ثقافة العيب تمنع نساء من الفحص المبكر لسرطان الثدي

  • 12/12/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

أشاحت ابتسام وجهها خجلا عن إعلان حملة “100 مليون صحة” للكشف المبكر عن سرطان الثدي المنتشر في الشوارع الرئيسية بمدينة شبين الكوم، شمال القاهرة، واتهمت الخاضعات للفحص بخلعهن لرداء الحياء، مندهشة من تعريتهن صدورهن لغرباء. لم تفكر العشرينية يوما في خطورة عدم الفحص الدوري لثدييها، وتقول لـ”العرب” “بافتراض أني خضعت للفحص وعلمت بإصابتي بالمرض اللعين، ماذا أفعل؟ هل أستجيب لعلاج كيميائي ويتساقط شعري، ويفوتني قطار الزواج؟”. ابتسام وغيرها فتيات كثيرات من القرى والمدن يحجمن عن الفحوصات، تحت مسلمات بأن كشف الثدي من المحظورات، فهو يرتبط في مخيلتهن بالزواج والممارسة الجنسية ولا يجوز الاقتراب منه أو الحديث عنه، فضلا عن تنشئتهن على ثقافة “العيب” التي تفرضها أسر كثيرة في مصر على بناتها. تلك الثقافة ظهرت جليا في نتائج المرحلة الأولى من الحملة الرئاسية المجانية التي أشارت إلى عزوف الفتيات عن الكشف المبكر لسرطان الثدي، والتي بدأت في يوليو الماضي لإجراء فحص للسيدات للكشف المبكر على سرطان الثدي، ويتم تنفيذها على ثلاث مراحل وتستهدف 28 مليون سيدة مصرية، بدءا من عمر 18 عاما، في جميع محافظات مصر. كان من المتوقع طبقا لبيان وزارة الصحة فحص حوالي 8 ملايين و700 ألف امرأة خلال ثلاثة أشهر، لكن أيسم صلاح مستشار وزيرة الصحة لتكنولوجيا المعلومات صرح بأن عدد المترددات على الحملة منذ بدايتها وحتى نهاية أكتوبر نحو مليوني و130 ألفا، وتمت إحالة نحو 165 ألف حالة اشتباه لمراكز الفحص المتقدم. ويقول صلاح إن المرحلة الأولى شهدت إحجام النساء بالقرى والمدن عن الفحص، وأرجع ذلك الى الثقافة الخاطئة المتغلغلة في عقولهن، كخوف بعضهن من الطلاق أو العنوسة في حالة استئصال الثدي، إن أصبن بالمرض. ولم يتطرق مستشار وزيرة الصحة إلى عزوف الفتيات عن الفحص، فأغلب من خضعن للكشف تعدين الـ35 سنة، وما تحت ذلك السن أعدادهن قليلة عمدا أو جهلا بأن المرض يصيب الفتيات أيضا. حسب تقرير المؤسسة المصرية لمكافحة سرطان الثدي فإن الفتيات الأصغر سنا لسن محميات من المرض، والكارثة أن حالات الإصابة لمن هن أقل من ثلاثين عاما تودي بحياتهن. وصرح محمود التامر، الطبيب المتخصص في رعاية مرضى سرطان الثدي بنيويورك، في ندوة دعت إليها مجموعة من السيّدات العربيات في الأمم المتحدة مؤخرا، أن المرض يصيب النساء العربيات في أعمار صغيرة، وغالبا ما يكون خبيثا، مقارنة مع سكان الغرب وأن كل 50 ثانية، في أحد الأماكن في العالم يموت شخص بسبب سرطان الثدي، أي أكثر من 1700 امرأة ورجل يوميا. ورصدت “العرب” أمام المركز الطبي بالتجمع الثالث، وهو مركز لحملة الكشف المبكر لسرطان الثدي بالقاهرة الجديدة على مدار الأيام الماضية، مناقشات دارت على استحياء بين النساء حول المرض، أما قلة الوعي فكان لها الصوت الأعلى لدى الفتيات الأقل من 25 سنة. اللافت أن جميع القائمات على الفحص طبيبات وكأسلوب مُتبع تشرع إحداهن في التوعية بالمرض، مؤكدة أن الكشف المبكر يمنع السرطان من الوصول إلى العقد الليمفاوية وأعضاء الجسم الأخرى، ويمكن التعامل معه بالجراحة وجرعات أقل من العلاج الكيمياوي والإشعاعي. وتوضح الطبيبة أن المرأة تستطيع ملاحظة سبعين بالمئة