منذ أن سقط أول قتيل في منتصف شهر نوفمبر الماضي بمدينة سيرجان خلال الاحتجاجات التي شهدتها كافة المدن الإيرانية تقريبا حاولت السلطات الإيرانية ليس التعتيم على الأحداث بمختلف الوسائل ومن ضمنها حظر الإنترنت بل امتنعت عن إعطاء أرقام دقيقة عن عدد القتلى والجرحى والمعتقلين. وقام مركز إيراني اسمه "مركز آبان للدراسات والبحوث الأمنية الاستراتيجية" القريب من الحركة الملكية الإيرانية بالاستناد إلى مصادر قوات الأمن الإيرانية والحرس الثوري والتقارير الموثقة بنشر تقرير حول تفاصيل الاحتجاجات ومن ضمنها عدد القتلى والمعتقلين. ويقول المركز بأنه تعمد في نشر هذا التقرير بعد إخماد الاحتجاجات بشكل متأخر حتى يتسنى له تحليل المعلومات والإحصائيات وبالتالي الخروج بتقرير موثق وشامل. وجاء في مقدمة التقرير أن احتجاجات نوفمبر كانت الأكبر والأوسع والأكثر دموية في تاريج "نظام الجمهورية الإسلامية" في إيران، مضيفاً أن شدة القمع والقتل الذي شهدتها إيران خلال أسبوع واحد لم تحدث في أي نقطة من العالم في العصر الحديث. تدخل وزارة الداخلية والجيش بدلا من الحرس الثوري وذكر التقرير لأول مرة في تاريخ النظام الإيراني يقوم "مجلس الأمن الوطني" برئاسة وزير الداخلية بإدارة الأزمة بدلا من "المجلس الأعلى للأمن القومي" كما لأول مرة وخلافا للسابق كان وزير الداخلية على رأس دائرة التحكم بالأحداث بدلا من الحرس الثوري ومجلس الأمن القومي. وكشف التقرير بأنه لأول مرة تم تحريك قوات الجيش النظامي الإيراني منذ 1979 لقمع الاحتجاجات الداخلية ولأول مرة تقوم وزارة الأمن والاستخبارات بالمساهمة مباشرة في قمع المحتجين، وبهذا صار الحرس الثوري وجهازه الأمني وخلافا للعادة يلعب دورا ثانويا ولم يستخدم قواته التابعة لمقر "ثار الله" في طهران لقمع المظاهرات إلا في حالتين وبأمر مباشر من المرشد. انتشار الاحتجاجات وانتشرت الاحتجاجات خلال الساعات الأولى في كافة المحافظات الإيرانية عدا محافظتي خراسان الشمالية وجيلان وعمت 974 مدينة وتحولت بسرعة في مدينة جوانرود في محافظة كرمانشاه إلى عنيفة ودموية. وتم خلال أسبوع تطبيق حالة طوارئ قصوى أمنية في 6 محافظات وهي أعلى درجة أمنية في البلاد وتصف باللون الأحمر وهي محافظات أصفهان وفارس والبرز وطهران والأهواز (خوزستان) وكرمان. وشهدت العاصمة طهران لأول مرة منذ انتصار الثورة أكبر التجمعات الاحتجاجية في يوم 15 نوفمبر في أقل من 5 ساعات حيث انتشرت الاحتجاجات في 144 منطقة في العاصمة الإيرانية خلال أسبوع مما دفع بقوات الأمن إلى استخدام الغاز المسيل للدموع وإطلاق الرصاص الحي. حجم الاحتجاجات وأضاف تقریر "آبان" تزعم مصادر حكومية أنه خلال الفترة من 15 نوفمبر لغاية 22 نوفمبر خرج بين 650 ألفا إلى 900 ألف من المحتجين في مختلف المدن الإيرانية، حيث تم اعتقال حوالي 9400 شخص وسقط منهم 1360 قتيلا وتم رفع تقرير بهذا الخصوص إلى مجلس الأمن الوطني والجهات الأمنية والعسكرية. وتفيد التقارير أن أغلب السجون والمعتقلات اكتظت بالمعتقلين وتم تفعيل بعض السجون والمعتقلات التابعة للشرطة والتي كانت طور البناء أو تم إغلاقها من قبيل سجن كهريزك السيئ الصيت ومعسكر سروش. حجم الدمار ووفقا لتقرير سري