الانتخابات الرئاسية في الجزائر: مخاض عسير بين مأزق وأزمة

  • 12/13/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

توحي المؤشرات بأن الانتخابات الرئاسية في الجزائر ستكون محطة انتقال من أزمة إلى أزمة، في وقت بدا فيه وبشكل واضح أن الاستحقاق، الذي راهنت عليه السلطة للخروج من مأزق الحراك الشعبي، سيكون ميلادا لأزمة جديدة، وأن هاجس الشرعية الشعبية سيلاحق الرئيس القادم. وانخفض سقف انتظارات جزائريين التقت بهم “العرب” في محيط مكاتب الاقتراع بضاحية الدار البيضاء بالعاصمة، إلى حدود غير متوقعة، تم خلالها التنازل عن كل الطموحات والانشغالات التي عادة ما يرفعها الناخبون في أي استحقاق، لقناعة هؤلاء بأن الأولوية الوحيدة الآن هي الخروج من المأزق السياسي. وترى الحاجة فاطمة (76 عاما) أنها خرجت إلى الاقتراع من أجل “إنقاذ الجزائر من الأخطار المحدقة بها، والخروج من الأزمة التي تتخبط فيها منذ عدة أشهر”. وعن سؤال بشأن ترقبها للرئيس القادم للبلاد، أبدت الحاجة فاطمة زهدا كبيرا في مختلف المطالب والانشغالات، واكتفت بـ”الأمن والاستقرار”. وأفاد شهود عيان، في محافظتي تيزي وزو والبويرة بمنطقة القبائل، بأن السلطة استعانت بأفراد الجيش بالزي المدني ودفعت بهم إلى مكاتب الاقتراع لإيهام الرأي العام بأن المقاطعة هي مجرد شعارات فارغة، وأن تعزيزات وصلت ليل الاقتراع إلى المدينتين المذكورتين، إلا أن ذلك لم يجد نفعا أمام المقاطعة الشعبية غير المسبوقة للاستحقاقات الانتخابية. وصرح أحد المشرفين على العملية الانتخابية في ضاحية الدار البيضاء بالعاصمة، لـ”العرب” بأن “الأهم بالنسبة للتنظيم والمنظمين هو توفير الأجواء العادية للعملية، وأن الأولوية الآن هي للأمن والهدوء، ومرور الاستحقاق إلى بر الأمان”، في إشارة إلى مخاوف تسود من الانزلاق إلى العنف والفوضى. وباستثناء بعض الأنصار والمتعاطفين المنخرطين في الدعاية الانتخابية لهذا المرشح أو ذاك، فإن انطباعا واسعا سجلته “العرب” لدى الكثير من الجزائريين، حول أولوية المشاركة في الاقتراع من أجل مرور الجزائر إلى شاطئ الأمان وعودة الاستقرار، على اختيار هذا البرنامج أو ذاك المرشح وتوحي نتائج التصويت بالورقة البيضاء أو الأصوات الملغاة، بأن المصوتين بتلك الطريقة رغم وصفهم بـ”السلبيين”، إلا أن مشاركتهم في الاستحقاق تبدو تعاطفا مع الوضع الحساس الذي تمر به البلاد، أكثر من رغبتهم في دعم واحد من المرشحين أو البرامج السياسية. ويتنافس في الانتخابات خمسة مرشحين هم عبدالمجيد تبون وعلي بن فليس وكلاهما رئيس وزراء سابق وعزالدين ميهوبي وزير الثقافة السابق ووزير السياحة السابق عبدالقادر بن قرينة، وعبدالعزيز بلعيد العضو السابق في اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني. وخرج الآلاف من المتظاهرين وسط العاصمة الجزائرية ضد إجراء الانتخابات، متحدين الانتشار الكثيف لقوات الشرطة. واحتل المتظاهرون بأعداد كبيرة الجزء الأكبر من شارع ديدوش مراد، حتى ساحة البريد المركزي، كاسرين الطوق الذي فرضته قوات الشرطة. وأظهرت لقطات مصورة نُشرت على الإنترنت متظاهرين آخرين في وهران وقسنطينة ومدن أخرى. وفي منطقة القبائل، وهي مركز رئيسي للاحتجاجات ضد النخبة الحاكمة، دمر محتجون صناديق الاقتراع في مدينة بجاية وخرجوا إلى الشوارع في بلدة حيزر وهم يهتفون “لا للتصويت” بينما كانت مراكز الاقتراع مغلقة. ولم توفق السلطة في التعبئة القوية لتمرير الاستحقاق الانتخابي، وتسويق الصورة التي تريدها للرأي العام، بسبب المقاطعة الواسعة للاستحقاق وحتى شله تماما في بعض المناطق والمحافظات، وتزامنه مع احتجاجات ومظاهرات عاشتها العديد من المدن على غرار العاصمة والبويرة وتيزي وزو، رغم “الإنزال الأمني” غير المسبوق وتصعيد وتيرة القمع. وحسب إحصائيات السلطة المستقلة (الهيئة) للانتخابات، فإن نسبة المشاركة تراوحت بين الأقل من واحد بالمئة وبين 20 بالمئة في منتصف نهار الاقتراع، وكانت الولايات الجنوبية التي تضم تواجدا كثيفا لوحدات الجيش على غرار بشار وتيندوف وتمنراست هي الأعلى، بينما كانت أقل من واحد بالمئة في محافظة تيزي وزو. ويرى متابعون للشأن السياسي الجزائري أن الرئيس القادم سيكون أمام تحديات كثيرة، ولا يستبعد أن يكون سقوطه هو أحد المطالب التي سترفع لاحقا من طرف المناهضين للسلطة، لاعتباره نتيجة لمناورات السلطة المرفوضة، وهو ما يجعله جزءا من الأزمة وليس حلا للخروج من الأزمة التي تتخبط فيها، لاسيما وأن شرعيته ستكون مهتزة من أول يوم يستلم فيه مهام رئاسة الدولة. وسيكون القادم الجديد إلى قصر المرادية، بين سندان رفض شعبي يمثله تيار الرافضين للانتخابات وشرعية مفقودة، ومطرقة السلطة الفعلية التي رسمت خطوطا حمراء ولا تريد ترك الحبل على الغارب كما كان مع الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، حيث تم تقييده مبكرا بتعاقدات واتفاقيات استراتيجية مع شركاء من الوزن الثقيل، مما يجعله رهينة هامش مناورة ضيق ليكون بذلك أول شمعة عداد تحترق بارتفاع أي ضغط كهربائي.

مشاركة :