في الأول من شهر أيلول/سبتمبر 1939، اجتاحت القوات الألمانية الأراضي البولندية منتهكةً بذلك كل الوعود التي قدّمها القائد النازي أدولف هتلر طيلة الأشهر الماضية، ومتسببةً في اندلاع أسوأ نزاع عسكري عرفته البشرية. ومع بداية الحرب العالمية الثانية، اتجه النازيون لملاحقة واعتقال أعداد كبيرة من اليهود البولنديين بهدف نقلهم نحو معسكرات الإبادة للتخلص منهم اعتماداً على طرق مختلفة، أشهرها غرف الغاز. وفي خضم الحرب، لم يتردد كثيرون في التدخل لحماية اليهود من مراكز الموت الألمانية عن طريق إخفائهم وتوفير الحماية لهم داخل منازلهم ومنحهم هويات مزورة أحياناً. ومن ضمن هؤلاء الذين تدخلوا لإنقاذ الآلاف من الموت، يذكر التاريخ اسم الطبيب البولندي يوجين لازوفسكي (Eugene Lazowski) الذي عمد بفضل خطة محكمة لخداع النازيين وإنقاذ نحو 8000 شخص من الموت. مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، عمل لازوفسكي لصالح الصليب الأحمر البولندي وحصل على رتبة ملازم. لكن مع انهيار الجيش البولندي أمام آلة الحرب النازية، التحق الأخير بـ"المقاومة" واختبأ عن أعين الألمان لفترة طويلة. خلال نفس الفترة، تمكّن صديق لازوفسكي الطبيب ستانيسلاو ماتوليويز (Stanislaw Matulewicz) من تحقيق اكتشاف مذهل. فبعد جملة من التجارب، أثبت ماتوليويز إمكانية حقن شخص سليم بخلايا ميتة مسببة لمرض التيفوس دون أن ينتقل المرض للأخير. من جهة ثانية، عند إجراء تحاليل مخبرية على دم نفس هذا الشخص السليم يتضح أنه حامل للبكتيريا المسببة للتيفوس. وللتأكد من حقيقة ما توصل إليه، حاول ماتوليويز مساعدة صديق له تواجد بأحد مراكز العمل القسري الألمانية فعمد لحقنه بهذه الخلايا الميتة ومع توجهه للعيادة أثبتت الفحوص التي أجراها الأطباء الألمان أن الأخير حامل لبكتيريا مرض التيفوس ليتم على الفور إخراجه من معسكر العمل وإرساله نحو منزله للتعافي حيث تخوّف الألمان حينها من إمكانية انتشار هذا المرض المعدي بكامل أرجاء المعسكر. ومع انتشار أخبار قيام الألمان باعتقال اليهود، اتجه لازوفسكي لتدبير خطة محكمة لحماية يهود "غيتو" روزوداو (Rozwadów) بمنطقة ستالوا وولا (Stalowa Wola) ومنع الألمان من اقتياد بولنديي المنطقة نحو مراكز العمل القسري. ولجأ لازوفسكي لنشر خبر كاذب حول انتشار مرض التيفوس ببولندا. ومع علمه بعدم مبالاة الألمان بإعدام اليهود المصابين به، لجأ هذا الطبيب لحقن أهالي المناطق المحيطة بـ"غيتو" روزوداو بخلايا ميتة مسببة للتيفوس مانعاً بذلك الألمان من التقدم نحو أحياء اليهود حيث تخوّف النازيون حينها من إمكانية انتقال العدوى إليهم وانتشار المرض نحو ألمانيا. في هذه الأثناء، أرسل الألمان أطباء للتأكد من انتشار المرض. واستقبل لازوفسكي الوفد الألماني وقدّم لهم عينات من دم الأهالي. وأمام هذا الوضع، فضّل الجيش الألماني الابتعاد مؤمناً بقدرة المرض على قتل جميع يهود المنطقة. من خلال هذه الحركة، وضع الطبيب لازوفسكي حياته على المحك حيث لم يتردد الألمان خلال تلك الفترة في إعدام كل من يشارك في حماية اليهود. ومع تعجّبهم من عدم وفاة المرضى، باشر النازيون بالتدخل بـ"غيتو" روزوداو لقتل من فيه إلا أن ذلك لم يتحقق بفضل تقدم السوفييت وانسحاب الجيش الألماني واقتراب موعد نهاية الحرب. وعلى حسب كثير من مصادر تلك الفترة، تمكّن الطبيب لازوفسكي بفضل هذه الحيلة من إنقاذ حياة ما لا يقل عن 8000 شخص جنّبهم خطر غرف الغاز بمعسكر الموت في أوشفيتز.
مشاركة :