الشارقة: علاء الدين محمود في أول عروض مهرجان المسرح الصحراوي الذي تنظمه إدارة المسرح بدائرة الثقافة في الشارقة، شهدت منطقة «الكهيف» في الشارقة، أمس الأول مسرحية «مطايا البيان» الإماراتية، لمسرح الشارقة الوطني، من تأليف فيصل جواد، وإخراج محمد العامري، ومشاركة نخبة من فناني المسرح الإماراتيين على رأسهم أحمد الجسمي، وسط حضور جماهيري كثيف. جاء العرض ليبرز البيئة الصحراوية العربية الأصيلة ومفرداتها ولغتها، وما تحفل به من إرث وقيم وعادات وتقاليد، وذلك عبر قصة رمزية عن أمانة وشرف الكلمة التي تتباين طريقة نقلها بين ثلاثة أشقاء بعد أن كلفهم والدهم بنقل رسالة، فعلى الرغم من أن هذه الرسالة واحدة ومصدرها واحد، إلا أننا نجد اختلافاً في نقلها وتأويل معانيها ودلالاتها عند كل واحد من الأشقاء الثلاثة بحسب أخلاق وأفكار كل واحد منهم، فيظهر التباين فيما بينهم جلياً في نقل رسالة الأب، وهي: «بنو عمكم يكيدون لكم»، الأمر الذي أدى إلى بلبلة عند الذين وصلتهم الرسالة في مجتمع يسري فيه مفعول الكلمة كالسحر، وكادت الرسالة بحسب تفسير بعض الأبناء، أن تخلق جحيماً لا يطاق في الصحراء، حيث قرعت طبول الحرب بالفعل وكاد أن يقع ما لا يحمد عقباه، فالحرب «أولها كلام»، وربما كانت تلك الحكمة حاضرة في العرض بقوة. يقف العرض بالجميع على حافة الصراع من دون أن تحدث حرباً فعلية، رغم مظاهرها المختلفة، ولكن يبدو أن المخرج قد اكتفى بتلك الوضعية، فما أراد أن يقوله قد وصل للجميع وهو خطورة الكلمة وكيفية تأويلها، فهي المسؤولة عن معظم الحروب في كل مكان في العالم، وبصورة خاصة في الواقع العربي راهنه وماضيه، ولعل الكاتب قد استعاد تاريخاً كبيراً من الحروب والمواجهات في التاريخ العربي، وكيف كان للكلام والوشايات وسوء الفهم، دور كبير في سيادة الكراهية والخصام بين البشر. قدم العامري شكلاً من أنواع مسرحة الحكاية العربية الصحراوية، ولقد كانت الحلول الإخراجية التي دفع بها متسقة تماماً مع فكرة وقصة العرض الذي جمع بين عناصر عدة متكاملة، فكانت القصة مباشرة، لكنها في ذات الوقت تحتشد بالرموز والتكثيف والاسقاطات، وأراد العامري أن تكون رسالة العرض واضحة للجمهور من خلال سينوغرافيا بسيطة وخلابة في الوقت نفسه. غير أن الفرجة كانت حاضرة في عرض حقق شرطها إذ تفاعل الجمهور تماماً وصفق لكثير من المشاهد التي لا شك أنها لامست وعيه الجمعي، فمشاهد الخيول وهي تمرح في الصحراء، والأحاديث الطويلة بين الفرسان، جعلت المشاهدين يستدعون التاريخ، وينتابهم الحنين، فذاكرة ابن الصحراء تظل محتشدة بالمرويات والمحكيات والأساطير المكتوبة والشفاهية المتناقلة التي تعكس سيراً من الأمجاد والبطولات، وذلك ما عبر عنه العرض تماماً خاصة في ما يتعلق باللغة التي نهض عليها العرض، فهي تتصف بالقوة والعمق على مستوى المدلولات والاستعارات والتشبيهات. لقد كانت اللغة هي سيدة الموقف تماماً، وشكلت خطاباً جمالياً