قدمت الحكومة الفرنسية تنازلات بشأن نظام التقاعد الجديد الذي رسم في الأيام الماضية ملامح مواجهة محتدمة بين الحشود الفرنسية الغاضبة والرئيس إيمانويل ماكرون. وأعلن رئيس الوزراء الفرنسي، إدوار فيليب، الأربعاء، أنّ مشروعه الرامي لإصلاح الأنظمة التقاعدية لن يطبق إلا على الفرنسيين المولودين عام 1975 وبعده، في محاولة لاحتواء غضب النقابات التي تنفذ إضرابات وتظاهرات منذ أسبوع. وقال فيليب إن مشروع القانون سيقدم إلى البرلمان في نهاية فبراير للمصادقة عليه. ولكن يبدو أن تعديلات الحكومة الفرنسية لم يكن لها وقعها على النقابات التي تتشبث بالتخلي عن الإصلاحات برمّتها. وأعرب عدد من زعماء النقابات العمالية عن رفضهم لخطط إصلاح نظام التقاعد. وقال فيليب مارتينيز، رئيس نقابة الكونفدرالية العامة للعمل “سي.جي.تي” التي تمثل القوة الأكبر في الإضرابات المستمرة ضد خطط الإصلاح، إن ما أعلنه رئيس الوزراء أظهر أن الحكومة “ليست مهتمّة بأي شخص”. وذكر لوران اسكور، من الاتحاد الوطني لنقابات العمال المستقلة “يو.أن.أس.أي”، الذي يتمتع بنفوذ قوي في قطاع النقل العام إنه “لا يزال ينتظر الكثير من التوضيحات” عن الفائدة التي تتضمنها هذه الإصلاحات بالنسبة للعمال في القطاع، حيث من المقرر أن يتم تدريجيا إلغاء حقوق التقاعد المبكر. وقال يفيس ليفيبفر، الأمين العام لاتحاد الشرطة “يو.أن.أس.أي.أس.جي.بي” إنه يدرس دعوة أعضاء الاتحاد لأخذ أيام راحة بشكل جماعي وإغلاق مراكز الشرطة. وكان فيليب قد تعهد بأنّ “الانتقال سيكون تدريجيا” نحو النظام التقاعدي الذي سيوحّد بين 42 نظاماً يُعمل بها حاليا في فرنسا، على أن يدخل فيه بشكل كامل ومباشر مواليد العام 2004 الذين من المتوقع أن يدخلوا إلى سوق العمل في 2022. وافتتح فيليب كلمته التي انتظرها الفرنسيون بالقول “حان الوقت لوضع نظام عالمي موحد للتقاعد، إذ انتهت حقبة النظم الخاصة”، مؤكداً أن الحكومة الفرنسية ليس لديها أية “أجندات سرية”. وكانت ولا زالت الاضطرابات التي تعرفها فرنسا تشكل اختبارا جديا لشعبية الرئيس إيمانويل ماكرون التي بدأت بالتهاوي بسبب سياسات أثارت غضب الأوساط النقابية. وأضاف رئيس الحكومة أن السلطة الفرنسية لا تسعى إلى تأمين مصادر مالية عبر الاقتطاع من أصحاب الدخل المحدود، مشيراً إلى أنه لن يكون هناك “منتصر ولا مهزوم” بما أن الإصلاحات “ليست معركة”. ونوّه فيليب إلى أن النساء هن الرابحات من النظام الجديد، مشدداً على أنه أكثر عدالة بالنسبة لهن. ويشير القانون الجديد إلى أن سن التقاعد 62 عاماً ولكن القانون أيضاً يحتوي بنوداً قد تطيل العمل إلى سن الرابعة والستين، على أن يرتبط تمديد سن التقاعد بنظام خاص من التأمين. وأعلن فيليب الذي حاول أن يمتص غضب الفرنسيين “يبدو لي أنّ الضمانات الممنوحة إلى الفئات الأكثر قلقاً تبرر استئناف الحوار وإنهاء الإضراب الذي يعاقب الملايين من الفرنسيين”. وأنهى حديث فيليب الغموض الذي كان يكتنف الأشخاص الذين سيشملهم المشروع الجديد، وكانت مقترحات أولية من جانب الحكومة أشارت إلى أن النظام قد يُطبق على مواليد سنة 1963 وما بعدها، وفقا لسير المفاوضات. و“ضمن” رئيس الوزراء الفرنسي معاشات تقاعد المعلمين المحتشدين بكثافة خلف معارضة مشروعه. وقال “سننص في القانون على الضمانة بأنّ مستوى المعاشات التقاعدية للمعلمين سيكون محصنا وشبيها بمستوى المعاشات التقاعدية للوظائف أو المهن الموازية في الوظيفة العمومية”. وقال “سنعمل قبل نهاية الولاية الرئاسية على إعادة التقييمات الضرورية للحفاظ على مستوى معاشات المعلمين”، مضيفاً “سنقوم بذلك تدريجياً”. وسيُطبق النظام الجديد على مواليد 2004 من بداية حياتهم المهنية، بينما سيُطبق على الآخرين على أساس دخولهم بداية من عام 2025. وكانت وسائل النقل قد شُلت الأسبوع الماضي في كامل فرنسا بسبب الإضراب الذي دعت إليه نقابات عمالية مناهضة لمشروع القانون. وعوّل النقابيون على أن ترضخ السلطات لمطالبهم من خلال القيام بتعبئة لا مثيل لها منذ العام 1995، العام الذي حاولت فيه السلطات تعديل نظام التقاعد لكن موجة الاحتجاجات الكبيرة والشلل الذي ضرب فرنسا أرغما السلطات على التراجع. وزاد من متاعب حكومة ماكرون تضامن أصحاب السترات الصفراء مع الحركة الاحتجاجية الأخيرة وهو ما أعطاها زخما أكبر. وكانت النقابات العمالية قد أعلنت في وقت سابق أن الاحتجاجات والإضرابات ستستمر “إلى أجل غير مسمى”، إذا لم تتراجع الحكومة عن قرار مشروع القانون الجديد لنظام التقاعد. وستكون هذه الهزات الاجتماعية التي انطلقت منذ العام الماضي بتحركات أصحاب السترات الصفراء بمثابة التحدي لماكرون لمدى صموده من أجل تطبيق برامجه التي جعلته يتحدث في حملته الانتخابية عن عزمه إحداث تغيير حقيقي في فرنسا.
مشاركة :