دعت لطيفة أخرباش، رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري المغربية “الهاكا”، إلى معالجة إعلامية رصينة ومسؤولة لقضية الهجرة، مؤكدة أن المعالجة التي لا ترتكز على معطيات متنوعة قد تؤثر سلبا على القرار السياسي وخاصة في فترة الانتخابات. وتحدثت أخرباش، خلال ورشة دولية، نظمتها المنظمة الدولية للهجرة في تونس، لمدة يومين، حول موضوع “الميثاق الأخلاقي للتغطية الإعلامية للهجرة”، وقالت إنه “من الضروري العمل سويا حتى لا يتم استغلال التمثيل الإعلامي للمهاجرين، لأن ذلك قد يشكل خطرا على التماسك الاجتماعي”. وشددت على التأثير الذي يمكن أن تمارسه وسائل الإعلام في مجال استقطاب المجتمعات حول بعض القضايا الخلافية، من قبيل الهجرة، لأن “وسائل الإعلام تساهم بشكل واسع في بناء مخيالنا الجمعي وتمثلنا للآخر وللعالم”. ونوهت أخرباش بدور هيئات التقنين الذي يتمثل في محاربة خطابات الكراهية والوصم، قائلة إن “الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري تساهم بشكل ملموس في تشجيع معالجة إعلامية للهجرة ترتكز على وقائع ثابتة، وكذلك على حقوق الإنسان”. وأوضحت أن الهيئة تمتنع عن أي فرض للأخلاقيات على الصحافيين وتحترم بشكل صارم حرية الفاعلين الإعلاميين في مجال النشر. وأضافت أن “الهيئة تنجز دراسات، وتحدد معايير يمكن أن تذهب إلى حد اتخاذ عقوبات، وتعزيز يقظة وسائل الإعلام إزاء أي وصم أو تمثل من شأنه أن يضر بكرامة المهاجر أو يصدر عنه خطاب كراهية أو تمييز إزاءه”. تفضيل زاوية العاطفة والخوف، على حساب الخبرة والاستقصاء يشجع على استغلال هذه التغطية الإعلامية من قبل حركات كراهية الأجانب ولاحظت أن قضية الهجرة ما زالت تعالج غالبا، في وسائل الإعلام ببلدان الشمال كما في بلدان الجنوب، بـ”طريقة منحازة وتجزيئية”. وحذرت أخرباش من خطورة “تفضيل زاوية العاطفة وأحيانا الخوف، على حساب الخبرة والاستقصاء. وهو ما يشجع على استغلال هذا النوع من التغطية الإعلامية من قبل حركات كراهية الأجانب والمتطرفين، ويهدد بالتالي التماسك الاجتماعي والعيش المشترك”. وشارك في الندوة التي نظمت، على مدى يومين، صحافيون من عدة دول، وممثلون لهيئات إعلامية وأعضاء منظمات غير حكومية تنشط في مجال الهجرة، كما تم إطلاق النسخة العربية لدليل التغطية الإعلامية للهجرة على أساس القانون الدولي والمعطيات الواقعية. وأشارت أخرباش في مداخلتها خلال هذه المناقشة، إلى أن انتشار الأخبار الزائفة بخصوص قضية الهجرة زادت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. واستشهدت، في هذا الصدد، بالأخبار الكاذبة التي تم تداولها، خاصة في أوروبا، مع اقتراب موعد التوقيع على الميثاق العالمي حول الهجرة خلال انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة بمراكش في ديسمبر 2018. ويدعو ميثاق مراكش العالمي للهجرة الآمنة والنظامية والشرعية، إلى منح جميع المواطنين إمكانية النفاذ إلى معلومات موضوعية وواقعية وواضحة حول فوائد وتحديات الهجرة، من أجل تفنيد الروايات المضللة التي تولد تصورات سلبية عن المهاجرين. وأشارت أخرباش إلى أن المرصد الأفريقي للهجرات والتنمية الذي سيتم إحداثه، ويوجد مقره بالمغرب، قد يعود بنفع كبير على كافة الصحافيين الذين يشغلهم هاجس تفحص مصادر ذات مصداقية والحصول على إحصائيات مؤكدة بخصوص حقيقة ظاهرة الهجرة بالقارة. من جهته، أكد النوري اللجمي، رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري بتونس (الهايكا)، أنه يتعين أن يتم إعداد مواثيق الأخلاقيات من قبل الصحافيين أنفسهم، الذين لهم واجبات أكثر من الحقوق، تتمثل خصوصا في التأكد من مصداقية الخبر. ونوه اللجمي بالمسؤولية المشتركة للصحافي الذي يتعين عليه أن يتوخى الحذر واليقظة حتى لا يسقط في الخطأ، وهيئات التقنين المدعوة إلى تصحيح بعض الاختلالات بخصوص المعالجة الإعلامية للأخبار المغلوطة المرتبطة بقضية الهجرة. من جانبه، انتقد سيسي هاميي، عضو سلطة تقنين وسائل الإعلام بمالي، “القراءة السطحية أو الأحادية”، معتبرا أن المعالجة الإعلامية، التي تتعرض للشجب أحيانا، هي نتيجة لانحياز وسائل الإعلام إلى هذا الطرف أو ذاك. وأوضح أن “المعالجة السيئة للخبر وصورة المهاجر تهم كافة وسائل الإعلام”، مبرزا أنه يتم الحديث في بعض بلدان الانطلاق عن “مغامرين”، وغالبا عن “مرشحين للانتحار” أو عن “يائسين”. وتطرق إلى “الميثاق العالمي للهجرة من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية”، الذي تمت المصادقة عليه بمراكش، والذي يعالج تقريبا كافة جوانب الهجرة، عبر الدعوة إلى النهوض بخبر مستقل، موضوعي وذي جودة، بما في ذلك على شبكة الإنترنت، وخاصة توعية مهنيي وسائل الإعلام بقضايا الهجرة والمصطلحات المرتبطة بها، من خلال إرساء معايير أخلاقية بالنسبة إلى الصحافة والإشهار (الإعلان)، والتوقف عن تخصيص اعتمادات عمومية أو تقديم دعم مادي لوسائل الإعلام التي تنشر بشكل ممنهج عدم التسامح والكراهية والعنصرية وأشكال التمييز الأخرى إزاء المهاجرين. وقال إنه “بإمكان هيئات التقنين المساعدة في ذلك خاصة وأنها تعمل بتنسيق أكثر فأكثر عبر تجميع أفكارها وجهودها في إطار منظمات دولية، إقليمية أو شبه إقليمية”. وأكد أنه من الضروري بالنسبة إلى وسائل الإعلام أن تحدث قطيعة مع الإثارة التي غالبا ما يغذيها سباق محموم للوصول إلى الخبر الحصري، عندما لا يتعلق الأمر، بكل بساطة، بالمتاجرة بانفعالات عاطفية قصوى. وأوصى هاميي بإرساء شبكة أو تحالف للفاعلين للاهتمام دائما بمعالجة الخبر المرتبط بالهجرة، وبترسانة كفيلة بالتنديد بأي وصم للمهاجرين وشبكة للتحليل والمقارنة، موجهة إلى معالجة الخبر المتعلق بهذه القضية، وكذلك ببرنامج يمتد على مدى سنوات للتوعية والتكوين، موجه إلى فاعلي وسائل الإعلام، بما في ذلك هيئات التقنين.
مشاركة :