ليانة بدر تعود إلى الماضي على ظهر سلحفاة

  • 12/16/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

حملت الرواية الأخيرة للكاتبة الفلسطينية ليانة بدر، اسم “أرض السلحفاة”، وتجري غالبية أحداثها في الأراضي الفلسطينية المستعادة من الاحتلال الإسرائيلي بعد اتفاقية أوسلو. تتابع الراوية رحلة بطلتها التي تعود إلى الوطن عبر جسر حدودي محملة بستة وثلاثين صندوقا، وبمخزون من الذكريات عن الأرض التي غادرتها في 1967 في زيارة لعائلة صديقة بعمّان مع عائلتها، ومنعتها الحرب في صيف ذلك العام من العودة إليها. ضد التشويه تعكس “أرض السلحفاة”، الصادرة مؤخرا عن دار الأهلية للنشر والتوزيع، حكاية شعب كامل أُجبر على الهجرة والتنقل من منفى إلى آخر، إلى أن حوّل الكولونيالي وطنه إلى منفى جديد له. ويتداخل في الرواية صوت الشخصية الراوية مع صوت الكاتبة وهو يكتشف الأرض الجديدة، ببعدها الزمني الجديد، فيجوس بين الماضي والحاضر، حيث تفاصيل بقيت على حالها، مثل أحياء القدس القديمة مقابل تفاصيل بقيت في الذاكرة فقط وشوشت عليها متغيرات في أرواح الفلسطينيين وفي ما أحدثه “العدو” من تغيير على الأرض خلال ربع قرن من الاحتلال. الرواية جاءت موزعة على مقاطع بين شخصيات وأحداث وتراوح في الزمن بين الماضي والحاضر وأحيانا المستقبل يبرر المضمون التقنية التي اعتمدتها الرواية الموزعة على مقاطع بين شخصيات وأحداث وتراوح في الزمن بين الماضي والحاضر وأحيانا المستقبل. وبذلك، فإن بطل النص هو الأرض نفسها، الأرض التي مرّ فوقها ملايين البشر بأحصنتهم وعرباتهم العسكرية وأقدامهم، على مر العصور، فبقوا فيها أو رحلوا عنها ولم يتغير اسم فلسطين، إلا حينما جاء الأغراب (يهود العالم) من بعيد ليدّعوا أحقيتهم بها، فسرقوا الأرض وأقاموا عليها دولة، ومع السنوات توسعت إسرائيل ودخلت أجيال جديدة وصف بعضها بـ”المستوطنين” يزاحمون السكان الأصليين على فضاءاتهم؛ الطرق العامة، أماكن من مدن قد التهمت من بعض أحيائها، والقرى التي سويت بالأرض وأعيد بناؤها لصالح المستوطنين. ورغم التغيرات التي طالت المكان، والتي يمكن اعتبارها نوعا من التشوه مع انتشار أسماء جديدة وبنايات بديلة في الحقول والبساتين التي اقتلع منها الزيتون والبرتقال والحجر والبشر. غير أن الراوية العائدة إلى الوطن من المنافي لا تسمي من الأسماء إلا ما حفظته قبل خروجها؛ المدن والبلدات مثل رام الله، القدس، الخليل، بيت جالا، أسماء الأسواق والحارات والأبواب التي تحيط بالمدن. يغيب عن النص تقريبا إلا في ما ندر، اسم الشعب الآخر الذي احتل الأرض، فهو “العدو” فقط، وتغيب صفات “الصهيونية أو اليهودية أو الإسرائيلية”، عن مفردات وردت في سياق النص، مثل الجسر الخشبي (الحدودي) المجندة، الجيش، المستوطنة، ويرد اسم الدبابة ميركافا، وتكتفي الراوية بذاكرة المتلقي لاستعادة مرجعية السرد. هل هو عدم اعتراف بشرعية المحتل حين تم إغفال الاسم؟ هل هو تكريس للأسماء الفلسطينية مقابل تغييب أسماء منحها المحتل للمكان؟ رمز للأرض “أرض السلحفاة” بعكس ما يوحي عنوانها للوهلة الأولى، ليست رمزا للبطء والبلادة، بل هي، بحسب الكاتبة ليانة بدر في مداخلة لها برام الله عند توقيع الكتاب، رمز لحيوان أرضي لا يكف عن المثابرة للوصول إلى هدفه، وهذا ما يجمعها مع الشعب الفلسطيني. وأشارت بدر إلى أن السلحفاة من “أهم رموز طفولتنا”، هي الأرض كما كنا نتخيلها ونحن أطفال، السلحفاة بالنسبة إليها رمز للتجذر في الأرض، سواء من ناحية ميثولوجية وتاريخية، أو حتى من ناحية مجازية، فصحيح أننا نسير في بلادنا بسرعة السلحفاة، ورافقتنا وترافقنا العديد من الخيبات، ولكن هذا لا يعني الهزيمة، بقدر ما يعني أننا سنصل إلى ما نريد يوما ما، مستعيدة حكاية السلحفاة والأرنب. ويذكرنا هذا العنوان برواية قصيرة صدرت قبل سنوات قليلة للكاتب محمود الريماوي، “من يؤنس السيدة”، تقوم العلاقة فيها بين أرملة وحيدة وسلحفاة تلتقطها من الطريق، مع فارق أن رواية الريماوي تروي مسار شخصية في بلد النزوح، بينما تنشغل رواية بدر بثيمة العودة والنبش في تراث الشعب الفلسطيني؛ من تطريز أثواب نسائه، إلى تفاصيل أعراسه، حلقات الرقص والأغاني، الأطعمة من أطباق وخضروات وفواكه، بل وحتى إلى تخاريفه. وتجمع بين الروايتين، فلسطين، التي تحضر في الأولى من خلال لاجئة فلسطينية تعيش في حي بمدينة أردنية، وتحضر في الأخرى شخصية رئيسية، بكامل أرضها وشخوصها وزمنها، السلحفاة في العملين رمز وظفه كلّ من الكاتبين بطريقته لمعنيين مختلفين. وينهي القارئ رواية “أرض السلحفاة” محملا بشخصيات وأماكن وأحداث جرت في فلسطين أو أثناء الاستعداد للعودة إليها، تبدأها بالشاعرة التي كتبت عن الحب من دون أن تعيش قصة حب في الواقع وتنهيها بهذه الشخصية وبحلم إنجاز فيلم عن رسائل تصل في زجاجات عبر البحر لتحكي قصصا من حياة الناس الذين عاشوا على هذه الأرض. يشار إلى أنّ الكاتبة ليانة بدر، وُلدت في القدس عام 1952، وانتقلت مع عائلتها إلى أريحا حيث كان والدها يعمل هناك، وهو أحد رموز الثقافة العلمية في فلسطين. ونزحت مع عائلتها إلى الأردن عام 1967 بعد حرب يونيو، ثم التحقت بالجامعة الأردنية، لكنها لم تكمل الدراسة فيها إذ حصلت على شهادة الليسانس في علم النفس العام من جامعة بيروت العربية. ومن مؤلّفات الكاتبة ليانة بدر “بوصلة من أجل عباد الشمس”، “عين المرآة”، و”نجوم أريحا”.

مشاركة :