من التغيرات عن طريق الفحص الذاتي للثدي بشكل روتيني كل شهر بعد انتهاء الدورة الشهرية بثلاثة أيام. ثم تشرح كيفية الفحص الذاتي بشكل عملي وترفع يدها فوق الرأس وبواسطة أصابع اليد الأخرى تفحص الثدي بحركات دائرية مع المرور على منطقة الحلمة ومنها إلى الإبط لتحسس وجود الكتل. وتعرض الطبيبة صورا لأعراض المرض والتغييرات التي تصيب الثدي كوجود تورم وبثور، خشونة وزيادة سمك طبقة الجلد، تشقق حول حلمة الثدي وإفرازات، أو تغير في الشكل والحجم. بينما تنصح سيدات ما قبل الأربعين بإجراء أشعة تلفزيونية على الثدي كل عامين، أما ما فوق ذلك فعليها الخضوع لـ”الماموغرام”، وهي أشعة سينية للكشف عن الأورام. وتشدد الطبيبة على أن الوقاية أفضل من العلاج لذلك المرض، وتستلزم الكشف الذاتي والامتناع عن التدخين وتجنب السمنة، وممارسة الرياضة بشكل منتظم، والبعد عن استخدام الهرمونات بطريقة عشوائية. وفي غرفة الكشف الإكلينيكي تحاول طبيبة أخرى تفنيد المفاهيم الخاطئة المترسبة في عقول السيدات؛ كاعتقاد إحداهن أن الشعور بألم في الثدى أو وجود كتلة يعني إصابتها بالسرطان، موضحة أن الألم طبيعي فى سن الإنجاب، والكتلة ليست مؤشرا على الإصابة بالمرض فالبعض منها مجرد أكياس مائية أو كتل ليفية تظهر نتيجة التغيرات الهرمونية. وتسأل سيدة عما يدور بينهن بأن تصوير الثدي بالأشعة السينية أو أخذ خزعة من الورم يحرك السرطان ويجعله ينتشر لتنفي الطبيبة ذلك بهدوء، موضحة أن تلك الإجراءات هدفها الكشف عن نوعه ومرحلته. وتلفت إلى اعتقاد الفتيات بأن الإصابة فقط لمن لديها سجل عائلي للمرض، بينما 90 بالمئة من حالات سرطان الثدي نتيجة لكثير من العوامل الحياتية والبيئية. وتؤكد إيمان الشرقاوي، طبيبة بالمركز وإحدى المشاركات بالحملة، أن الإحجام عن الفحص سببه عدم الاعتراف بوجود هذا الخطر من الأساس، فضلا عن أن بعض الأمهات يمتنعن عن مناقشة المرض مع بناتهن. وبحسب دراسة لـ”الجمعية المصرية لدعم مرضى السرطان”، يعد سرطان الثدي أكثر أنواع السرطان شيوعا بين النساء في مصر، والاكتشاف المتأخر للإصابة يجعل الشفاء منه أكثر صعوبة. وتضيف الشرقاوي لـ”العرب” أن 65 بالمئة من الحالات المصابة بسرطان الثدي في مصر يتم تشخيصها في مراحل متأخرة لعدم استجابة كثيرات لفحوصات الكشف المبكر. وكشفت وزارة الصحة أن 18 بالمئة من النساء في مصر يعانين من سرطان الثدي، فضلا عن إحصائية من اللجنة العليا للأورام عام 2018 أثبتت وجود 125 ألف حالة جديدة مصابة به ورغم أن نسبة الإصابة أقل من المعدلات العالمية إلا أن الوفيات هي الأعلى. وينصح رامي رياض، استشاري النساء والتوليد، السيدات بتغيير ثقافتهن تجاه زيارة الفتاة المراهِقة لعيادة النساء وضرورة الالتفات لصحتها التناسلية، فالكلية الأميركية لأمراض النساء والتوليد تنصح بأن تكون الزيارة من سن 13 إلى 15 سنة، موضحا أنها روتينية في الدول الغربية، لكنها ليست موجودة في نظيرتها العربية. ويشير الطبيب المصري إلى أن معتقدات الماضي لا تصلح للزمن الحالي فالنساء يتعرضن إلى الكثير من المؤثرات الملوثة للبيئة، كالهواء والماء والطعام والتلوث الكيميائي، نتجت عنها “تحورات جينية” جعلتهن عرضة لتغيرات جسدية ومرضية، أهمها الشكل التشريحي للثدي، كترهله وعدم بروز حلمته ومساواتها مع البشرة الخارجية، وإصابة بعضهن بالسرطان.

مشاركة :