فشل الإنزال الأمني الكبير الذي سخرته السلطة الجزائرية من أجل تأمين الانتخابات الرئاسية في البلاد، في منع الرافضين لها من الوصول إلى مكاتب الاقتراع وإرباك العملية منذ الساعات الأولى، ومن الحيلولة دون خروج مسيرات شعبية حاشدة في العاصمة وعدد من مدن ومحافظات البلاد، للتعبير عن موقفهم المناوئ للسلطة. وتوازت عملية الاقتراع المنتظمة في الجزائر، لانتخاب رئيس جديد، مع احتجاجات ومسيرات شعبية حاشدة في العاصمة والعديد من المدن والمحافظات، لتؤكد بذلك الطابع الاستثنائي للاستحقاق الرئاسي في البلاد، والأجواء المتوترة التي خيمت عليه منذ الساعات الأولى ليوم الخميس. وسجلت مشادات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن في عدد من مدن منطقة القبائل، على غرار البويرة وتيزي وزو وسطيف والعاصمة، بعد إصرار هؤلاء على التظاهر في نفس اليوم الذي تنظم فيه الانتخابات، حيث استعملت قوات الأمن لأول مرة منذ عدة أشهر الغاز المسيل للدموع والهراوات وحتى الرصاص المطاطي حسب شهود عيان في مدينة البويرة. تصويت ناصر بوتفليقة بالنيابة عن الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة حمل رسائل سياسية مفادها أن السلطة السابقة تؤيد خيارات السلطة الحالية وفيما سجلت أجواء عادية في العديد من المدن والمحافظات، رغم المقاطعة المسجلة للشارع الجزائري، إلا أن أحداث العنف التي سجلت في المناطق المذكورة أضفت أجواء من التوتر والعنف، مما يضع الاستحقاق الرئاسي الذي كانت السلطة تراهن عليه لتجاوز الوضع المأزوم، إلى إنتاج أزمة مبكرة كون البلاد لم تشهد أجواء مماثلة حتى خلال العشرية الدموية (1990- 2000 ). وفيما كان اقتراع المرشحين الخمسة في مكاتب تسجيلهم عاديا وتحت الأضواء الإعلامية، فان اللافت هو الحضور المميز لناصر بوتفليقة (عبد الغني)، إلى مكتب الاقتراع بضاحية الأبيار في العاصمة، من أجل التصويت والتصويت بالوكالة، لصالح شقيقه الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة. وحمل تصويت ناصر بوتفليقة، المتقاعد مؤخرا من وزارة التعليم والتكوين المهني، رسائل سياسية، أوحت بالتزام رموز النظام السابق بثقافة الدولة رغم الظروف التي يتعرضون لها، وإلى أن السلطة السابقة تؤيد خيارات السلطة الحالية. لكن قراءات أخرى ذهبت إلى أن تصويت الرجل هو استفزاز للشارع الجزائري ودفعه إلى التمسك بموقفه، باعتبار أن سلوكه يؤكد على أن الاستحقاق الرئاسي هو خيار نظام سياسي وليس خيار دولة. وذكر شهود عيان في بجاية والبويرة إلى أن المحتجين تمكنوا من وقف الانتخابات في عموم المدينتين، بعد الضغط الممارس على طواقم التأطير وإتلاف وسائل ومستلزمات العملية، رغم الحضور الأمني المكثف في تلك المدن والمحافظات. واضطرت الهيئات الولائية والمحلية، إلى نقل مكاتبها من مقارها إلى مقار الإدارة الرسمية في المحافظات والبلديات، بعد تعرضها للتخريب والإتلاف ومحاصرة المحتجين في عموم منطقة القبائل، وهو ما عطل إيفاد الهيئة المركزية بنسب المشاركة في التوقيت اللازم. وذكرت السلطة المستقلة للانتخابات الجزائرية، أن نسبة الإقبال على المشاركة بلغت 20 بالمئة عصرا، لكنها لم تعلق على الشكاوي والانشغالات التي رفعت إليها في الساعات الأخيرة التي سبقت عملية الاقتراع، من طرف بعض المرشحين، ضد ما أسموه ضلوع بعض المسؤولين المحليين في عدد من البلديات والمحافظات في تزوير مبكر وتوجيه للناخبين لدعم المرشح عزالدين ميهوبي. وفي هذا الشأن أبلغ منسق حملة المرشح المستقل عبدالمجيد تبون، في محافظة قالمة بشرق البلاد، السلطة المستقلة المحلية، عن وقوع تجاوزات وتزوير في أربع بلديات لصالح المرشح ميهوبي، مما يؤكد الشكوك التي عبر عنها المرشحون للاستحقاق في وقت سابق، من بوادر انحياز الإدارة لصالح المرشح المذكور. وتدفقت مسيرات حاشدة وسط العاصمة من مختلف الأحياء والضواحي، كباب الواد والقصبة وأعالي العاصمة وديدوش مراد، ومنعوا عملية الاقتراع في عدد من المكاتب كما هو الشأن في شارعي باستور ومحمد الخامس، بعدما اخترقوا الطوق الأمني المضروب على وسط المدينة منذ ليل الأربعاء. وأفاد شهود عيان لـ”العرب”، بأنه تم تسجيل اعتقال العشرات من المعتقلين في صفوف المحتجين، فضلا عن إصابة الكثير بجروح متفاوتة خلال المشادات التي وقعت بين قوات الأمن والمتظاهرين في عدد من المدن، قسنطينة وبرج بوعريريج والعاصمة والبويرة ووهران. وأجمع المرشحون للانتخابات المذكورة، في تصريحات لوسائل الإعلام خلال عملية التصويت والاقتراع، على “أمانيهم في المرور بالبلاد إلى بر الأمان عبر بوابة الاستحقاق الرئاسي”، وتفادوا بالمجمل الإدلاء برأيهم في ما يتعلق بالظروف والأجواء الاستثنائية التي تخيم على البلاد”. وأوحت مختلف التصريحات الرسمية الصادرة من طرف المرشحين أو المسؤولين الكبار في الدولة، إلى أن الأولوية باتت موجهة لإنقاذ الاستحقاق من الفشل، قبل التفكير في مستقبل البلاد أثناء العهد الجديد للرئيس القادم، حيث اكتفى رئيس الدولة المؤقت عبدالقادر بن صالح، خلال اقتراعه بدعوة الجزائريين للذهاب بقوة للانتخابات والتأسيس لعهد جديد. وتحصي الجزائر أكثر من 24 مليون مسجل على لوائح الانتخابات، تسجل أقلها في المهجر وفي المناطق النائية، حيث انتهت عملية الاقتراع لدى فئة المهاجرين والبدو الرحل، في أجواء من المقاطعة الكبيرة، ينتظر أن تكرس أكثر في الاقتراع الشامل، رغم التعبئة والحشد التي سخرتها السلطة.
مشاركة :