اتفاقية التأسيس المعدلة وقرار عام 1977 المعني بالرقابة على سياسات سعر الصرف لم يتضمنا إرشادات كثيرة حول كيفية إجراء الرقابة، وتطورت عملية الرقابة بالممارسة. ففي أواخر تسعينيات القرن الماضي على سبيل المثال، اتضح أن الرقابة يتعين عدم قصرها على قضايا أسعار الصرف فحسب، بل يجب أن تشمل أيضا إجراء اختبارات سلامة دورية على البلدان الأعضاء كي لا تهدد آثار العدوى الناتجة عن الأزمات المالية استقرار النظام ككل. ومع ظهور اختلالات الحساب الجاري الضخمة في الاقتصادات الكبرى "يطلق عليها الاختلالات العالمية" في مطلع الألفينيات عادت إلى دائرة الضوء المشكلة الأزلية المتمثلة في عدم اتساق توزيع أعباء التصحيح. وكانت هذه الاختلالات ضمن اختصاصات الصندوق الرقابية نظرا لارتباطها بسياسات أسعار الصرف في البلدان الأعضاء ولأنها كانت تشكل خطرا محتملا على استقرار النظام. ورغم إجراء "مشاورات متعددة الأطراف" في عام 2006 وصدور قرار عن مجلس محافظي الصندوق بهدف تعزيز نظام الرقابة عام 2007 وتم دمجه لاحقا في قرار الرقابة الموحد الصادر عام 2012، لم يحقق الصندوق أي نجاح يذكر في إقناع الاقتصادات الكبرى بإقرار سياسات من شأنها الحد من الاختلالات. وفي الوقت نفسه قامت بلدان الأسواق الصاعدة بتحسين سياساتها الاقتصادية الكلية وتعزيز مؤسساتها، ما أدى إلى تقليل حدوث الأزمات، ووصل إقراض الصندوق في منتصف الألفينيات إلى أدنى مستوياته خلال عدة عقود. وبدا مجددا أن الصندوق في طريقه إلى الزوال هذه المرة بسبب هذا التطور المفاجئ، حيث أصبح دخله الذي يأتي أغلبه من نشاط الإقراض غير كاف لتغطية تكلفة الرقابة والمساعدة الفنية. تبددت الشكوك في أهمية دور الصندوق إثر انهيار البنك الاستثماري الأمريكي ليمان براذرز وما تلاه من أزمة مالية عالمية، وبدأ الصندوق بعدها في ضخ سيولة في الاقتصاد العالمي من خلال تخصيص حقوق سحب خاصة. وزاد حجم القروض المقدمة من الصندوق، وبدأ بإقراض بلدان السوق الصاعدة في أوروبا وغيرها، ثم عدة أعضاء في منطقة اليورو، وأتاح لهذه البلدان تمويلا أطول أجلا "في صورة تسهيلات الصندوق الممددة" للتعامل مع المشكلات المطولة في موازين مدفوعاتها. وفي ظل زيادة الاعتماد المتبادل بين بلدان العالم ومخاطر انتقال العدوى، واستنادا إلى فكرة اتفاق الاستعداد الائتماني، استحدث الصندوق أدوات وقائية صريحة "مثل خط الائتمان المرن" لتعزيز الثقة. وردا على تهمة عدم اكتشاف الأزمة قبل وقوعها، قام الصندوق بتصميم مجموعة من الأدوات التحليلية تكون أكثر قدرة على اكتشاف الأزمات المالية وآثارها عبر الحدود وتجنبها والتخفيف من حدتها وحلها. وفي الوقت الحالي بلغ حجم محفظة القروض وأنشطة الرقابة والمساعدة الفنية المقدمة من الصندوق "أكبر بمقدار ثلاثة أضعاف تقريبا مقارنة بعام "1990 أعلى مستوى له على الإطلاق -مدعوما بالتوسع في الأعمال البحثية والتحليلية- كما أصبح المركز المالي للصندوق أكثر استمرارية وأقل اعتمادا على الإقراض. ولا يزال النظام النقدي الدولي يواجه التحديات نفسها تقريبا التي كان يواجهها منذ 70 عاما، لكن الشكل الظاهري لهذه التحديات، ولا سيما نمو التدفقات الرأسمالية الخاصة اتخذ صورا مختلفة لم تطرأ على خيال البلدان المؤسسة. وهكذا، فإن الإنجاز الحقيقي للمؤتمر النقدي والمالي لم يكن لوضع نظام بريتون وودز، لكن الإنجاز الحقيقي هو إنشاء مؤسسة تستطيع تلبية الاحتياجات المتغيرة لأعضائها وتقوم بذلك بالفعل لتحسين الواقع اليومي الذي يعيشه الناس.
مشاركة :