بديعاً، وجعلت العرض أقرب إلى الحالة الشعرية والملحمية في كثير من تفاصيله المتعددة، ولجأ العامري كثيراً إلى الحديث المطول ليتمثل البيئة الصحراوية مكاناً وتاريخاً وثقافة، وعمل على خلق معالجات للنص بحيث يجمع فيه بين تقنيات مسرحية متعددة تشمل المونودراما وأساليب العمل التي عرف بها العامري، والتي يلجأ خلالها إلى جعل الصورة هي التي تتحدث عبر التركيز على السينوغرافيا والإضاءة في التعبير عن الحالات النفسية، وبالتالي نجح العرض في الجمع بين الخطاب الموجه الموظف بطريقة تخدم رسالته، والصورة الزاهية المتوهجة، كذلك جاء الأداء التمثيلي ليكمل روعة العرض بالانضباط الحركي، وأيضا الموسيقى التي عبرت تماما عن المكان. نجح العرض في تقديم رسالة محتشدة بالمعاني، من أهمها ضرورة العيش بسلام وتسامح بين الناس، وأهمية التكاتف والتعاون بين الإخوة، وضبط الكلام بحيث لا يقود إلى صراعات وحروب، وربما يشير العرض هنا إلى الرسالة الإعلامية وأهميتها، خاصة أن عنوان المسرحية كعتبة مهمة في تفكيك وتأويل العرض المسرحي يؤكد ذلك، ف«مطايا البيان»، يشير إلى الحديث واللغة والكلام، الأمر الذي يحيل إلى الرسالة الإعلامية التي هي بمثابة أمانة، وقد قدم العرض تفسيرا مباشرا لمعنى العنوان وما يهدف إليه عندما أوضح في أحد الحوارات «أن العقول للكلم مطايا البيان». مسامرة نقدية في المسامرة النقدية التي أعقبت العرض، أشاد المتحدثون بالعمل والجماليات التي حفل بها، وبكونه قد قارب فكرة العروض الصحراوية، ونجح في خلق فرجة ممتعة، وذكر المخرج الكويتي خليفة الهاجري أن العرض شهد لقاء قامتين هما المخرج محمد العامري والمؤلف فيصل جواد، فجاء مكتملا في أركانه من حيث الموضوع والفكر المسرحي، وقد نجح العرض في استلهام التراث. وأوضح الناقد العراقي حسين علي أن العمل قد حقق الدهشة والفرجة واستقطب الجمهور، وتناغم مع شروط المكان في ذات الوقت، وكانت السينوغرافيا غاية في الإبداع، وشدد المخرج الفلسطيني تحسين يقين على أن عوامل كثيرة أسهمت في تقديم عرض مميز أهمها أن أفكار القصة نفسها مأخوذة من الصحراء، ذات علاقة بالحياة العربية. وذكر الناقد السوداني السر السيد أن العرض تجاوز الشكل التقليدي للمسرح وأسس لأطروحة فرجوية جديدة، غير أن المخرج المصري جلال عثمان ذهب في اتجاه مختلف عندما أوضح أن هذه النوعية من العروض الصحراوية تعتمد على التسجيل الصوتي، وهنالك بعض الإشكاليات في الهندسة الصوتية. من جانبه ذكر مؤلف العرض فيصل جواد أن النص شيد على المحاكاة، أي محاكاة الفعل بالكلمة، وأوضح أنه التقى مع العامري في فترة وجيزة وقاما بكتابة النص خلال 3 أيام. أما العامري فنسب نجاح العرض إلى كل فريق المسرحية، ولفت إلى محاولته لكي تستوعب السينوغرافيا البيئة الصحراوية، وكانت الاختيارات دقيقة في تأثيث المكان بالأدوات المناسبة، حيث وضع في اعتباره أن العرض سيقدم لمتلقين مختلفين في ثقافاتهم وأعمارهم.
مشاركة :