جاءتني ابنة أخي (غلا) وهي طفلة مؤدبة في المرحلة الابتدائية، وقالت لي: - عمي، المدرِّسة طلبت منا واجباً وهو أن نضع عبارة «أغنى دولة في العالم» في جملة مفيدة. قلت لها: بسيطة وسهلة يا «غلغل»، وهو اسم الدلع لها، ثم حككت رأسي وجلست أنظر إلى الورقة البيضاء والقلم في يدي.. جاءت بلادي على رأس القائمة، وعندما هممت ببدء الكتابة استجمعت الذاكرة وتوقفت قليلاً شارد الفكر. تذكرت جارنا الذي يسكن في الإيجار ولا يملك أرضاً ولا قرضاً. تذكرت طلابي الذين تخرجوا في الجامعة ولحقوا بطابور البطالة الذي ليس له أول ولا آخر! تذكرت ابنة صديقي التي مكثت في المستشفى عدة أشهر في انتظار طائرة الإخلاء الطبي لتتمكن من العلاج بلا أخطاء طبية، ولكن القدر قام بإخلائها! تذكرت المشاريع الجوهرية والحيوية التي قُص شريط افتتاحها وقُص معها أيضاً في نفس الوقت قماش الكفن للدفن! تذكرت مكافحة الفساد التي استبدلت العصا بالريشة للمحاسبة والردع! تذكرت أن هناك قاطعتني (غلغل) وهي غاضبة وتضرب على رأسي قائلة: - (يا الله عمي.. أنت دكتور وتكتب في الجريدة.. وش فيك عجزت تكتب حرف واحد)! نظرت إليها وإلى غموض المستقبل الذي ينتظرها وإلى ضبابية الحاضر الذي يسايرها ثم قلت لها: - قولي للمدرِّسة لا تكتب عبارة صعبة ومعقدة وغير مفهومة على الكبار!
مشاركة :