تقول أوساط سياسية سودانية إن دعوة حزب المؤتمر الشعبي لقواعد التيار الإسلامي التحرك وإسقاط الحكومة الانتقالية برئاسة عبدالله حمدوك، خطيرة وتهدد الوضع الهش في البلاد والمسار الانتقالي ككل. وتشير الأوساط السياسية إلى أن المؤتمر الشعبي الذي أسسه الراحل حسن الترابي في العام 1999، يحاول أن يملأ الفراغ الذي خلفه حزب المؤتمر الوطني، من خلال مواجهة مشروع قيد التنفيذ لتفكيك المنظومة القديمة والتي يعد جزءا أصيلا منها، رغم أنه تم تحييده في إحدى الفترات التي أعقبت التوتر المعلن بين زعيمه الراحل والرئيس المعزول عمر البشير. وتلفت الأوساط إلى أن حزب المؤتمر الشعبي أو حزب الترابي كما يحلو للكثيرين تسميته، يسعى جاهدا لاستنهاض الإسلاميين الذين لا يزال قطاع عريض منهم يفضل التزام الصمت إلى حين مرور العاصفة التي تضرب رياحها قيادات رئيسية منه، في ظل جو شعبي مشحون يطالب بالإسراع في المحاسبة. ودعا حزب “المؤتمر الشعبي”، الأربعاء، القواعد والقوى الإسلامية المعارضة لقوى “الحرية والتغيير”، إلى إسقاط الحكومة الانتقالية. جاء ذلك على لسان الأمين العام المكلف لـ”المؤتمر الشعبي”، بشير آدم رحمة، في فيديو بثه إعلام الحزب، على مواقع التواصل الاجتماعي. وظهر الأمين العام في الفيديو، إلى جانب رئيس هيئة شورى الحزب، إبراهيم السنوسي، قبل توقيف الأخير من قبل الشرطة السودانية، في وقت سابق الأربعاء. وقال رحمة، الذي تولى مسؤولية إدارة الحزب بعد توقيف أمينه العام علي الحاج، في 20 نوفمبر الماضي “ندعو إلى إسقاط حكومة قوى الحرية والتغيير لأنها غير جديرة بإدارته (السودان). قحت (اختصار قوى إعلان الحرية والتغيير) ستؤجج الصراعات في السودان”. وقوى الحرية والتغيير هي تحالف من أحزاب سياسية، ونقابات، وفاعلين في المجتمع المدني، تولت قيادة الاحتجاجات غير المسبوقة ضد نظام الرئيس عمر البشير. وتتقاسم قوى الحرية والتغيير مع الجيش السوداني اليوم إدارة المرحلة الانتقالية والتي من مهامها تصفية إرث الإسلاميين الذين قبعوا على مدار عقود في الحكم على إثر انقلاب في العام 1989 على حكومة منتخبة ديمقراطيا آنذاك برئاسة الصادق المهدي. ووصف رحمة، البلاغ ضد مدبري ومنفذي انقلاب 30 يونيو 1989، بأنه “كيدي سياسي ويهدف إلى إقصاء الإسلاميين وتصفية الحسابات معهم”. وحملت تصريحات رحمة رسائل ترهيب ضمنية للسودانيين، حيث قال “إذا وقعت مشاكل بالسودان، سيغادر قادة (قحت) لأنهم يحملون الجوازات الأجنبية”. من جانبه، قال السنوسي، في التسجيل ذاته “وصيتي لكل أعضاء الحزب والقوى السياسية بالتوحد والتماسك لمواجهة طغيان قوى إعلان الحرية والتغيير”. وأظهرت مشاهد الفيديو لحظات اقتياد السنوسي إلى النيابة السودانية، ومنها إلى سجن “كوبر” في الخرطوم. ولم يصدر بيان عن الشرطة بشأن توقيف السنوسي، الذي كان يشغل منصب مساعد الرئيس المعزول عمر البشير. غير أن النيابة العامة كانت أصدرت في 20 نوفمبر الماضي، أمرا بالقبض على أمين حزب المؤتمر الشعبي علي الحاج، والسنوسي لدورهما في تدبير انقلاب 1989. وتم توقيف الحاج وإحالته إلى سجن كوبر في الخرطوم، فيما لم ينفذ الأمر حينها ضد السنوسي. مقاضاة الرئيس المعزول تمثل اختبارا لمدى ما ستصل إليه السلطة الانتقالية في التعامل مع إرث حكمه وتقدم محامون سودانيون، في مايو الماضي، بعريضة قانونية إلى النائب العام في الخرطوم، ضد الرئيس المعزول عمر البشير ومساعديه؛ بتهمة “تقويض النظام الدستوري عبر تدبيره لانقلاب عسكري عام 1989”. تحت وطأة احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية. والثلاثاء استدعت النيابة العامة البشير لاستجوابه بشأن دوره في انقلاب عام 1989 الذي أوصله إلى السلطة. وتمثل مقاضاة الرئيس المعزول وقيادات إسلامية أخرى اختبارا لمدى ما ستصل إليه السلطة الانتقالية في التعامل مع إرث حكمه المستبد على مدى 30 عاما. ويرى محللون أن محاولة المؤتمر الشعبي لتجييش الإسلاميين في مواجهة خطوات تفكيك المنظومة السابقة ومحاسبة رموزها لن تأتي أكلها، خاصة وأن الحزب في موقف ضعيف، كما أن طموحه بزعامة التيار الإسلامي ليس متاحا على وقع الانقسام الحاصل داخله، وليس أدل على ذلك من تصريحات للأمين العام للمؤتمر الوطني إبراهيم الغندور، الذي دعا الثلاثاء إلى الابتعاد عن العنف وتجنيب البلاد المزيد من الأزمات، لافتا إلى أن الحزب ليست لديه أي نوايا للعودة إلى السلطة وأنه منكب على إجراء مراجعة لتجربته، هذا إن نجح في تجاوز فرضية حله. ويقول المحللون إن دعوة المؤتمر الشعبي لإسقاط الحكومة من شأنها أن تسرع من خطوات تفكيك الإرث السابق سواء بحل مؤسساته وإنهاء نشاطاتها في ظل إدراك بأن إطالة الأمر يعني إعادة المنظومة السابقة تنظيم صفوفها، وستشكل حينها تهديدا فعليا للمسار الديمقراطي. وبدأ السودان، في 21 أغسطس الماضي، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويعلق السودانيون أملا كبيرا في أن تضع هذه الفترة السودان على المسار الصحيح من خلال معالجة الأزمة الاقتصادية والتوصل إلى سلام شامل في مناطق النزاع، وتفعيل مبدأ المحاسبة.
مشاركة :