ذهبت القيادات الخليجية إلى «كامب ديفيد»... إلى بيت الحليف الأميركي تلبية لدعوته. اللقاء خرج «بالتزام الولايات المتحدة بضمان أمن حلفائها في الخليج»، وقد تم لاحقا تسريب أن الضمانات الأميركية الأمنية ترتكز إلى ثلاث نقاط: الأولى: استعداد الولايات المتحدة «للتدخل العسكري» متى اقتضت الحاجة وتعرض أمن دول مجلس التعاون للخطر. الثانية: وهي شراء دول مجلس التعاون ما يسمى «بالدرع الصاروخية» بالمليارات، وذلك لتوفير الحماية لهذه الدول من «الصواريخ الإيرانية». الثالثة: تتمثل في شراء دول مجلس التعاون لطائرات حربية وأسلحة متقدمة، وذلك لمهاجمة أي خطر تراه هذه الدول، وربطه باستعداد الولايات المتحدة توفير الدعم اللوجستي والاستخباراتي له كما حدث في اليمن، وسيناريو اليمن تم عدّه مثالاً على نجاح هذه الاستراتيجية بناءً على الاستنتاج بأن هذه الطائرات المتقدمة قد أدت إلى تدمير القدرة الصاروخية لأنصار الله «الحوثيين»، وأن الدعم اللوجستي، وكذلك الاستخباراتي، الأميركي عبر التزويد بصور الأقمار الاصطناعية، والدعم السياسي، قد أدت إلى هذه النتيجة.. وهنا نود أن نناقش هذه النقاط بموضوعية.. فبالنسبة «للدرع الصاروخية» التي ستكلف المليارات ويفترض منها أن تحمي دول مجلس التعاون من أي هجوم صاروخي إيراني مفترض.. نود أن نسأل.. هل ستكون هذه «الدرع الصاروخية» أقوى وأقدر من الدرع الصاروخية الإسرائيلية المسماة بـ«القبة الفولاذية» والتي وضعت الولايات المتحدة وإسرائيل مجتمعتين كل ما توصلتا إليه من تكنولوجيا متطورة، وذلك مع توفير ميزانيات مليارية شبه مفتوحة لإنشائها وتطويرها؟، فماذا كانت النتيجة التي كشفتها حرب غزة؟، وأين تساقطت صواريخ فصائل المقاومة الفلسطينية؟، ألم تسقط في تل أبيب ومطار بن غوريون وغيره والكل يعرف الفرق بين قدرات صواريخ غزة «الإيرانية» والصواريخ الأكثر تطوراً وقدرة التي تمتلكها إيران وتضعها في الخدمة، فلو كانت هذه الدرع ذات فائدة وتؤدي إلى التحصين المرغوب لرأينا فائدتها لإسرائيل وهي التي خرست عندما أذلها «حزب الله» بتدمير آلياتها قبل أشهر قليلة في مزارع شبعا، فهل تعتقد دول مجلس التعاون بأن الولايات المتحدة لديها وستعطيها درعا أفضل من الدرع الإسرائيلية التي أنشأتها مع حليفتها لأجل حمايتها!؟ أما بالنسبة للاستعداد الأميركي «للتدخل العسكري» من أجل حماية دول مجلس التعاون فهذه من كبرى الكذبات الابتزازية، فلو كانت الولايات المتحدة، مع حليفتها إسرائيل، تستطيع اتخاذ إجراء عسكري ضد إيران، فهل كانت ستتفاوض معها لهذه السنوات بدلا من تدمير المنشآت النووية الإيرانية؟ وهي – الولايات المتحدة- التي لم تتورع سابقاً عن القصف والقتل لأسباب أقل أهمية، فما بالك بالقدرات النووية الإيرانية التي ترى فيها ربيبتها إسرائيل تهديداً وجوديًا لها. أما في ما يخص بيع الأسلحة والطائرات الحربية المتطورة بالمليارات لدول مجلس التعاون لتمكينها من المبادرة بمهاجمة إيران أو من تراه يهدد أمنها وهو ما حصل لليمن من هجوم استباقي خليجي ومحاولة لتدمير ترسانته الصاروخية ضمن أمور أخرى.. فنود أن نتحدث هنا بتجرد أيضا ونسأل: فعلى فرض أنه ومن خلال آلاف الهجمات الجوية بأحدث الطائرات الحربية وبمعونة الأقمار الاصطناعية والدعم الاستخباراتي الأميركي قد تم فعلا تدمير القدرات الصاروخية للجيش اليمني وأنصار الله، فنحن نستطيع الاستعانة بمعرفتنا بما جرى في غزة كمؤشر على ما يمكن أن يحدث في اليمن.. فقبل الحرب الأخيرة في غزة، تمت إعادة بناء المخزون الصاروخي لفصائل المقاومة في غزة من قبل إيران رغم بعد المسافة والاضطرار لتوصيل الصواريخ البديلة والأكثر تطورا من سابقتها لعبور العديد من البحار والبلدان الافريقية تحت المراقبة غير المسبوقة في التاريخ البشري لكل ما يرِد إلى غزة وما يخرج منها، وذلك باستخدام الأقمار الاصطناعية والطيران الحربي بطيار ومن دون طيار، وعبر شبكات المخبرين المنتشرين في كل مكان على طول الطريق..؟ ولكن، وفي النهاية، وصلت الصواريخ بعيدة المدى، وتم إطلاقها، وأدت مفعولها، فكيف ببلدٍ شاسعٍ كاليمن قريب ومترامي الحدود البرية والبحرية، فكم سيحتاج من وقت لتعويض قدراته الصاروخية على فرض أنه قد تم تدميرها فعلا.. هذا بالنسبة لموضوع التهديد اليمني، أما بالنسبة لإيران فهل ستستطيع يا ترى الطائرات الحربية المتقدمة خرق نظام الدفاعات الجوية الإيرانية والتي تتضمن النظام الروسي S300، ومثيلاته، الذي وافقت روسيا على نقله ونصبه في إيران؟ وفي الخلاصة، فإننا نرى الولايات المتحدة، وهي مغادرة للمنطقة، وعاجزة عن الدخول في أي حربٍ، نجد بأنّ ما تعدنا به هو السراب، بل هو «نصب واحتيال» لتجفيف خزائن الخليج والقضاء على أرصدة الأجيال القادمة السيادية لدول مجلس التعاون، لذلك فليس هناك أكثر ضماناً لأمن الدول المطلة على الخليج غير عقد اتفاقيات امنية بينية متبادلة ضمن نظامٍ أمني اقليمي شامل.. فالولايات المتحدة لم تكن في يوم من الأيام مصدر طمأنينة، وهي لا تعترف إلا بالمصالح، وخداعها وبيعها لأصدقائها عند أول مفترق طرق مصلحية... لا يحتاج إلى شواهد وأمثلة، فضحاياها كثيرون yasseralsaleh@hotmail.com
مشاركة :