لمجلس الأمن الوطني نقلا عن قوات الأمن بوزارة الداخلية فإنه تم حرق 45 سلسلة متاجر و12 بيتا و921 فرع بنك و1385 جهاز صراف آلي و65295 لوحة إشارة مرور و160 محطة وقود 130 مكتبا تابعا لممثلي المرشد ومجلس خبراء القيادة وإمام جمعة، و48 مقرا ومعسكرا تابعا لقوات الأمن والباسيج والحرس الثوري و8 مساجد وحسينيات وتكايا و560 سيارة خفيفة 430 منها حكومية و130 خاصة و28 سيارة ثقيلة من قبيل الشاحنات والحافلات الحكومية و390 دراجة بخارية أكثرها حكومية و45 منها خاصة و1432 نقطة تفتيش وحراسة وخدمات التابعة للحدائق العامة وشركة الحافلات والبلديات والدوائر الحكومية وقوات الأمن. وفي تقرير منفصل قدمته وزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية إلى مركز دراسات البرلمان الإيراني ذكرت أن حجم الخسائر يتراوح من 1300 مليار إلى 2000 مليار تومان إيراني. وذكر التقرير أن محافظتي طهران وألبرز المجاورتين شهدتا أكبر عدد من الاحتجاجات وتضم المحافظتين 28 مدينة و21% من إجمالي سكان إيران البالغ عددهم 85 مليون نسمة. ومعظم هذه المناطق حديثة البناء وتضم أكبر عدد من العشوائيات ويضفي على سكانها الفقر العام وتفتقر إلى المستلزمات الرفاهية للحيات الحضرية من قبيل المستوصفات والمراكز الثقافية من قبيل دور السينما والمكتبات وتعاني من خلل كبير في الإمكانيات الرفاهية وتكثر فيها المراكز الدينية الحكومية. إبعاد الحرس الثوري عن القمع المباشر ويقول التقرير خلافا لاحتجاجات عام 2009 السياسية فإن النظام حاول إبعاد الحرس الثوري عن قمع 2019 ذات الطابع المعيشي خوفا من حدوث انشقاق في صفوفه خاصة وأن الحرس الثوري يعتبر "جهازا عسكريا عقائديا ثوريا" قد يتعاطف مع مطالب المحتجين، خلافا لقوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية والشرطة التي تقوم بواجبها المهني غير العقائدي. ويستنتج التقرير بأن السلطات توصلت إلى قناعة بأن قمع الشعب (لأسباب معيشية) قد يؤدي إلى انهيارات في الحرس الثوري، على هذا الأساس فإن الأركان العامة للقوات المسلحة حولت مهمة وإدارة قمع الاحتجاجات إلى قوات الأمن التي لديها إمكانيات بالعديد والعدة تضاعف إمكانيات الحرس الثوري وتخصص لها ميزانية كبيرة ومهمتها الرئيسية هو التصدي للاحتجاجات ومكافحة الشغب. ومن ناحية أخرى يرى التقرير أن قادة الحرس الثوري وأعضاء جهازه الأمني كانت أصابعهم على الزناد ولم يسمحوا بالتدخل المباشر خلال أيام الاحتجاجات لأنهم كانوا يعتقدون بأن الاحتجاجات لم تشكل خطرا على مصير النظام بل في أسوأ الأحوال ستؤدي إلى سقوط حكومة حسن روحاني. والنتائج التي خلص إليها التقرير تؤكد وفقا للشهود والأدلة والإثباتات أن حسن روحاني كان المسؤول الأول في قمع الاحتجاجات ويأتي بعده وزير الداخلية ورئيس مجلس الأمن الوطني ثم قائد قوات الأمن وكافة هذه القوى تخضع لأوامر المرشد الأعلى علي خامنئي وتأييده. وبخصوص أحداث مدينة معشور العربية جنوبي الأهواز حاول التقرير ونظرا لكتابته بواسطة جهة شاهنشاهية قومية، حاول ربطها بجهات انفصالية وعزلها عن سائر الاحتجاجات في إيران، مؤكدا أن قوات الأمن والجيش هي التي قامت بقمع الاحتجاجات في معشور وليس الحرس الثوري.
مشاركة :