بالنسبة لهم ميداناً لتنفيذ ما أوصلهم إليه فكرهم المنحرف فلا يفرقون بين مسجد وكنيسة ولا بين مسلم ومسيحي ويهودي ولا بين صغير وكبير. وأوضح أن هناك خطوات مهمة اتخذتها المؤسسات الإسلامية وفي مقدمتها الأزهر الشريف تمثلت في عقد ندوات ومؤتمرات للمواطنة والحرية الدينية والتواصل والتحاور مع الكنائس الشرقية والغربية وتوقيع وثائق مهمة، وتكوين كيانات مشتركة كبيت العائلة المصرية، ورفع الغطاء والتبرؤ من كل صاحب فكر منحرف ينتهك حرمة الآخر ودار عبادته. حماية دور العبادة دعا فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام، مفتي جمهورية مصر العربية، في كلمته بالمنتدى إلى ضرورة التعامل مع السنة الإلهية الربانية بإيجابية لأنها تحمل في طياتها أبعاداً ومضامين تُنظِّم علاقة المسلم بغيره من أتباع الديانات الأخرى، وهي تتجلى إجمالاً في الإقرار بوجود هذا النوع من الاختلاف وضرورة التعايش والتعاون والتكامل معه بما يحقق النفع للخلق واكتمال العمران في الدنيا. وأوضح فضيلة المفتي أن العيش المشترك مع المخالف في العقيدة لا يقتضي بالضرورة معاداة العقائد والأديان أو مخالفة أحكامها أو فصلها عن كيان الدولة، وإنما يقصد به الاتحاد لإعمار الأرض، لافتاً فضيلته إلى أن الشرع الشريف أولى حماية دور العبادة عناية خاصة في السلم والحرب. وأشار فضيلته إلى أن السنة النبوية الشريفة جاءت أيضاً بتقرير واضح لوجوب ترك الناس على أديانهم وسمحت لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم في دور عبادتهم المختلفة.